تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أيقظ أهله وشد المئزر, وهذا دليل علي فضل العشر الأواخر من رمضان وفضل الإعتكاف وكان يعتكف صلي الله عليه وسلم في العشر الأواخر, ويوصي أهله وأصحابه بالإعتكاف, وتشهد المساجد في رمضان إقبالا كبيرا من المصليين الذي يرغبون في الإعتكاف, وهذا يتطلب أن يقوم أئمة وخطباء المساجد بتوضيح الكثير من المفاهيم لدي الناس, لأن هناك أمورا تغيب عن عامة الناس حول معني الإعتكاف وشروطه وآدابه. علماء الدين من جانبهم طالبوا الأئمة وخطباء المساجد بضرورة وضع برنامج يومي للإعتكاف في المساجد في العشر الأواخر, وذلك بالتنسيق مع مجلس إدارة المسجد والمصليين, وضرورة أن يتم تشجيع الشباب علي الإعتكاف لما له من تأثيرات إيمانية علي قلوب ونفوس الشباب, لأنه في مثل هذه التجمعات تنتشر روح الإيثار والتنافس في الطاعات, وقد حدد العلماء برنامجا يوميا للإعتكاف وطالبوا بضرورة الإلتزام به ليكون بمثابة النموذج الذي يساعد المعتكف علي كسب الحسنات والتقرب إلي الله عز وجل. برنامج يومي ويقترح الشيخ عبد اللطيف المناحي مدير عام المراكز الثقافية بوزارة الأوقاف, برنامجا يوميا للإعتكاف يبدأ من بعد صلاة العشاء والتراويح وتعقد ندوة تدور حول أحد الموضوعات الدينية والقضايا المعاصرة أو تتضمن سيرة الرسول الكريم وقصص الأنبياء, وتستمر هذه الندوة حتي العاشرة والنصف مساء, وينام المعتكف حتي الساعة الثانية صباحا, وتبدأ صلاة التهجد من الثانية صباحا وحتي الساعة الثالثة, وبعد ذلك يتم الإستعداد لتناول طعام السحور في مدة نصف ساعة, وبعد ذلك يتم الإستعداد لصلاة الفجر, وبعد صلاة الفجر تبدأ حلقة تلاوة لجزء من القرآن الكريم و حتي شروق الشمس, وينام المعتكف من الساعة السادسة صباحا وحتي التاسعة, ثم يبدأ في قراءة بعض الكتب الدينية أو قراءة القرآن الكريم حتي صلاة الظهر, وبعد ذلك يبدأ درس حول القضايا الإسلامية المعاصرة وتتضمن أحاديث للرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ومواقف من التاريخ الإسلامي, ثم قراءة جزء من القرآن الكريم حتي الساعة الثانية ظهر, وبعدها تكون هناك فترة قيلولة قبل صلاة العصر, وبعد صلاة العصر يبدأ درس يومي موسع يشارك فيه رواد المسجد مع المعتكفين, وبعد ذلك الإستعداد لصلاة المغرب والإفطار, ويكرر البرنامج يوميا. وعن معني الإعتكاف وأنواعه يقول الشيخ عبد اللحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوي الأسبق أن الإعتكاف معناه لزوم الشئ وحبس النفس عليه خيرا كان أم شرا, فقال تعالي ما هذه التماثيل التي أنتم لهاعاكفون, أي مقيمون متعبدون لها, والمقصود بالإعتكاف هنا هو لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلي الله عز وجل, وهو مشروع فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان وفي العام الذي قبض فيه إعتكف عشرين يوميا. ويشير إلي أن الإعتكاف ينقسم إلي سنة وواجب, والإعتكاف السنة هو ما تطوع به المسلم تقربا إلي الله عز وجل وإقتداء بالرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ويتأكد ذلك في العشر الأواخر من رمضان, أما الإعتكاف الواجب فهو ما أوجبه المرء علي نفسه كأن يقول لله علي أن أعتكف كذا ويحدد المدة التي ينوي الإعتكاف فيها, وزمن الإعتكاف هنا يكون حسب ما نظره الإنسان وسماه فإن نذر يوما أو شهرا فحسب ما قال, وفي الحديث الشريف الذي رواه البخاري عن بن عمر رضي عنهما أن عمر قال: يا رسول الله نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم: أوف بنذرك. ويضيف أن من نوي الإعتكاف ثم أراد أن يعدل عنه يجب عليه قضاؤه, لقوله صلي الله عليه وسلم في الحديث الشريف من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه, ومن نذر أن يعتكف في المسجد الحرام أو النبوي أو المسجد الأقصي وجب عليه الوفاء بنذره لقوله صلي الله عليه وسلم في الحديث الشريف لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد وهي المسجد الحرام والمسجد الأقصي ومسجدي هذا, لكن من نذر الإعتكاف في مسجد معين ليس شرطا أن يعتكف في هذا المسجد بالتحديد وعليه أن يعتكف في مسجد أخر لو أراد ذلك. تفضيل المسجد الجامع ويضيف أن للمعتكف أن يقطع الإعتكاف قبل قضاء المدة التي نواها ويشترط في المعتكف أن يكون مسلما عاقلا طاهرا من الجنابة والحيض أوالنفاس, وحقيقة الإعتكاف لابد أن يكون في المسجد بنية التقرب إلي الله تعالي, وقد إختلف الفقهاء في المساجد الذي يصح الإعتكاف فيها فيري البعض أن النبي صلي الله عليه وسلم قال كل مسجد له مؤذن وإمام يصلح فيه الإعتكاف, والإمام مالك رضي الله عنه يري أنه يصح في كل مسجد دون تخصيص بعض المساجد, والأولي أن يكون الإعتكاف في المسجد الجامع وهو الذي تقام فيه الجماعة وللمعتكف أن يصوم وهو الأفضل, وله أن يخرج من معتكفه فإن نوي إعتكاف العشر الأواخر من رمضان فإنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس ويخرج بعد غروب شمس أخر يوم من الشهر, هذا عند أبي حنفية والإمام الشافعي, ومن نظر إعتكاف يوم أو أيام وأراد ذلك تطوعا فإنه يدخل في إعتكافه قبل أن يتبين له طلوع الفجر ويخرج عند غياب جميع قرص الشمس. نصائح للمعتكف وعن النصائح التي يقدمها للمعتكف حتي ينال الجزاء الكبير يقول: أن يكثر من النوافل ويشغل نفسه بالصلاة وتلاوة القرآن الكريم والصلاة, ويكره له أن يشغل نفسه بما لا يعنيه, لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال في الحديث الشريف من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنية, ويباح للمعتكف أن يخرج من معتكفه لتوديع أهله, وقالت عائشة رضي الله عنها كان صلي الله عليه وسلم في معتكفه فيناولني رأسه من خلل الحجرة فأغسل رأسه ويجوز للمعتكف أن يحلق رأسه ويقلم أظافره, كما يجوز الخروج للحاجة التي لا بد منها. شروطه وآدابه وعن الشروط التي يجب أن يلتزم بها المعتكف يقول الداعية الإسلامي الشيخ أحمد ترك, لابد أن يكون المعتكف طاهرا من الجنابة والمرأة من الحيض والنفاس وعدم مباشرة النساء أثناء الإعتكاف وهذا ورد في قول الله عز وجل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد, وإذا نوي المسلم الإعتكاف في العشر الأواخر من رمضان, فانه لا يجوز له الخروج من المسجد إلا لضرورة حتي ليلة العيد ويدخل معتكفه بعد صلاة الفجر, لما روي أنه صلي الله عليه وسلم كان يصلي الفجر ثم يدخل معتكفه ولا يخرج إلا بعد غروب شمس أخر يوم من رمضان, واذا لم يستطع المسلم أن يعتكف أياما, يمكن أن ينوي الإعتكاف كلما دخل الي المسجد حتي لو مكث ساعة واحدة,ومن جانبه يقول الدكتور عادل هندي المدرس المساعد بكلية الدعوة جامعة الأزهر أن من أهم شروط الإعتكاف, الإخلاص والنية الصادقة والانقطاع الحقيقي عن لذات الدنيا وعدم الخروج من المسجد إلا لعذر ضروري, وعمل برنامج للإعتكاف وعدم الركون للعشوائية والصحبة الصالحة الطيبة وليست المجربة والهاوية, وأن يكون الإعتكاف في مسجد جامع وكبير. التفرغ للعبادة وقال الدكتور عبد الفتاح إدريس الأستاذ بجامعة الأزهر أنه ليس للمعتكف في حال اعتكافه أن يتكسب بالتجارة أو الصناعة, وإنما يستحب له أن يكثر من الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالي ونحوها من الطاعات, ويجتنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال, ولا يكثر الكلام, ويتجنب الجدال والمراء والسباب والفحش. إعتكاف النساء وحول إعتكاف النساء يقول أنه للمرأة أن تعتكف في كل مسجد وإن لم يكن جامعا, إلا أنها ليس لها أن تعتكف إلا بإذن زوجها إن كانت ذات زوج, ويستحب لها أن تستتر بشيء, لأن نساء النبي صلي الله عليه وسلم قد فعلنه لما أردن الاعتكاف, ولأن المسجد يحضره الرجال, فإذا ضربت المرأة عليها ساترا فينبغي أن تجعله في مكان لا يصلي فيه الرجال, حتي لا تقطع صفوفهم وتضيق عليهم.