أواصل حديثي اليكم حول الاستعداد لاستقبال شهر رمضان وانتقل معكم الي وجوب المحافظة علي صلاة الجماعة حافظ علي الصلوات في جماعة في بيوت الله عز وجل. فلقد كان حبيبك المصطفي حريصاً علي الجماعة حتي في مرضه الأخير. وكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم. وقد نقل الإمام البغوي في "شرح السنة" اتفاق أهل العلم. فقال: اتفق أهل العلم علي أنه لا رخصة لأحد في ترك الجماعة إلا من عذر شرعي فلا يجوز لأحد أن يترك صلاة الجماعة إلا من عذر شرعي. والعذر الشرعي الذي يمنعك من صلاة الجماعة في بيوت الله هو: المرض. والمطر الشديد. والظلام الحالك الذي تخشي فيه علي نفسك الهلاك. والبرد الشديد الذي قد يصيبك بأذي أو بمرض. أو وضع الطعام بين يديك في وقت أذن فيه للصلاة. فإذا كنت جائعاً فقدم الطعام أو العَشاء علي العِشاء. أما فيما عدا ذلك فلا يجوز لك أن تؤخر الصلاة في بيوت الله جل وعلا عن وقتها. وكم من المسلمين من يترك صلاة الجماعة في بيوت الله. وعذره: حتي ينتهي الفيلم أو المسلسل أو المباراة! فهل هذا عذر شرعي يا عباد الله؟! بل الواجب عليك أن تهرع إلي بيت الله إذا نودي عليك بحي علي الصلاة! أيها الحبيب الكريم! اسمع إلي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. والحديث رواه مسلم . يقول عبد الله: من سره أن يلقي الله تعالي غداً مسلماً فليحافظ علي هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن. فإن الله قد شرع لنبيكم سنن الهدي. وإنهن من سنن الهدي. ولو صليتم في بيوتكم -أي: لم يترك الصلاة. وإنما يصلي. ولكنه يصلي في بيته- كهذا المتخلف الذي يصلي في بيته لتركتم سنة نبيكم. ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم. ولقد رأيتنا وما يتخلف عن صلاة الجماعة إلا منافق معلوم النفاق! -والله! إنها عبارة تخلع القلب الحي- ولقد كان يؤتي بالرجل يهادي به بين الرجلين -أي: كرجل عجوز كبير مريض يؤتي به وهو يتمايل بين رجلين: رجل عن يمينه. ورجل عن يساره- حتي يُقام في الصف أي: ليصلي الجماعة في بيت الله جل وعلا. فيا أيها الحبيب! الله الله في الصلاة! ولا تضيع صلاة في بيت الله. فإذا نودي عليك وأنت في بيتك .. إذا نودي عليك وأنت في عملك ..إذا نودي عليك وأنت في بقالتك أو تجارتك. فقم إلي الله جل وعلا وضع جبينك وأنفك في التراب شكراً لرازقك وخالقك جل في علاه. أيها الحبيب! لقد توعد المصطفي من أخر صلاة الجماعة وصلي في بيته بأشد الوعيد. وأنا لا أتكلم الآن عمن ترك الصلاة. ولا أتحدث الآن عمن ضيع الصلاة. فلا حول ولا قوة إلا بالله! لكنني أتحدث عن الذي يصلي. لكنه يصلي في بيته. ويدع الصلاة في بيوت الله. فلم بنيت بيوت الله جل وعلا؟! والله عز وجل يقول: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا "الجن: 18" فالمساجد هذه ما بنيت إلا ليجتمع فيها الموحدون. وإلا ليركع فيها الراكعون. وإلا ليسجد فيها الساجدون المؤمنون لله رب العالمين. لقد توعد المصطفي من تأخر عن صلاة الجماعة بأشد الوعيد -ونحن نعاهد الله ألا نذكر إلا حديثاً صحيحاً عن رسول الله صلي الله عليه وسلم- ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلي الله عليه وسلم قال: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام. ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس -أي: في موضع ومكان الحبيب المصطفي- ثم أنطلق مع رجال معهم حزم من الحطب إلي أقوام يصلون في بيوتهم لأحرق عليهم بيوتهم بالنار" هذا كلام الحبيب المصطفي محمد صلي الله عليه وسلم. يريد المصطفي أن يأمر بالصلاة فتقام. وأن ينطلق هو في وقت إقامة الصلاة» ليبحث عن البيوت التي تخلف أهلها عن صلاة الجماعة من غير عذر شرعي فيحرق عليهم بيوتهم. وهذا وعيد شديد! وفي صحيح مسلم وسنن الترمذي وسنن أبي داود أنه جاء رجل أعمي إلي رسول الله يقول له: "ليس لي قائد يقودني إلي المسجد. فهل ترخص لي أن أصلي في بيتي؟ فرخص له المصطفي صلي الله عليه وسلم. فلما انصرف الرجل نادي عليه رسول الله وقال له: هل تسمع النداء؟ قال: نعم. قال المصطفي: فأجب" أي: أجب النداء إلي بيت الله. وفي لفظ أبي داود بسند حسن صحيح. قال له المصطفي صلي الله عليه وسلم: "هل تسمع "حي علي الصلاة"؟ قال: نعم. فقال المصطفي: فحيَّ هلاً" أي: لب نداء الله إلي بيت الله جل وعلا. رمضان شهر الإنفاق أنفق في سبيل الله في هذا الشهر. ولا تبخل. ولا تخش الفقر ولا الفاقة. وأنفق يمنة ويسرة. ففي الصحيحين عن النبي صلي الله عليه وسلم: "ما من يوم إلا وينزل ملكان إلي السماء. فيقول الأول: اللهم أعط منفقاً خلفاً. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً". أيها المسلمون! يا من منَّ الله عليكم بالأموال اعلموا أن لكم إخواناً فقراء. ربما لا يتذوقون طعم اللحم في رمضان كله. فيا أيها المسلم! تدخر لمن؟! قال الحبيب صلي الله عليه وسلم -والحديث في صحيح البخاري- لأصحابه: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟" أي: من منكم يحب المال الذي سيتركه للورثة أكثر من حبه لماله هو؟ فقالوا: يا رسول الله! كلنا ماله أحب إليه من مال وارثه. فقال الحبيب: "فإن مالك ما قدمت. ومال ورثتك ما أخرت". وقد أمر المصطفي صلي الله عليه وسلم عائشة أن تتصدق بالشاة المذبوحة. فقد روي الترمذي بسند حسن صحيح: أنه صلي الله عليه وسلم عاد إليها وقال: "ما بقي من الشاة يا عائشة؟ فقالت: ما بقي منها شيء أبداً إلا الذراع هذا. تركته لك» لأني أعرف أنك تحب الذراع يا رسول الله! أو قالت: ما بقي منها شيء إلا كتفها. فقال الحبيب: بل بقيت كلها إلا كتفها" فما تصدقت به فهو الباقي. وما أكلت فهو الفاني. وفي الحديث الذي في صحيح البخاري و مسلم من حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: قال الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم: "ما لك يا بن آدم! تقول: مالي مالي! وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت. أو لبست فأبليت. أو تصدقت فأمضيت؟" أي: ليس لك إلا لقمة تؤكل. أو ثياب تبلي. أو صدقة تبقي. لقد كان الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة في رمضان. وما منع النبي صلي الله عليه وسلم سائلاً أبداً. بل لقد ورد في صحيح مسلم أن رجلاً جاء إلي المصطفي فسأله. فنظر النبي صلي الله عليه وسلم إلي غنم بين جبلين. فقال: "انظر إلي هذه الغنم. سقها فهي لك! فساق الرجل الغنم كلها بين يديه. وذهب إلي قومه قائلاً: يا قوم! أسلموا. فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشي الفقر" . فيا أيها المسلم! أنفق في رمضان. وهيا فكر من الآن. فإن منَّ الله عليك بالمال فلا تنس جارك الفقير. ولا تنس الفقراء والمساكين. فيا أهل الأموال! قدموا الطعام والصدقة. فإن المال ظل زائل. وعارية مسترجعة. ومالك أيها الحبيب! هو ما قدمت. ومال ورثتك هو ما أخرت. فورب الكعبة! لن ينفعك أحد علي ظهر هذه الأرض. أنفق لله عز وجل في رمضان. ولا تخش الفقر ولا الفاقة. فإن الذي تكفل بالأرزاق هو الرزاق كما قال في كتابه: وَمَا مِنْ دَابَّةي فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَي اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلّى فِي كِتَابي مُبِيني "هود: 6".