- والحرم القدسي - والقدس الشريف - أوي القبلتين.. وثالث الحرمين.. ومسجدها الأقصي ثالث المساجد التي لا تشد الرحال للصلاة فيها إلا إليها.. هذه القدس -في الرؤية الإسلامية والعقيدة الإسلامية والسياسة الإسلامية- ليست مجرد أرض محتلة. ومدينة مغتصبة.. وإنما هي -مع ذلك وفوقه وقبله وبعده- جزء من العقيدة الإسلامية. فضلاً عن الحضارة والتاريخ. ذلك لأنها حرم مقدس. ربط القرآن الكريم بينها وبين الحرم المكي عندما تحدث عن معجزة الإسراء والمعراج: ¢سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلي الْمَسْجِدِ الأَقْصَي الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ¢ الإسراء1: فهي -في الدين والعقيدة- رمز للرباط المقدس مع الحرم المكي الشريف. يجسد عقيدة الإسلام في وحدة دين الله منذ آدم إلي محمد "عليهم الصلاة والسلام".. وذلك بربط القبلة الخاتمة -المسجد الحرام- الذي هو أول بيت وضع للناس في الأرض. والذي أقام قواعده وجدده وطهره أبو الأنبياء إبراهيم الخليل. ربط هذه القبلة المكية بالقدس الشريف "قبلة النبوات السابقة علي النبوة الخاتمة لرسول الإسلام عليه الصلاة والسلام ولقد تجلت هذه المكانة المقدسة للحرم القدسي الشريف منذ بدأ تاريخها الإسلامي سنة 15ه/ 636م. عندما عاملها المسلمون -يومئذي- وعلي مر التاريخ معاملة ¢الحرم¢ الذي لا يجوز فيه القتال وإسالة الدماء.. ولهذه العقيدة الإسلامية في تميز الحرم وخصوصية التعامل معه. فتح المسلمون الحرم المدني بالقرآن الكريم. وفتحوا مكة سلمًا رغم ما صنع أهلها المشركون بالإسلام والمسلمين. حتي لقد دخلها الرسول الفاتح يوم الفتح الأكبر ساجدًا علي راحلته شكرًا لله. في منظري لم يحدث من فاتح عبر تاريخ الفتوحات! وكذلك الحرم القدسي الشريف حرص المسلمون علي فتحه سلمًا وصلحًا ودون قتال ولا إسالة دماء.. وجاء فتسلم مفاتيحه. وعقد لأهله ميثاق الأمان وحقوق الإنسان المدنية والدينية. الراشد الثاني الفاروق عمر بن الخطاب 40ق.ه- 23ه/ 584- 688م. ولقد سار علي هذه السُّنَّة الإسلامية صلاح الدين الأيوبي "532- 589ه/ 1137- 1193م" عندما استرد هذه المدينة المقدسة من الصليبيين "583ه- 1183م". بعدما يقرب من تسعين عامًا احتكروها فيها. وغيَّروا معالمها الدينية. وحولوا المسجد الأقصي الشريف إلي إصطبل خيل ومخزن سلاح وكنيسة كاثوليكية لاتينية. وذلك بعد أن أبادوا سكانها في مجزرة دامت أسبوعًا. حتي سبحت خيول الصليبيين في دماء المسلمين بمسجد عمر -مسجد قبة الصخرة- إلي لجم الخيل!! ولقد كانت القدس الشريف -علي مر تاريخ الصراع بين الغرب الصليبي والشرق الإسلامي- هي ¢رمز الصراع¢. كما كانت ¢بوابة الانتصارات¢.. حتي لقد لخص الشاعر ¢العماد الكاتب¢ "519 - 597ه/ 1125- 1201م" هذه الحقيقة من حقائق استراتيجية هذا الصراع التاريخي. عندما قال لصلاح الدين الأيوبي بعد انتصاره علي الصليبيين في غزة: وهيجت للبيت المقدس لوعة يطول بها منه إليك التشوق هو البيت إن تفتحه والله فاعل فما بعده باب من الشام مغلق نعم. كانت القدس الشريف -في التاريخ. كما هي اليوم- رمز الصراع التاريخي بين الغرب الصليبي وبين الشرق الإسلامي. وكانت -كذلك- بوابة الانتصارات في معارك هذا الصراع.. ولم تكن مجرد أرض محتلة. ولا مجرد مدينة مغتصبة. لأنها عقيدة الرباط بين القبلة الخاتمة والقبلة السابقة. وهي عقيدة لا تتحقق إلا بالرباط والجهاد!