الجدل حول قضايا الهوية لا ينتهي. صحيح أن الحوار حولها بين أبنا الوطن مهم ومطلوب طالما تم في إطار علمي وفكري ويستهدف الوصول لأرضية مشتركة واثراء الواقع. وليس فرض الرأي وتوجيه الاتهامات وربما الانقياد للعنف. فالمرفوض قطعا هو الدعوات التي تهدم ولا تبني. وتفرق ولا تجمع. وتباعد ولا تقرب. ولذلك من الملفت الإصرار علي ترديد مقولات وادعاءات المستشرقين بان الإسلام لا يعرف الدولة المدنية ودعوته هدفها إقامة دولة دينية. وافتعال خصومة بين الاسلام والأفكار الحديثة والاصرار علي أن مصر دولة علمانية مع أن القضية غير مطروحة أصلا!! أكد الدكتور محمد عمارة. المفكر الاسلامي المعروف. أن التاريخ يؤكد أن الإسلام لا يعرف الثيروقراطية بالمفهوم الغربي وكل ما يتفرع عنها من كهنوت وسيطرة رجال الدين علي السلطة السياسية والحجر علي الآراء باسم الدين والأسرار الإلهية المقدسة. موضحا أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية ولا المؤسسات الدينية ولا التيارات الدينية. والدين الحنيف يعرف المؤسسات أو التيارات الإسلامية العلمية والثقافية وهي لا حصانة لها ولا كهنوت بها. ولا عصمة لأحد فيها لأنهم علماء أو طلاب يبحثون عن الحقيقة. ويخضعون لمنهج العلم الذي توارثوه وعرفوه. وعملوا علي الاجتهاد فيه وفق أسس منهجية وشروط توثيقية. فلا صكوك حرمان ولا صكوك غفران في الإسلام. قال :إن الادعاءات التي تهدف الي تشويه الإسلام وتزعم أنه ضد الدولة المدنية زائفة ويدحضها حقيقة أن الحكم في الدولة الإسلامية يقوم علي أساس من العدل والشوري. مبينا أن رفض الانفراد بالرأي والسلطة. في أي ميدان من ميادين الرأي والسلطة. لانه هو المقدمة للاستبداد والاستفراد والطغيان. ويقول الله تعالي:¢ كلا إن الإنسان ليطغي ان رآه استغني ¢. وهي سنة قرآنية. صدق عليها تاريخ الإنسان والنظم والحضارات. ولذلك فان المنقذ للإنسان وللعمران البشري من هذا الطغيان هو نظام الشوري الإسلامية. الذي يكفل للإنسان المشاركة في تدبير شئون العمران. صغيرها وكبيرها. فتنجو دنياه من الطغيان. وذلك دون أن يطغي هذا الإنسان علي التدبير الإلهي المتمثل في الشريعة الإلهية. والتي هي الأخري مقوم من مقومات العدل في هذا العمران. أشار الي أن عظمة الإسلام تتأكد في جعله الشوري فريضة إلهية. فهي ليست مجرد حق من حقوق الإنسان. فلا يجوز للإنسان أن يتنازل عنها حتي بالرضا والاختيار. موضحا أن الشرع عمم ميادينها لتشمل سائر ميادين الحياة الإنسانية. العام منها والخاص من الأسرة إلي المؤسسة إلي المجتمع إلي الدولة إلي الاجتماع الإنساني ونظامه الدولي وعلاقاته الدولية. أضاف أن الإسلام يفرض ويوجب في شئون الدولة أن تكون الشوري شوري الجماعة. مشيرا الي أنها الفلسفة والآلية لترتيب الأمور سواء كان ذلك في داخل مؤسسات الدولة. أو في العلاقة بين هذه المؤسسات وبين جمهور الآمة. ففي إدارة مؤسسات الدولة لشئونها يلفت القران الكريم أنظارنا إلي معني عظيم عندما لا يرد فيه مصطلح ¢ولي الأمر¢ بصيغة المفرد التي تدل علي ¢ الانفراد والاستفراد¢ وإنما يرد فيه هذا المصطلح فقط بصيغة الجمع ¢ أولي الأمر ¢ إلي الجماعية وتزكية للمشاركة والشوري:¢ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم }-النساء59 . كما يحرص القرآن الكريم علي التنبيه علي أن يكون ¢أولو الأمر¢ من الأمة ¢ حتي تكون السلطة نابعة من الأمة وليست مفروضة عليها من خارج. ويوضح الدكتور عمارة أن القرآن جعل العلاقة بين الدولة وبين جمهور الأمة قائمة علي الشوري والمشاركة في صنع القرار. إذ هي فريضة إلهية. حتي ولو كانت الدولة يقودها رسول الله- صلي الله عليه وسلم- يقول الله تعالي:¢ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين ¢ آل عمران 159. فالعزم أي تنفيذ القرار هو ثمرة للشوري أي المرحلة التالية لاشتراك الناس في إنضاج الرأي وصناعة القرار. الهوية إسلامية شدد الدكتور شوقي علام- مفتي الجمهورية- علي أن إسلامية مصر هي قضية هوية. مبينا أن جموع المصريين