للعرب تاريخ حافل بالنفاق والتملق والرياء. يمارسونه من قديم الأزل. ومن فرط تمسكهم به وإصرارهم عليه منحوه اسما جميلا وجعلوه غرضا من أغراض أشعارهم هو ¢ المديح ¢ بغية تحقيق مصلحة ذاتية أو الحصول علي منفعة شخصية. فهذا الشاعر أبو العتاهية مدح الخليفة المهدي بقصيدة بها بيتان بألف بيت يقول فيهما : - أتته الخلافة منقادة إليه تجرِّر أذيالها - ولم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها وكان في المجلس شعراء من وزن بشار بن برد وأشجع السلمي ولم ينصرف أحد بجائزة غير أبي العتاهية. وإن امتنع الحاكم فلم يهب ولم يعط انقلب الشاعر مائة وثمانين درجة فأخذ يسب ويلعن. وسُمِّي هذا السب أو الشتم عند العرب هجاء. ومن هؤلاء الشاعر المتهور طرفة بن العبد الذي هجا الملك عمرا بن هند وأخاه قابوسا بقصيدة فيها البيتان التاليان : - فليت لنا مكان الملك عمرو رغوثا حول قبتنا تخورُ - لعمرك أن قابوس بن هند لَيَخْلِطُ ملكَه نوْكى كثيرُ والرغوث في البيت الأول بمعني البقرة أو الناقة الحلوب والنوك في البيت الثاني بمعني الحُمْق . وطبعا لم يسكت الملك علي هذه الإهانة فدبر له مكيدة فيها من المكر والدهاء بقدر ما فيها من الطمع والغباء. وقتله علي يد والي البحرين . أعتذر عن الإتيان بهذه المقدمة التي أخلت بوحدة الموضوع لكنها كانت ضرورية لأني ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال خوفا من أن يعده البعض نفاقا. والمنافقون كما أخبر القرآن في الدرك الأسفل من النار. قال تعالي في سورة النساء آية 145 : ¢ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ¢ . ولكن عندما يطمئن الإنسان إلي إخلاص نيته. وصدق مقصده لا يخشي في الله لومة لائم. ولو تَقَوَّلوا عليه بعض الأقاويل . فالدكتور محمد مرسي من بين الأحد عشرا مرشحا الذين خاضوا الانتخابات هو من أتته الرئاسة منقادة دون أن يسعي لها. فالإخوان رشحوا في بداية الأمر المهندس خيرت الشاطر. لكن تبين فيما بعد عدم مطابقته للشروط. أما الفريق شفيق والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسي وحمدين صباحي ومن بعدهم فقد سعوا إليها سعيا حثيثا وأنفقوا في سبيلها الملايين ومع ذلك أخفقوا جميعا. لأنهم أصحاب مصالح لا أصحاب قضايا. ولو كانوا أصحاب قضايا لتنازلوا لأحدهم كي يتغلب علي مرشح الإخوان لكن أحدا منهم لم يفعل رغم علمه المسبق بخسارته . ومنذ أن صعد الرئيس إلي سدة الحكم وهؤلاء ومعهم بعض الإعلاميين والبلطجية والمخربين يضعون في طريقه العراقيل - فلمصلحة من تحرض جبهة الإنقاذ كل أسبوع البلطجية والمهرجين. فتدعو إلي الاحتشاد في الميادين. لتدمير مقدرات البلد وإحداث خسائر بمئات الملايين ؟ . - ولمصلحة من ينال إعلام الفتنة من هيبة الرئيس ووقاره من خلال برامجه وحوراته المشبوهة ؟. ألم يدرك هؤلاء الإعلاميون أنهم بذلك ينالون من هيبة مصر ووقارها أمام العالم ؟. أليست هيبة البلد من هيبة الرئيس واحترامها من احترامه ؟ . إن أحد الصحفيين رفض علنا وفي مؤتمر صحفي أمر النائب العام بضبطه وإحضاره ! . أليس هذا التصرف من قبيل البلطجة ؟ - ولمصلحة من يختلق بعض القضاة جدلا قانونيا غير مبرر فيحكموا بعودة النائب العام السابق مع علمهم بأن هذا الحكم مخالف للدستور؟ . أليس هذا تحديا صارخا لقرارات الرئيس ومخالفة صريحة للدستور ؟ . - ولمصلحة من يتهكم البعض عبر شبكات التواصل الاجتماعي علي خطب الرئيس التي ينحني لها العالم إجلالا واحتراما ؟ إن عجلة الثورة دارت ولن يستطيع أحد إيقافها. فالأفضل أن نضع أيدينا في أيدي بعض ونبني مصر الحديثة وإن اختلفنا في الرأي. فالاختلاف كان موجودًا علي عهد الصحابة الأجلاء ومَن جاء بعدهم مِن التابعين. لكنه لم يكن يومًا ما موجبًا للتعصُّب ولا ذريعة للكراهية والتباغُض . بل كان يرتكز إلي السعي المخلص الخالي من الغرض. بقصد تحرِي وإصابة الحقيقة. واختيار أفضل النتائج والخيارات المتاحة للنهوض بالمجتمع وتطوُّره. هذا رأيي من أجل مصر لا من أجل الرئيس. فالرئيس سيرحل علي أقصي تقدير بعد ثمان سنوات ومصر باقية إلي يوم الدين والله من وراء القصد.