الاجواء الآن معبأة ومشحونة بفيروسات شديدة النقمة واللعنة .. اسمها فيروسات الفتاوي.. وهي في منافسة شديدة الوطأة مع فيروس السرطان.. من ناحية الفتك بالناس ومن ناحية عدم القدرة علي العلاج بالرغم من تعدد الامصال وطرق الوقاية المرفوضة مع سبق الاصرار والترصد .. من عموم البلوي ان نخوض الآن حربا افتائية ويستعر لهيبها.. ويتم النفخ في نيرانها.. في الوقت الذي يعاني فيه جسد الوطن من انهاك كبير نتيجة حروب ساخنة علي مدي سنوات سياسية واقتصادية وغيرها.. ومن الغريب ان نعلن الحرب علي التجارة بالدين.. والزج به في حروب غير مقدسة.. فاذا بنا نفاجأ بالسقوط في مستنقع رهيب يشرع اسلحة الفتوي وبدلا من الخروج من الدائرة الجهنمية للتجارة بالدين.. نجد انفسنا غرقي في سوق النخاسة الافتائية والعياذ بالله.. واذا بنا امام مشهد مأساوي اخر افرزته الهلوسة الثورية.. فبعد ان خرجت الثورة اجيالا وحولت الشعب كل الشعب الي خبراء استراتيجيين ومحللين سياسيين.. نحن الان امام شعب من المفتين وعلماء ورجال الدين الضالعين والمتضلعين في الافتاء وبيان حكم الدين في كل المسائل والقضايا العويصة حتي تلك التي تعجز عنها مؤسسات الفتوي الرسمية ومجامع البحوث الفقهية والعلمية.. كل يوم لدينا مشكلة مع الفتوي والسادة المفتين الرسميين منهم والشعبيين.. ولم يسلم منهم كبير او صغير.. والعجيب ان المعركة مشتعلة علي اشدها رغم ان القنوات الدينية مغلقة رغبة في وقف التحريض والتضليل والتشويش علي الرأي العام.. لم نكد نفرح او حتي نطمئن بالبشري التي ساقها فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية بأن الفترة القادمة ستشهد وضع الآليات الفَعَّالة والضوابط العلميّة لمواجهة من يتصدرون للفتوي من غير المتخصصين المؤهلين. والتي عادة ما تثير فتاواهم البلبلة في المجتمع الإسلامي. و التي اكد فيها أن سبيل الخروج من حالة البلبلة الناجمة عن فتاوي غير المؤهلين هو الرجوع إلي الشروط التي حددها الشرع فيمن يتصدي للفتوي. ومن أهمها: العلم الشرعي. وهو ما يعبَّر عنه في واقعنا المعاصر ب"التخصص". وشدد علي أن التخصص يعني أن يكون من يتعرض للإفتاء دَرَس الفقه والأصول وقواعد الفقه دراسة مستفيضة. مع مشاركته في باقي علوم الشريعة وممارسته لكتب العلم وقدرته علي استخلاص المعلومة منها. ومعرفته بالواقع المعاش. الواقع المعاش الآن كما لا يخفي علي احد.. يرزح تحت سيل من نيران الاجتهاد العبثية والتي نجحت في ان تقصف الساحة دون هوادة او رحمة.. بوابل من الفتاوي الشاذة والغريبة واشياء عديدة ما انزل الله بها من سلطان.. و لكنهم سلطوها وسلطنوها علي رءوس البشر لحاجات في نفس يعقوب او بدوافع تتحكم فيها الكراهية ورغبات اخري اكثرفي الدناءة وأقبح في البشاعة.. فالساحة تعج او هي غرقي بفتاوي من قبيل جهاد النكاح.. والخروج للجهاد في سبيل الله ورفع راية الاسلام وحماية الشريعة.. و فتاوي اباحة القتل واهدار الدم والغريب انها فتاوي يتحدث بها جانب المؤيدين وجانب المعارضين لاي شيء.. حتي وقع الناس في حيرة حقيقية.. مما يزيد الامر ايلاما وحرجا وظلما وتعسفا.. وجود ظاهرة غريبة وعجيبة في الوقت نفسه بين الفرقاء المتشاكسين او المتصارعين علي حد سواء وهي ذلك الاستدعاء الارعن للمقولات التاريخية والعبارات التي ارتبطت بمواطن الصراع في فترات تاريخية بعينها.. ومحاولة اسقاطها علي الواقع المعاصر والباسها قهرا وقسرا ثوبه.. الامر الذي سبب ارباكا وحرجا كبيرا امام النص والواقعة التاريخية.. ولا ابالغ اذا قلت ان الموقف شجع او دفع بعض ضعاف النفوس والايمان بالاحري الي التطاول والاجتراء علي التاريخ والصحابة العظام.. بعد حالة الهرج والمرج التي تشهدها الساحة الآن.. ولعبة النفي والنفي المضاد والتأكيد والتأكيد المضاد.. والتلويح بالفيديوهات والفيديوهات المضادة علي الفيس بوك والقنوات الفضائية وغيرها ارجو ان يتوقف شيوخنا وعلماؤنا الافاضل عن الفتوي علي الهواء