تناقض وتخلخل الشريعة الإسلامية وعدم الصلاحية للخلود والبقاء من أكثر القضايا التي يتخذها بعض المغرضين سواء من أنصار التيار العلماني داخل مجتمعاتنا أو في الغرب وسيلة للهجوم علي الإسلام. إذا أثاروا الشبهات حول الشريعة حول الشريعة واتهموها بالبطلان استناداً إلي ما ابتنيت عليه من الخلافات المذهبية الكثيرة. وبسبب اختلاف العلماء والفقهاء وعدم اتفاقهم في الأحكام. وفنَّد الدكتور عبدالحي الفرماوي. أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر. هذه الشبهة قائلاً: إن الخلافات التي يجدها البعض في الشريعة الإسلامية ليست شخصية حتي تكون مطعناً من المطاعن ضد الإسلام ومنهجه. موضحاً أن بعض هذه الخلافات كان نتيجة تلبية الشريعة لداعي التطور الاجتماعي وتأمين الحق لكل البشر. وليس مظهراً من مظاهر التخلخل. لأن هذه الخلافات قائمة علي أسس قويمة موضوعية. ويؤكد أن الاختلافات المذهبية هي ثروة تشريعية تعض عليها الأمة الإسلامية بالنواجز. وتعدها كنزاً تباهي به الأمم كلها. مضيفاً أن كل الاختلافات إنما كانت في فروع الشريعة لا في أصولها لأن الأصول العامة التعبدية منها والاعتقادية والشتريعية واحدة في كل المذاهب الإسلامية المعتمدة. ولا خلاف فيها في شيء. وما تلك الاختلافات إلا في ميدان التطبيق والتفريع علي هذه الأصول. مما سهل علي الأمة التمسك بدينها والعمل بمنهاج ربها سبحانه. ويقول إن الله تعالي أباح للأمة أن تسلك أي الطرق التي استنبطها الأئمة المجتهدون. وأن تأخذ بأي بالأقوال التي قالوها لا حرج عليهم أن يدعو قول فلان إلي قول فلان. مادام كل منهما يسير في اجتهاده علي منهج واضح وأسس مشروعة. فقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم".. كما روي عن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه قوله: "ما أحب أن أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم لا يختلفون. لأنه لو كان قولاً واحداً لكان الناس في ضيق. وإنهم أئمة يقتدي بهم. فلو أخذ رجل بقول أحدهم لكان سنة. وأشار إلي أن الإمام الشاطبي علق علي هذا القول بقوله: "ومعني هذا انهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه. لأنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق. فوسع الله علي الأمة بوجود الخلاف الفروعي فيهم. فكان فتح باب لدخول في هذه الرحمة. كما أن الأستاذ الشيخ محمد أبا زهرة يعلق علي قول الشاطبي هذا بقوله: "ولقد كان اختلاف الصحابة في الفروع رائدة الإخلاص لذا لم يكن بينهم تنازع في الفقه ولا تعصب. بل طلب للحقيقة وبحث عن الصواب من أي ناحية أخذ. ومن أي جهة استبان. وأن ذلك الاختلاف كان فيه شحذ للأذهان واستخراج للأحكام من القرآن واستنباط قانون شرعي عام وإن لم يكن مسطوراً". واعتبر أن الخلاف في الفروع ثمرة لما بثه القرآن الكريم والسُنَّة النبوية في نفوس الناس من الحق علي البث بعقولهم وتدبير شئونهم بالشوري ومبادلة الرأي. مستضيئين بسُنَّة النبي صلي الله عليه وسلم ومستظلين بأحكام القرآن. مبيناً أن الكثيرين من علماء القانون والحقوق الوضعية في العصر الحديث يتباهون ويفخرون بما انحدر إليهم من تراث تشريعي ضخم عن الرومان يضم كثيراً من