د. الشحات الجندى »عمد النظام الغربي إلي ان يتناسي انه قدم نموذج الدولة الدينية وراح يكيل الاتهامات للإسلام بأنه ابتدع نظام الدولة الدينية بكل المساوئ الناشئة عنها والتي عاشها الغرب وذلك حتي يتوصل لأن يعم النظام الإسلام بكل المساوئ السياسية لاقصائه عن سدة الحكم والدولة وليفتح الطريق أمام نموذج الدولة المدنية ومبادئها وأفكارها، وسط تراجع حاد لفكر الدولة الدينية بعد التجربة الظلامية التي مر بها الغرب قبل عصر النهضة«. يؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي الأمين العام للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية -في كتابة الدولة المدنية بين الإسلام والغرب« الصادر مؤخرا عن الهيئة العامة للكتاب - ان التجربة المريرة التي عاشها الغرب فيما يتعلق بالدولة الدينية وثار ضدها وهزم أيدولوجيتها، طبعت الذهنية والسلوك الغربي بحالة من الصراع ضد الدولة الدينية المرتبطة بالتخلف والظلم والاستبداد. يشير د.الجندي إلي ان الدولة الدينية كما ظهرت في الغرب - اتسمت بالمظالم والاستبداد في منظومتها المكونة لرجال الدوائر الحاكمة والسلطة ورجال الدين والأباطرة الحكام وفي دائرة الايدولوجية القائمة عليها: التسليم المطلق والطاعة العمياء لأوامر رجال الدين والأباطرة، فلا حق للشعب في ابداء الرأي، ولا مجال للمعارضة أو المناقشة، إنما السبيل هو الخضوع والاستسلام لهؤلاء الذين يحكمون باسم الدين وينطقون بكلمة الله، فهم ملاك الحقيقة المطلقة، وأصحاب النظر الصائب.. وقد نتج عن هذا الطغيان والاستبداد والفساد الذي اتخذ الدين شعارا ان جنح الناس جميعا بهذه الحكومات وأسفرت استنفارا في أوروبا لا مثيل له ضد ما قامت به من العسف والجور والعدوان، فوقع التصادم والصراع المرير حتي بزغ فجر الدولة المدنية ومحو ظلمة الدولة الدينية التي سادت في أوروبا قبل عصر النهضة. اعتقاد خاطئ ويؤكد الدكتور الجندي ان من العوامل التي عمقت النقمة علي الدولة الدينية الصاقها بالإسلام، والاعتقاد الأوروبي بأن الإسلام أقام الدولة الدينية وأدي إلي تقويض الامبراطورية الرومانية التي تعتبر أوروبا امتدادا لها ووريثة مجدها. وان الدولة الإسلامية استطاعت ان تضم أقاليم من الدولة الرومانية ودخل الإسلام إلي الممالك الأوروبية في اسبانيا وفرنسا وفيينا، وحيث ان الإسلام هو الفاعل لذلك، ومشيد دولته علي هذا الاساس، فتم تصنيف دولته بأنها دينية ويجب التخلص من نظامها وتصفية وجودها، وتم استنساخ صورة الدولة الدينية في أوروبا وتركيبها علي الدولة الإسلامية بهدف تفتيت الهوية الإسلامية والتخلص من نموذجها لتحقيق مطامع الدول الغربية في الهيمنة والاجتياح والسيطرة علي مقدرات الشعوب العربية والإسلامية. ويحذر المؤلف من هذا المخطط القادم من الغرب لتصدير فكرة الدولة الدينية التي ذاق منها الغرب الأمرين إلي الإسلام والمسلمين، وان دولة الإسلام دولة دينية علي المسلمين ان ينقضوا عليها لتصفية وجودها إذا ارادوا انتشال أنفسهم من التخلف واللحاق بركب العصر. الاسلام لا يعرف الكهانة وعلي عكس ما كان للبابوات الكاثوليك في أوروبا من نفوذ وحيادهم عن تعاليم الانجيل بعد انتشار المسيحية واعتناق الأباطرة الرومان لها حتي أصبحت السلطة الدينية سيفا مسلطا مارسه البابوات والحكام في أوروبا -العصر الوسيط- في الدولة الدينية، علي عكس ذلك لم يعط النظام الإسلامي لأحد حق الكهانة والاستبداد والسلطة الدينية والحاكمية الالهية، ولم يعرف الإسلام ذلك ولم يمارس الرسول »صلي الله عليه وسلم« أو يدعي السلطة الدينية أو الكهنوتية، ناهيك عن ترويجها كنظام للدولة في الإسلام، فالرسول »صلي الله عليه وسلم« بمكانته ومقامه النبوي لا يملك إلا سلطة التذكير والدعوة للدين، ولم يثبت ان الإسلام أعطي التفويض الالهي لاحد بما فيهم حامل الرسالة، وكذلك كان صنيع الخلفاء الذين كانوا كسائر الناس فهذا عمر بن الخطاب جاء وفد من العراق فوجدوه يعالج ابل الصدقة فلما انكروا عليه ذلك، فقال لهم انه من ولي أمر المسلمين فهو عبدالمسلمين. ويرجع الدكتور الجندي منشأ مقولات وشبهات الدولة الدينية في الإسلام إلي مسابقات من صنع بعض المسلمين يحسب الناظر إليها ان فيها تجسيدا للدولة الدينية ومنها نظرية الامامة عند الشيعة التي تتأسس علي الحق الالهي للامام الحاكم المعصوم من الخطأ وكذلك مما نسب إلي الخليفة عثمان بن عفان، عندما طلب منه الثوار ان يخلع نفسه من الخلافة فرد عليهم »لا والله اني لا انزع رداء سربلنية الله« ويؤكد المؤلف ان الرد علي المساقين يتمثل في ان نظرية الامامة خاصة بالشيعة وهم لا يمثلون الا انفسهم وفكرهم لم يقل به غيرهم، أما ما نسب إلي الخليفة عثمان رضي الله عنه فان هذه المقولة لا تصلح للاحتجاج بها علي نظرية الحق الالهي لعدة اعتبارات منها انه اراد بقوله انه جاء إلي الخلافة بمشيئة الله وارادته وعلي وفق شرعه وحكمه فلا يعزله الا أهل الحل والعقد بمشورة الأمة وان هؤلاء النفر الذين طالبوه بالتنحي كافة قلة لا صفة لهم في تمثيل الأمة وكذلك ما ورد عن الخليفة ويكذب نظرية الحق الالهي. يشمل الكتاب 4 فصول توسع الكاتب فيها للحديث عن الدولة بين الدين والسياسة والدولة الدينية بين الإسلام والغرب ونشأة الدولة المدنية في الغرب وأسس الحكم والنظام السياسي ومفهوم الشوري والديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والدولة الإسلامية المعاصرة. اقصاء الإسلام ومن أبرز ما أكده الكتاب وكشف عنه هو ان النظم الغربية تحاول اقصاء الإسلام وان تنسب لنفسها السبق في اعطاء حقوق المرأة والاقليات وانها المبدعة لمبادئ الديمقراطية والمواطنة وينعتون الاديان والحضارات بالجهالة والاستبداد والديكتاتورية ومصادرة حقوق وحريات المواطنين، وتصوير النظام السياسي الاسلامي علي انه طاعة عمياء وقد ساير هذا الفهم بعض المسلمين، فلا يجوز عندهم بناء دولة علي أساس هوية دينية أو عقدية لان العقيدة أياما كانت لا تؤمن بحق المواطنين علي قدم المساواة ولان القانون الديني يميز بين القصائد وان المؤسسات الدينية تمثل التحدي الحقيقي للدولة المدنية ويسوق انصار هذا الرأي اطروحاتهم ومنها ان المواطنة لا تجتمع مع الدولة الدينية، ويشير المؤلف إلي ان هذا الفهم المغلوط للدولة في الإسلام إنما هو من تأثيرات الأنظمة المستبدة التي قامت علي اكتاف رجال الدين في الغرب، ولا وجود لها في الإسلام، فليس لديه كهنوت ولا يعطي للحاكم سلطة مطلقة، وقد جعل الإسلام السلطة في الأمة جميعا وان الذي جاء به الإسلام هو نظام للدين والدنيا وان الشريعة لم تصنف غير المسلمين بالاقليات وانما وصفتهم بأهل الذمة وكفلت حقوقهم كاملة وأمرت بالبر بهم واشراكهم في تقلد الوظائف العامة والشئون السياسية والمناصب القيادية.