وحتي علي الارض وان يمتنعوا عن الاجتراء علي الفتيا خاصة في وقت الفتنة تحت اي ضغط او اغراء من هنا او هناك خاصة في القضايا الكبري.. والمسائل الشائكة التي تختلط فيها الامور وتتعقد.. او في القضايا التي تبدو فيها نبرة الحساسية عالية او يراد ان يكون الكلام فيها غير مباشر او حمال اوجه كما يقولون رغبة في التعميه وتسهيلا للهروب.. او حرصا علي تعليقها في رقبة مفت او في رقبة عالم وأخرج سالماً كما يقولون.. والامتناع عن الفتوي من جانب عامة المشايخ وعدم الاجتراء علي الفتوي ورفض التصدي لها في مثل تلك الحالات واجب شرعي.. وعليه احالة الامر الي الجهات المختصة بالفتوي او المجامع العلمية والفقهية ايثارا للسلامة ورفعا للحرج وسدا لابواب التحايل ومحاولة النفاذ من الابواب الخلفية او الرسمية.. نقطة اخري اكثر اهمية تتعلق بضوابط نشر الفتوي.. فاذا كنا نطالب العلماء بضبط الفتوي والالتزام بالقواعد المنهجية والفقهية وتحري الدقة والاخلاص فيما ينقل عن الله ورسوله.. فلابد ان نشدد علي فرض قواعد الانضباط في نشر الفتوي واختيار المفتين.. حتي لانقع في فخ الاضلال والتضليل.. وحتي لانندم ونصرخ ونستغيث من التحريض والمحرضين.. وليس عيبا ان يكون هناك منهج عام يلتزم به الجميع.. ممن يتعاملون مع الفتوي في مختلف المواقع المقروءة والمسموعة والمرئية والالكترونية.. فتكون القضايا العامة الخاصة بالمجتمع والوطن عموما والقضايا العلمية الشائكة والتي تتداخل فيها الاختصاصات وتتعدد.. من مهمة المراكز العلمية ودار الافتاء.. وفائدة الالتزام بمثل هذه القواعد انها تكون كاشفة للجميع ومطمئنة لمصدر الفتوي.. وانها تعطي مؤشرا للعامة قبل الخاصة وتقديرا للموقف وكيفية التعاطي مع الفتوي.. بحيث مثلا اذا رأيت قناة فضائية تستضيف شيخا - نص كم - عفوا في التعبير - وتطرح عليه قضية عويصة او هو ليس اهلا لها.. لانها ليست في نطاق اختصاصه او في حدود علمه.. فاعلم انك علي طريق غير صحيح او محفوف بالمكاره او انك امام مشروع تضليل علمي وفقهي بامتياز ويجب عليك الانتباه والابتعاد فورا.. البعض يري ان الامر كله دين وأي واحد يفتي والسلام.. ولايفرق بين الامور البسيطة او الاحكام الخاصة بأمور العبادات رغم عظمها وبين الامور التي تحتاج اجتهادا فكريا وملكة عقلية مؤهلة للاجتهاد والنظر والقياس والاستيعاب الفقهي وما شابه ذلك.. ولاعلاقة للامر بادعاءات التضييق والتوسعة علي الناس في امور الفتوي فهذه حجج تسقط وتتهاوي امام الالتزام بتقديم صحيح احكام الدين للناس كل الناس.. ** يقول الله تعالي في محكم التنزيل: "وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلى وَهَذَا حَرَامى لِّتَفْتَرُواْ عَلَي اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَي اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُون". "النحل: 116". ** روي الدارمي وغيره عن عبيد الله بن أبي جعفر مرسلا قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: "أجرؤكم علي الفتيا أجرؤكم علي النار". ** عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا. يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ. وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ. حَتَّي إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمي فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا". "رواه البخاري ومسلم". ** قال ابن مسعود: "من كان عنده علم فليقل به. ومن لم يكن عنده علم فليقل: الله أعلم . فإن الله قال لنبيه: "قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْري وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ". وقال ايضا: جُنَّة العالِم لا أدري. فإنْ أخْطأها فقد أُصيبتْ مقاتله. ** كان ابن عمر يَسأل عن عشر مسائل فيُجيب عن واحدة ويسكُت عن تسع. ** سُئِلَ الإمام مالك عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري.