رمضان شهر الخير واليمن والبركات. وفيه تتنزل الرحمات. وتغلق أبواب النار. وتفتح أبواب الجنات. فعلي المرء أن يتأهب ويستعد لاستقبال شهر رمضان من الآن . وعليه أن يستغل شهر رمضان في الطاعات والأعمال الصالحة. فإنه من الأوقات الفاضلة التي ينبغي ألا يفرط فيها. رمضان شهر التوبة والإنابة تتزاحم علي الأفكار في هذه اللحظات. ولكن أري أنه من الجفاء ألا نحيي اليوم ضيفاً كريماً قد نزل بنا. إنه ضيف عزيز كريم مبارك. قد أهل علينا بأنفاسه الخاشعة الزكية. ورحماته المباركة الندية. إنه شهر القرآن.. إنه شهر القيام والصيام .. إنه شهر الجود والبر والإحسان والعتق من النيران .. إنه شهر رمضان. لقد أهل علينا هذا الشهر. وأري أنه من الجفاء ألا يكون حديثنا هذا عن شهر رمضان. لذا فاسمحوا لي أيها الأحبة الكرام! أن يكون لقاؤنا هذا بعنوان: "كيف نستقبل رمضان؟" وسوف أركز الحديث حول هذا الموضوع في العناصر التالية: أولاً: تب إلي الله جل وعلا أيها الحبيب! من جميع المعاصي والذنوب. أيها المسلم! أيتها المسلمة! إن أهل الباطل يخططون لكم من قبل رمضان» ليشغلوا أوقاتكم بالمسلسلات الفاجرة. والأفلام الداعرة. والفوازير الخليعة الماجنة. فاحذر أيها الحبيب! واحذري أيتها المسلمة! من أهل الباطل. وتب إلي الله من هذه اللحظة وأنت جالس في موضعك. وارفع أكف الضراعة إلي الله بقلب خاشع منيب أواب. واسأله أن يغفر لك جل وعلا ما مضي من الذنوب والآثام. واعلم بأن الله عز وجل سيفرح بتوبتك. وسيفرح بعودتك. وهو الغني عن العالمين الذي لا تنفعه الطاعة. ولا تضره المعصية. فيا صاحب الخطايا! أين الدموع الجارية؟! يا أسير المعاصي! ألا تبكي علي الذنوب الماضية؟! يا متجرئاً علي الله! ألا تخشي من هول القيامة؟! يا أسير المعاصي! ابك علي ذنبك الآن. يا أسير الذنوب! ابك علي خطيئتك الآن. وتب إلي الرحيم الرحمن جل وعلا. فورب الكعبة ما من يوم يمر علينا إلا ويتنزل الملك جل جلاله إلي السماء الدنيا. تنزلاً يليق بكماله وجلاله. فكل ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك. كما قال تعالي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءى وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ "الشوري:11". والحديث رواه البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلي الله عليه وسلم قال: "يتنزل جل وعلا كل ليلة إلي السماء الدنيا إذا مضي ثلث الليل الأول. ثم يقول جل وعلا: أنا الملك. من ذا الذي يدعوني فأستجيب له. من ذا الذي يستغفرني فأغفر له. من ذا الذي يسألني فأعطيه. حتي يضيء الفجر" فالله ينادي عليك كل ليلة أيها الحبيب! والله ينادي عليك أيتها المسلمة! ويقول جل وعلا: "من ذا الذي يدعوني فأستجيب له" فهل يجدك الله وقد وضعت أنفك وجبينك في التراب ذلاً لخالقك؟! أم سيراك الله أمام المسلسلات؟! أم سيراك الله أمام الفوازير؟! أم سيراك الله أمام الأفلام؟!! يا عبد الله! والله! إن العمر قصير. وإن الوقت قليل. وإن أقرب غائب تنتظره هو الموت. فكم ودعت من أحبابك وإخوانك في الأيام الماضية إلي القبور؟! ذهب الأحباب وذهب الأخلاء. وأنت قدر الله لك أن تعيش إلي رمضان. ولا تملك ولا تضمن أن تعيش إلي رمضان المقبل! فهيا أيها الحبيب! تب إلي الله. ففي صحيح مسلم ومسند أحمد من حديث أبي موسي الأشعري أنه صلي الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار. ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. حتي تطلع الشمس من مغربها" أي: حتي يأذن الله جل وعلا لمراحل الساعة الكبري فتبدأ. ومنها: طلوع الشمس من مغربها. وإذا طلعت الشمس من مغربها وقعت العلامات الكبري للساعة وللقيامة يا عباد الله! أيها الحبيب! هل تعلم أنك إن تبت إلي الله فرح الله بتوبتك؟! قال جل وعلا: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" "الزمر:53". وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك أنه صلي الله عليه وسلم قال: "لله أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان علي راحلته بأرض فلاة. فانفلتت منه راحلته وعليها الطعام والشراب. فأيس من راحلته. فأتي شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته. وبينما هو كذلك إذ به يري راحلته قائمة عند رأسه. فقال: اللهم لك الحمد. أنت عبدي. وأنا ربك! يقول الحبيب صلي الله عليه وسلم: أخطأ من شدة الفرح" فالله يفرح بتوبتك وعودتك أعظم وأجل من فرحة هذا العبد بعودة راحلته إليه مرة أخري. فيا أيها الحبيب! من منا لم يذنب؟! ومن منا لم يعص الله؟! فكل بشر علي ظهر هذه الأرض خطاء. ولكن ربك جل وعلا هو الغفور الرحيم. فهيا من هذه اللحظة تب إلي الله. وعد وارجع إلي الله جل وعلا. واسمع إلي ربك وهو ينادي عليك في الحديث القدسي الجليل الذي رواه مسلم و الترمذي بسند حسن صحيح واللفظ للترمذي من حديث أنس عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالي: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك علي ما كان منك ولا أبالي. يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك علي ما كان منك ولا أبالي. يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا. ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة". هذه هي اللمحة الأولي والعنصر الأول الذي أردت أن أذكر نفسي وأحبابي به. أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من التائبين. ولا تظن أيها الحبيب! أن التوبة لأهل المعاصي فحسب. كلا. بل لقد أمر الله أهل الإيمان بالتوبة. فقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَي اللَّهِ تَوْبَةً وحًا عَسَي رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَي كُلِّ شَيْءي قَدِيرى "التحريم:8". تنزل الرحمات في رمضان ثانياً: أيها الحبيب! إياك أن تحرم نفسك في رمضان من رحمة الرحيم الرحمن. فإن الخاسر ورب الكعبة! هو من مر عليه رمضان ولم يفز فيه برحمة الرحيم الرحمن. ففي الحديث الذي رواه الطبراني -ورواته ثقات- من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه كان الحبيب صلي الله عليه وسلم إذا أقبل شهر رمضان يقول: "أتاكم رمضان شهر بركة. يغشاكم الله فيه. ينزل الرحمة. ويحط الخطايا. ويستجيب فيه الدعاء. وينظر فيه إلي تنافسكم في الخير. ويباهي بكم ملائكته. فأروا الله من أنفسكم خيراً. فإن الشقي من حرم في رمضان رحمة الله عز وجل". أيها الحبيب! فكر في هذا الحديث جيداً من الآن: هل تتنزل عليك الرحمة أمام المسلسل؟! وهل تتنزل عليك الرحمة أمام الفلم؟! وهل تتنزل عليك الرحمة أمام الفوازير الماجنة؟! إنما تتنزل الرحمات في بيئة الطاعات. وفي بيوت رب الأرض والسماوات. وإن جلست في بيتك وجمعت زوجتك وأولادك. وجلست تقرأ القرآن الكريم. أو جلست في بيتك تستغفر الله الرحمن الرحيم. فهذه هي البيئة التي تتنزل عليك فيها الرحمات. فيا أخي في الله! اتق الله في رمضان. وإياك أن تضيع دقيقة في غير طاعة. عليك ألا تمر دقيقة إلا وأنت في طاعة لله. فورب الكعبة! إنك لا تضمن أن تعيش إلي رمضان المقبل. فرمضان شهر الرحمات. فعرض نفسك لرحمة الله. ولن تنال رحمة الله إلا إذا كنت علي طاعة لله جل وعلا.