أواصل الحديث عن الوصايا الخمس وأقف عند الوصية الثانية ألا وهي "إخلاص العبادة" خاصة وأن كثيرا من إخواننا الملتزمين فضلا عن سائر المسلمين قد فرط في صور العبادة أو في كثير من صور العبادة في ظل هذه الأحداث فرط الكثيرون في صلوات النوافل ولا أريد أن أقول حتي في الفرائض فرط الكثيرون في الورد اليومي القرآن الكريم في أذكار الصباح في أذكار المساء فرطنا كثيرا في صلاة الليل فرطنا في الذكر المطلق الذكر العام الحفاظ علي العبادة إخلاص العبادة لله جل وعلا ينبغي أن نعلم أن العبادة في هذا الوقت في وقت الفتن أجرها كأجر من هاجر من مكة للمدينة للنبي محمد.. هل تدبرت هذه البشري؟ أجرك أيها العابد.. أيها المحافظ علي توحيدك.. أيها المحافظ علي صلاتك.. أيها المخلص في عبادتك.. يا من لا تفوت وردك القرآني يا من لا تنشغل عن ذكر الرب العلي في الوقت الذي تتحرك فيه كذلك للدنيا فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ليست مقصورة علي العبادات الظاهرة فقط بل كل أمر ظاهر وباطن تبتغي به وجه الله يكون موافقاً لهدي رسول الله أنت بهذه العبادة من الله بل حتي اللحظات الذي يقضيها الرجل مع امرأته في الفراش إن صحح النية واتبع هدي سيد البرية فهو في عبادة مرضية من رب البرية جل وعلا. روي مسلم من حديث أبي ذر جاء أقوام إلي النبي فقالوا: يارسول الله "ذهب أهل الدثور بالأجور" يعني ذهب أصحاب المال بالأجر كله "يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم فقال عليه الصلاة والسلام: أوليس الله قد جعل لكم ما تتصدقون به؟ إن لكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة" أي في إتيان الرجل أهله صدقة "قالوا يارسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في الحرام أيكون عليه وزر؟ قالوا نعم. قال: ولو وضعها في الحلال فله فيها أجر". فالعبادة إذن اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة لها ركنان هما كمال الذل لله مع كمال الحب لله ولها شرطان هما الإخلاص واتباع النبي صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم. العبادة ليست أمراً علي هامش الحياة أو علي جانب الطريق بل هي الصيحة الأولي لكل رسالة والصرخة الأولي لكل نبوة فما من رسول ولا نبي إلا ودعا قومه أن يعبدوا الله جل وعلا وحده بلا منازع أو شريك قال تعالي: "إنا أرسلنا نوحا إلي قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم "1" قال يا قوم إني لكم نذير مبين "2" أن اعبدوا الله.. "3"" نوح. قال جل وعلا: "وإلي عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.."50"" هود. قال جل وعلا: "وإلي ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.. "61"" هود. قال تعالي: "وإلي مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره "84"" هود. وبالجملة قال جل علاه: "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون "25"" الأنبياء. العبادة.. التوحيد الاتباع الصلاة الصيام الزكاة العمرة الحج القرآن الإنفاق علي الفقراء والمساكين الإحسان الي الأرامل واليتامي رحمة الكبار رحمة الصغار التعامل مع الخلق بأدب ولين وحكمة وتواضع إلي غير ذلك. والخشية الحب البغض الإنابة الاستعانة الاستغاثة الذبح النذر التفويض التوكل الرجاء كل هذا وغير هذا من العبادة ينبغي أن نحرص عليه وأن نتمسك به. فالعبادة في الهرج كما قال صلي الله عليه وسلم والحديث رواه مسلم من حديث معقل بن يسار [ العبادة في الهرج] أي في الفتن [كهجرة إلي[ أي كأجر من هاجر من مكة إلي المدينة النبوية. ولذا أذكر نفسي وأمتي الحبيبة وإخواني وأخواتي.. الله الله الله في العبادة فهي الحبل الموصول بيننا وبين ربنا جل وعلا فلا تفرطوا في عباداتكم ولا في صلاتكم خاصة ولا في أعمالكم التي تقربكم من ربكم جل وعلا. قال الحبيب: "آلا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا: بلي يا رسول الله. قال: ذكر الله". ذكر الله!! لا تغفل عن الذكر حتي يذكرك الحي الذي لا يموت "فاذكروني أذكركم.. "152"" البقرة. وهو القائل في الحديث القدسي "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه وإن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". وانتقل معكم الي الوصية الثالثة وهي لا تقل أهمية عن الأولي والثانية ألا وهي: تصحيح الأخلاق. أعلم أن بلادنا تعاني من انفلات أمني لكن اسمحوا لي أن أقول إن الانفلات الأخلاقي أخطر بكثير من الانفلات الأمني لو حدث انفلات أمني وعندنا خلق ومراقبة لله العلي الأعلي ما رأينا هذه الانحرافات ما سفكت الدماء بالباطل ما خرج اليوم كل أحد يريد أن يأخذ حقه بيده لتسقط الدولة ولتسقط هيبة الدولة ولتنتهي إلي الأبد المؤسسات ولتتحول بلادنا الي غابة والي فوضي الانفلات الأخلاقي أخطر من الانفلات الأمني. المؤمن الذي تخلق بأخلاق رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يحتاج إلي ضابط شرطة ليراقب تصرفاته. ولا يحتاج إلي ضابط مرور ليوجه سيره في طريق عام. لو أراقب ربي سبحانه لا يمكن أن أسير بسيارتي في عكس اتجاه السير. ولو أراقب الله سبحانه لن أقف في طريق عام في صف ثاني أو ثالث لأعطل حركة السير لأولئك الذين وقفوا وقفة منضبطة. لو أراقب ربي لن أفكر في أن أنظر بعيني نظرة محرمة إلي أم من أمهاتنا أو أخت من أخواتنا أو بنت من بناتنا فضلا عن أن أفكر أو أن أخطط للاعتداء عليها لسرقة ذهبها أو لسرق مالها لن نري هذه البلطجة ولن نري هذا الانفلات الأمني إذا انضبطت أخلاقنا بكتاب ربنا وسنة نبينا صلي الله عليه وسلم. ولذا لا تتعجب إذا قلت إن النبي صلي الله عليه وسلم قد اختزل بعثته النبوية كلها في مكارم الأخلاق. إلي هذا الحد؟!! اسمع للنبي ماذا يقول كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في الأدب المفرد ورواه أحمد في المسند من حديث أبي هريرة قال صلي الله عليه وسلم: "إنما بعثت" لماذا يارسول الله "لأتمم صالح الأخلاق" وفي لفظ حسن "لأتمم مكارم الأخلاق" كأن البعثة النبوية تختزل في الأخلاق. انظروا إلي قدر الأخلاق وقيمة الأخلاق وستعلم أن الأخلاق متداخلة في البناء العقدي والتعبدي والسلوكي والإيماني إلي غير ذلك إذا سمعت النبي يقول: "البر حسن الخلق" كما في حديث النواس بن سمعان بسند صحيح رواه الترمذي وغيره حين سئل عن البر والإثم قال بأبي وأمي وروحي: "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس". وللحديث بقية العدد القادم إن شاء الله