لقد كان الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة في رمضان. وما منع النبي صلي الله عليه وسلم سائلاً أبداً. بل لقد ورد في صحيح مسلم أن رجلاً جاء إلي المصطفي فسأله. فنظر النبي صلي الله عليه وسلم إلي غنم بين جبلين. فقال: "انظر إلي هذه الغنم. سقها فهي لك! فساق الرجل الغنم كلها بين يديه. وذهب إلي قومه قائلاً: يا قوم! أسلموا. فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشي الفقر" . فيا أيها المسلم! أنفق في رمضان. وهيا فكر من الآن. فإن منَّ الله عليك بالمال فلا تنس جارك الفقير. ولا تنس الفقراء والمساكين. فيا أهل الأموال! قدموا الطعام والصدقة. فإن المال ظل زائل. وعارية مسترجعة. ومالك أيها الحبيب! هو ما قدمت. ومال ورثتك هو ما أخرت. فورب الكعبة! لن ينفعك أحد علي ظهر هذه الأرض. فيا أيها المسلم! ويا أيها الحبيب! أنفق لله عز وجل في رمضان. ولا تخش الفقر ولا الفاقة. فإن الذي تكفل بالأرزاق هو الرزاق كما قال في كتابه:پپوَمَا مِنْ دَابَّةي فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَي اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلّى فِي كِتَابي مُبِينيپپ"هود:6". وسامحوني علي تكرار هذا الحديث. فإنه يحلو لي أن أذكّر به في كل مرة أتطرق فيها للحديث عن قضية الرزق: هذا عبد من عباد الله الصالحين يقال له: حاتم الأصم -ووالله! ما أذكرها هنا إلا لأذكر بها» فإن الذكري تنفع المؤمنين- أراد حاتم الأصم أن يحج بيت الله الحرام. فجمع هذا الرجل الصالح أبناءه وقال: إني ذاهب إلي حج بيت الله. فبكي الأبناء وقالوا: ومن يطعمنا؟! ومن يأتينا بما نريد؟! وكان لهذا الرجل فتاة تقية نقية. فقالت الفتاة لأبيها: يا أبت! اذهب. فإنك لست برزاق. فانطلق الرجل. وبعد أيام قليلة نفد الطعام الذي كان في البيت. فقامت الأم لتعنف هذه الفتاة. وقام الأخوات ليعنفن هذه الفتاة. وخلت هذه الفتاة التقية بنفسها. ورفعت شكواها إلي من يسمع دبيب النملة السوداء تحت الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. إلي من -قال وقوله الحق-پپوَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُپپ"الطلاق:2-3" رفعت شكواها إلي الله. فاستجاب الله دعاءها. وفي الوقت نفسه كان أمير البلدة يمر ليتفقد أحوال الناس. وعند باب حاتم الأصم أحس بعطش شديد كاد أن يقتله. فقال جندي من الشرطة معه: أدركني بكوب من الماء. فأسرع الجندي إلي أقرب باب.. إلي باب بيت حاتم الأصم . فأحضر له أهل البيت كوباً نظيفاً. وماءً بارداً. من باب: "أنزلوا الناس منازلهم" وهذا أيها الشباب! ليس من المداهنة وليس من الرياء أو النفاق. فيجب علينا أن ننزل الناس منازلهم. وأن نقدر الناس قدرهم. وهذا من الدين ومن الإسلام. فلما شرب الأمير الماء. قال: بيت من هذا؟ قالوا: بيت حاتم الأصم . قال: هذا العبد الصالح؟! قالوا: نعم. قال: الحمد لله الذي سقانا من بيوت الصالحين. أين هو لنسلم عليه؟ قالوا: ذهب لحج بيت الله الحرام. فقال الأمير: إذاً: حق علينا أن نكافئ أهل بيته في غيبته -وكانت عملتهم من الذهب- فجاء بكيس مملوء بالذهب وألقاه في بيت حاتم الأصم . ولكن الرزاق أراد الزيادة. فأنطق الله الأمير. فالتفت الأمير إلي الجند الذين من حوله وقال: من أحبني فليصنع كصنيعي. فألقي كل جندي ما معه من الأموال. وامتلأ البيت بالذهب. ودخلت البنت التقية النقية تبكي. وراحت الأم تفرح وتسعد مع الأخوات. فدخلوا عليها وسألوها: لماذا هذا البكاء. وقد أصبحنا من أغني الناس؟ فقالت لهم: لقد نظر إلينا مخلوق نظرة فاغتنينا. فكيف لو نظر الخالق إلينا؟! فلا تخش انعدام الرزق. فإن الذي تكفل بالأرزاق هو الرزاق ذو القوة المتين. كما قال سبحانه:پپوَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقّى مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَپپ"الذاريات:22-23". الحرص علي الخير والإكثار منه لاسيما في شهر الخيرپپپ إننا اليوم قد أهلّ علينا شهر رمضان وبعد انتهائه سنقول جميعاً: قد انتهي رمضان. وهكذا رمضان في كل عام. فإنه يأتينا ثم يمضي من بين أيدينا سريعاً. فيربح الرابح. ويخسر الخاسر. فيا أيها الحبيب الكريم انتبه! واحمد الله أن وجدت من يذكرك بهذه الحقيقة من الآن. واحفظ وقتك. فإني أتألم كثيراً حينما أسمع من أحبابي من يقول: ذهبنا إلي المكان الفلاني لنضيع الوقت! وقتك غالي أيها الموحد! وقتك يساوي جنة أو ناراً. فساعة في الطاعة تقربك من الجنة. وساعة في المعصية تقربك من النار. والعياذ بالله. فيا أيها الحبيب الكريم! احفظ وقتك. واعلم أن العمر قصير وأن الأجل قريب. وأن الدنيا مهما طالت فهي قصيرة. ومهما عظمت فهي حقيرة. وأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر. وأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر. لقي الفضيل بن عياض رجلاً فقال له الفضيل: كم عمرك؟ فقال الرجل: ستون سنة. فقال الفضيل: إذاً أنت منذ ستين سنة تقطع الطريق إلي الله. يوشك أن تصل. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون! فقال الفضيل : يا أخي! هل عرفت معناها؟ قال: نعم. عرفت أني لله عبد. وأني إليه راجع. فقال الفضيل : يا أخي! فمن عرف أنه لله عبد. وأنه إليه راجع عرف أنه موقوف بين يديه. ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول. ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً. فبكي الرجل. وقال: يا فضيل ! وما الحيلة؟ قال الفضيل : يسيرة. قال: ما هي يرحمك الله؟ قال الفضيل: هي أن تتقي الله فيما بقي يغفر الله لك ما قد مضي وما قد بقي. قال الشاعر: تذكر وقوفك يوم العرض عرياناً مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا والنار تزفر من غيظ ومن حنق علي العصاة ورب العرش غضباناً اقرأ كتابك يا عبدي علي مهل فهل تري فيه حرفاً غير ما كانا فلما قرأت ولم تنكر قراءته وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفاناً نادي الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبد عصي إلي النار عطشانا المشركون غداً في النار يلتهبوا والموحدون بدار الخلد سكانا قال عز وجل:پپوَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَي الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَي رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةي بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَي الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًاپپ"الكهف:47-49". فانتبه أيها المسلم! قال الشاعر: أيا من يدعي الفهم إلي كم يا أخا الوهم تعبي الذنب والذم وتخطي الخطأ الجم أما بان لك العيب أما أنذرك الشيب وما في نصحه ريب كأن سمعك قد صم أما نادي بك الموت أما أسمعك الصوت أما تخشي من الفوت فتحتاط وتهتم فكم تسير في السهو وتختال من الزهو وتنفض إلي اللهو كأن الموت ما عم كأني بك تنحط إلي اللحد وتنغط وقد أسلمك الرهط إلي أضيق من سم هناك الجسم ممدود ليستأكله الدود إلي أن ينخر العود ويمسي العظم قد رم فزود نفسك الخير ودع ما يعقب الضير وهيئ مركب السير وخف من لجة اليم بذا أوصيك يا صاح وقد بحتك من باح فطوبي لفتي راح بآداب محمد يأتم وصدق الله إذ يقول: كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ* وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَي رَبِّكَ يَوْمَئِذي الْمَسَاقُپپ"القيامة:26-30" ويفتح سجلك أيها اللاهي! ويفتح سجلك أيها الغافل! وإذا به:پپفَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّي * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّي "القيامة:31-32". ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فذكر نفسك أيها الحبيب! وأذكر نفسي وإياك بقول الشاعر: يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليل فتأهبي يا نفس! لا يلعب بك الأمل الطويل فلتنزلن بمنزل ينسي الخليل به الخليل وليركبن فيه عليك من الثري ثقل ثقيل قرن الفناء بنا فما يبقي العزيز ولا الذليل.