اختلف علماء الشريعة الإسلامية حول الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بحظر إصدار الفتاوي من غير دار الإفتاء مؤكدة في حيثياته أنه لا يجوز خلط الدين بالسياسة. فالفضيلة المستقاة من الدين ليست سلعة تباع وتشتري علي القنوات الفضائية لكنها منهج حياة لصالح الوطن .. وأضافت المحكمة أنه إذا كان العلماء قد تجاوزوا في الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال فقد اشترطوا ألا تخالف في ذلك قواعد الإسلام الكلية ولا أصوله العامة والأحاديث الصحيحة والحسنة. يقول د. عبدالفتاح إدريس استاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر إن الفتوي ليست منحصرة في دار الإفتاء وهناك كليات شريعة متعددة كل من فيها تتوافر فيه شروط الإفتاء في كل قضايا العصر وإلا لو أوتي بمفت جاهل لا علم له بنوازل العصر وقضاياه فإنه يحتكر الفتوي في بلد يمتليء بكل العلماء الذين تتوافر فيهم شروط الفتوي ولهذا فإن هذا الحكم الصادر أياً كانت المحكمة التي أصدرته فيه تسفيه واحتكار من شأن علماء الأزهر واستهانة بحقهم في الفتوي خاصة أن منهم من تتوافر فيه شرط "المجتهد المطلق" بكل ما تعنيه هذه العبارة. أضاف د. إدريس : إذا كان الإسلام يحرم الاحتكار ويعتبره كبيرة فإن إصدار حكم يجعل الفتوي محتكرة فيما يصدر لدار الإفتاء فقط فإن معني هذا أن القضاء يشجع علي ارتكاب المخالفات وأولها احتكار الفتوي. وإذا كان من مبادئ الديمقراطية وكان علماء السلف بينهم اختلاف في الرؤي وكان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم يفتون في زمانه ويختلف بعضهم في رأيه مع رأي الآخر فقد أقرهم من تسمو منزلته علي منزلة القضاء الوضعي في مصر علي اجتهادهم في القضايا التي تعرض عليهم لذلك يجب علي القضاء ألا يقحم نفسه في مسألة فيها ازدراء لسائر علماء الأزهر الذين تصح صدور الفتوي عنهم .. لهذا فإن الحكم فيه تكميم للأفواه وتسلط ومنافاة للديمقراطية ومصادرة لآراء الغير. أشار د. إدريس إلي أنه إذا كان الحوار الذي جاء به الإسلام بين المسلمين بعضهم ببعض وبين المسلمين وغيرهم يقتضي ألا يكمم فم أو يصادر رأي أو يمنع إنسان من إبداء وجهة نظره في قضية من القضايا فإن هذا الحكم هو دعوة صارخة إلي الإرهاب الفكري الذي يكمم الأفواه ويمنع من تأهلوا للإفتاء والذين أطبق القاصي والداني علي ضلوعهم في هذا الجانب لذلك ينبغي علي القضاء أن يراجع هذا الحكم لأن التبعات المترتبة عليه صادمة. أكد أن الحكم يجب أن يأتي دائماً علي حسب الأغلبية وإذا كان هناك من تجرأوا وتصدوا للفتوي من غير تأهيل فينبغي أن يمنع من تأهلوا من التصدي لها .. كما ينبغي أن يكون الحكم بمنع هؤلاء غير المتأهلين للفتوي بالتصدي لهم خاصة أن بضاعتهم في هذا الجانب مزجاة وهذه الفتاوي الصادمة ليست ظاهرة عامة وإنما هي قاصرة علي بعض المأجورين الذين يمولون من أصحاب الفكر المغلوط الذين ملكوهم هذه الفضائيات ليظهروا عليها ويزلزوا ثوابت العقيدة في نفوس الناس. صناعة الإفتاء من جهته رحب الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية بالحكم قائلاً إن الإفتاء مهنة لها شروط معينة يجب أن تتوافر فيمن يفتي مثل أن يكون الشخص من خريجي الأزهر الشريف وحاصل علي شهادات علمية متخصصة في الفروع الإسلامية كالفقه والشريعة وعلوم الحديث وغيرها إلي جانب ضرورة أن يكون من العلماء الراسخين في العلم فالفتوي صناعة لابد أن يتقنها صانعها المتخصص فيها. أكد أن المفتي خليفة النبي صلي الله عليه وسلم في تبليغ الأحكام الشرعية وتوضيح ما التبس علي الناس فالرسول الكريم أول من أفتي تلاه خلفاؤه ثم أهل العلم من السلف الصالح .. وتعجب د. نجم ممن يتصدر للفتوي من غير المتخصصين والمؤهلين لذلك خاصة ممن نراهم علي شاشات الفضائيات الذين سببت فتاواهم بلبلة وأثارت جدلاً في المجتمع. طالب بالتصدي لفوضي الفتاوي مشيراً إلي أن دار الافتاء المصرية تسعي جاهدة في هذا الطريق بتبصير الناس بأمور دينهم وتتبع الفتاوي المثيرة للجدل وتصحيح المفاهيم حولها حتي يتم إزالة اللبس الذي يعتريها مضيفاً أن الدار قامت بإصدار مجلدات تحوي أهم الفتاوي منذ 115 عاماً في جميع المجالات يجد فيها السائل مراده وما يريد الاستفسار عنه كما أن هناك موسوعة دليل الأسرة وأخري فيما يخص فقه الأقليات لتغطي بذلك الدار كافة المسائل التي تهم المسلمين حول العالم .. كما يتوافر بالدار برامج للتدريب علي الفتوي لمن يريد اقتحام هذا المجال. يري د. نجم أن الإفتاء صناعة تمر بعدة مراحل حتي تخرج في صورتها المطلوبة مثل مرحلة التصوير ثم التكييف ثم بيان الحكم فالإصدار وهي مراحل يجب أن يراعيها من يتصدر مهمة الإفتاء لذلك لابد أن يكون من المتخصصين حتي يستطيع المرور بهذه المراحل .. كما لابد من تفعيل الفتوي الجماعية التي تصدر من دور المجامع الفقهية لاسيما في القضايا الحديثة التي ترد علي المجتمع ولم يكن لها مثيل في الماضي. التأهيل للفتوي قال الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر إن التأهيل للفتوي أول شروط من يتصدر لها وهذا أمر ليس متوافر في كثير ممن يفتون حالياً حيث إن الفتوي علم يتعلق بمقاصد الشريعة وقواعد الفقه والأحكام التي وردت في القرآن والأحاديث الشريفة لذا فإن علي من يفتي أن يكون ملماً باستنباط الأحكام وعلي معرفة شاملة بما ينقله من كتب التراث. أضاف أن الله سبحانه وتعالي قال في كتابه الحكيم "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" وبالرغم من ذلك نري أن الكثيرين أصبحوا يفتون بعلم وبدون علم وهو ما أثار الرأي العام وخلق العديد من المشاكل بين الناس وساهم في انتشار التشدد في المجتمع لذلك لابد من وضع ضوابط لمهنة الإفتاء حتي لا يقتحم هذا المجال غير المتخصصين.