الآراء والنظريات المختلفة التي نظمها الفقهاء والشُرَّاح في العهد الروماني. ولا يعدون بحال تلك الآراء المختلفة والنظريات المتباينة المتناقضة أحياناً من النواقص التي يتمنون ألا تكون في ميراثهم القانوني. ولا مظهراً من مظاهر التناقض أو التخلف أو عدم الصلاحية للبقاء والخلود. مع أن الفقه الروماني علي سعته هذه التي يفخرون بها لا يعد إلا نذراً يسيراً إذا ما قارنَّاه بما يحتويه فقهنا العظيم من نظريات تشريعية. وآراء ومذاهب فقهية. وفروع متعددة. وثروة تشريعية ضخمة. ويضيف أن الله تعالي لم يحتم علينا الوصول إلي الحق ومعرفة حكمه الأصلي في كل مسألة من المسائل التي شرعها لنا. لأن هذا فوق طاقتنا. وفيه حرج كبير علينا. مؤكداً أن الحرج مرفوع في الشريعة الإسلامية بنصوص تشريعية كثيرة. ولكن المفروض علينا هو بذل الجهد الكامل للوصول إلي الحق. ولذلك وردت النصوص كلها تدل علي أن المجتهد إذا أصاب كان له أجران. وإذا أخطأ كان له واحداً. وطبيعي أن المجتهد المخطيء لم يصب حكم الله الأصلي لأن الحق لا يتعدد كما يذهب إلي ذلك جمهور الفقهاء. إذ لزم أن يكون المصيب من المجتهدين واحداً. والباقون الذين يخالفونه مخطئين. ولكن هذا الخطأ مرفوع في الشريعة. وأن ما توصلوا إليه من أحكام جائز تقليده والعمل به رخصة من الشارع. وذلك ضرورة أننا لم نستطيع أن نجزم بالحق الذي قضي به الله تعالي في سابق علمه وإرادته. وبذلك يكون ذلك الاختلاف مأذوناً به من الشارع ومرضياً عنه منه. ولا يجوز بحال أن يعد مظهراً من مظاهر التخلخل. وقال: إن الاختلاف مظهر من مظاهر الواقعية والاعتراف بالقدرات البشرية المحدودة التي تقرها السلطة الإلهية وتباركها. فتجعل للمخطيء من المجتهدين أجراً رغم خطئه وعدم قدرته علي الوصول إلي الحق. فحسبه في ذلك أنه بذل جهده الذي منَّ الله تعالي به عليه كاملاً. ولفت إلي أن الشريعة لا تقبل أن كل إنسان جاهل يعمل رأيه في فهم النصوص ثم يقول هذا جهدي وأنا مأجور عليه فيأتي من الأحكام بما لم تقره شريعة ولا عقل. إذ الجواب علي ذلك واضح وبيَّن لا لبس فيه. وهو أن الله أمرنا ببذل الجهد كاملاً. وأدار الثواب والعقاب عليه. ولا يعد الجهد مبذولاً كاملاً إلا إذا حصل الإنسان الالة التي بها يستطيع فهم الأحكام من النصوص. والآلة هذه هي ما يسميه الفقهاء والأصوليين بملكة الاجتهاد وشروطه. فما لم يحصل الإنسان هذه الآلة فهو مقصر ولم يبذل الجهد. وبذلك لا يدخل في زمرة المأجورين. ويوضح أن الاختلاف في فهم النصوص التشريعية. لابد منه نظراً لطبيعة تلك النصوص وما تتضمنه من احتمالات ومرونة تقتضيها طبيعة الشتريع. مشيراً إلي أنه إذا كان من الأفضل أن تكون الأحكام التفصيلية والقواعد الجزئية واضحة ومحددة المعني بصورة لا تقبل الاختلاف في فهمها. فإنه من الأفضل دون شك في النصوص التشريعية الدستورية أن تكون مرنة محتملة لعدة معان في حدود ما تقضي به الحاجة والضرورة. ليمكن أن تصاغ منها تلك المواد الجزئية وتلك الفرعية علي وفق الحاجة المتغيرة من زمن إلي زمن ومن بيئة إلي بيئة. ولو كانت تلك النصوص محددة بحيث لا تقبل الاختلاف ولا تحتمله. لكان الناس في عصر شديد وفي ضيق. ولما أمكن لخلود لمثل هذه القواعد والأسس.