قد اختاروا أن يكون الدين له دور في الشأن العام ولا ينبغي أن يكون مصدر قلق أو تخوف بالنسبة للمصريين أو العالم الخارجي. وذلك لارتباط تراث مصر الديني تاريخيا بالمنظور الإسلامي المبني علي التسامح واحترام التعددية الدينية. قال: إن مصر الإسلامية لا تقلل أبدا من طبيعة الدولة الحديثة التي تكفل حقوق مواطنيها أمام القانون بغض النظر عن دينهم أو عقيدتهم. موضحا أن مصر لها تجربة فريدة استطاعت من خلالها الوصول إلي نموذج عملي للدولة الحديثة التي لها مرجعية إسلامية. ويجب علي العالم الغربي دراسة هذه التجربة الفريدة وفهم عميق للبنية الثقافية والدينية والحضارية للشعب المصري. مقولات ظالمة حذر الدكتور مبروك عطية- أستاذ ورئيس قسم الدراسات العربية والنقدية بجامعة الأزهر- من أن الهجوم علي الإسلام والتشكيك في قيمه أصبح نوعا من الاسترزاق. مشيرا الي أن هناك من يسخر قلمه وفكره من أبناء جلدتنا لترويج المقولات الظالمة التي أبدعها الاستشراق الغربي لخدمة قوي الاستعمار ومحاولة ترسيخ مفاهيم أن الإسلام دين بين العبد وربه وليس له تأثير في تنظيم حياة الناس. وأن الرسول- صلاة الله عليه وسلم- لم يكن مؤسسا لدوله. إنما مجرد رسول يبين أحكام العبادات وعلاقة الإنسان بالله تعالي. ويضيف أن أنصار العلمانية المتشددة لا يتورعون عن استخدام المصطلحات وتحريف معناها الحقيقي لخدمة أهدافهم الخبيثة وهذا يظهر بوضوح عندما يستخدمون مصطلحات مثل المدنية والثيروقراطية وحرية التفكير وحق التعبير والتنوير والحداثة والتقدمية والرجعية فهدفهم تمرير ما يريدون من أفكار وقضايا تخدم غايتهم الأساسية في الحرب علي الإسلام. والتشكيك في أصوله وبطريقة حذرة حتي لا يقاومها ويرفضها الناس. واعتبر الدكتور مبروك أن اخطر الادعاءات التي تروج ضد الإسلام أنه يؤسس الدولة الدينية وأن الارتقاء بالشعوب الإسلامية لا يتحقق إلا بترسيخ أركان الدولة المدنية. مضيفا أن الكتابات التي يتبناها أنصار المشروع التغريبي تحاول التعمية علي حقيقة أن الإسلام أول من أقام الدولة المدنية منذ أكثر من أربعة عشر قرنا. وساوي بين الناس في العبادات والمعاملات وكل شيء. وقنن الرقابة علي الأمراء والحكام وأكد محاسبتهم ورسخ الشوري وحق اختيار الحكام والحرية الفكرية والعقلية ويرفض التسلط والقهر. فالإسلام لا يعادي الحداثة والمدنية وكل الأفكار والاجتهادات والإبداعات التي ترتقي بالنفس البشرية وتطهرها وتحقق الخيرية في المجتمعات. المفاهيم الصحيحة يؤكد الدكتور أحمد سالم. الأستاذ بجامعة قناة السويس. علي ضرورة نشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة وترسيخها في المجتمع. معتبرا أن التوعية الدينية وفق منهج وسطي معتدل يتناول جميع القضايا ويطرح الحلول والبدائل المناسبة لها هو السبيل لمواجهة حملات الهجوم غير المنصفة التي تستهدف زعزعة القيم وبث الفتن. يقول: إن الأمة بحاجة لخطة عمل دعوية منظمة وعلمية لتوضيح حقائق الإسلام ورد الشبهات التي تثار حوله. مشيرا الي أن النهوض بالفكر الديني والإسهام في مواكبة الحضارة ودراسة التراث الإسلامي يحتاج لرؤي جديدة تكشف عن الجوانب الحضارية منه وتقديمه للأجيال بطريقة مناسبة. ورفض الدكتور احمد سالم أن يقتصر عمل المؤسسات الدعوية علي إقامة شعائر الله وتوعية المسلمين بأمور دينهم فقط. وقال إن المجال الدعوي يحتاج لجهود جبارة ورؤية عصرية وإخلاص لنشر وسطية الإسلام وتصحيح الأفكار المغلوطة التي لا علاقة لها بالدين الحنيف والإبلاغ وتقديم الرسالة للأمم والشعوب الأخري ونشر قيم ومبادئ الإسلام في التفكير والوسطية في المعاملات والاعتدال في التعاملات. ولفت الدكتور أحمد سالم أن نشر مفهوم العقيدة والشريعة وترسيخ علوم القرآن الكريم والسيرة وشرح مضامين السنة النبوية والرد علي تهافت المرجفين من الامور المهمة. مضيفا أنها جهود عظيمة ينتج عنها أثر كبير مما يعزز المفاهيم الصحيحة ويساهم في نشرها في أوساط المجتمعات وهو ما يفرض الاستفادة من وسائل الاتصالات والمعلومات الحديثة.