* يسأل إيهاب علي من القليوبية: يعتمد بعض الناس أن يقولوا غير الحق مدعين أنه كذب أبيض. فما حكم هذا الكذب وما الحكم في كذبة أبريل؟ ** أجابت دار الإفتاء عن هذا السؤال بقولها: من الأمور المتفق عليها في الأديان والعقول السليمة أن الصدق فضيلة والكذب رذيلة. والصدق هو التعبير المطابق للواقع قولاً أو فعلاً. والكذب هو التعبير المخالف للواقع. قولاً أو فعلاً. ومن أخطر الكذب القول شهادة الزور. وفي الفعل النفاق. والوعيد عليهما شديد في القرآن والسنة. ولا يرخص في الكذب إلا لضرورة شأن كل حرام. فالضرورات تبيح المحظورات والضرورة تقدر بقدرها. بمعني أن يكون ذلك في أضيق الحدود إذا لم توجد وسيلة أخري تحقق الغرض وتمنع الضرر. ومن هذه الوسائل المشروعة ما يسمي بالمعاريض حيث تستعمل كلمة تحتمل معنيين. يفرض علي الإنسان أن يقولها. فيقولها بالمعني الحلال لا الحرام. ومثلوا لها بما إذا قيل للإنسان : اكفر بالله. فيقول : كفرت باللاهي. ويريد الشيطان وما شبهه من كل ما يلهي وقد صح في الحديث جواز الكذب لتحقيق مصلحة دون مضرة للغير تذكره وذلك فيما رواه البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ¢ليس الكذب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً ¢ وفي رواية زيادة هي: ولم أسمعه يرخص في شئ مما يقول الناس إلا في ثلاث. تعني الحرب والإصلاح بين الناس. وحديث الرجل وامرأته وحديث المرأة وزوجها. والمراد بالحديث بين الزوجين هو عن الحب الذي يساعد علي داوم العشرة. والشواهد عليه كثيرة وليس في أمور أخري تضر بالحياة الزوجية. ورأي بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب علي ما ورد به النص في الحديث. ولكن جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مصلحة دون مضرة للغير. يقول ابن الجوزي ما نصه: وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحاً. وإن كان واجباً فهو واجب. وقال ابن القيم في ¢زاد المعاد ¢ ج 2 ص 145 : يجوز كذب الإنسان علي نفسه وعلي غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلي حقه. كما كذب الحجاج بن علاط علي المشركين حتي أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب. وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذي والحزن فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب. إلي أن قال : ونظير هذا الإمام والحاكم يوهم الخصم خلاف الحق ليتوصل بذلك إلي استعمال الحق. كما أوهم سليمان بن داود عليهما السلام إحدي المرأتين بشق الولد نصفين. حتي يتوصل بذلك إلي معرفة من أمه. انتهي ومنه كذب عبدالله بن عمرو بن العاص علي الرجل الذي أخبر النبي صلي الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة. فلازمه أياما ليعرف حاله. وادعي أنه مغاضب لأبيه. رواه أحمد بسند مقبول ¢الترغيب والترهيب ج 3 ص 219¢ ويقاس عليه حلف اليمين لإنجاء معصوم من هكلة. واستدل عليه بخبر سويد بن حنظلة أن وائل بن حجر أخده عدو له فحلف أنه أخوه. ثم ذكروا ذلك للنبي صلي الله عليه وسلم فقال ¢ صدقت. المسلم أخو المسلم ¢ الآداب الشرعية لابن مفلح. ويمكن الرجوع في استيضاح هذه النقطة إلي ¢نيل الأوطار للشوكاني ج8 ص 85¢ وإلي ¢إحياء علوم الدين للإمام الغزالي ج7 ص 119. ومن هذا الباب كذبات إبراهيم عليه السلام. وهي معاريض. حيث قال عندما كسر الأصنام ¢بل فعله كبيرهم هذا ¢وعندما طلب لمشاركتهم في العيد ¢إني سقيهم¢ وقوله عن زوجته : إنها أخته لينقذها من ظلم فرعون ¢مصابيح السنة للبغوي ج 25 ص 157 ¢ الموضوع طويل وله جوانب متعددة. ونخلص إلي أن الكذب الأبيض هو الذي لا يترتب عليه ضرر وتحقق به مصلحة مشروعة . وهو جائز ولكن ينبغي أن يكون في أضيق الحدود. لما فيه من ضرر للغير ولو كان بيسطاً في نظر المكذوب فقد يكون كبيراً في نظر الكذوب عليه. وفي المعاريض مندوحة عنه. وكذلك في المداراة التي هي بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معاً. وهي خلاف المداهنة التي يمكن معرفة الفرق بينهما من كتاب: المواهب اللدنية للقسطلاني ¢ج1 ص 291¢ وسراج الملوك للطرطوشي ¢ص 79¢ وإحياء علوم الدين للغزالي ¢ج 3 ص 138¢ هذا ونقل عن الغرب ما يعرف بكذبة أبريل وتورط فيها بعض المسلمين والروايات - في أصلها كثيرة. فقيل إن أول من اخترعها أحد ملوك فرنسا في القرن السادس عشر. وهو شارل التاسع الذي قرر أن تكون بداية السنة في أول يناير من بدلاً أول أبريل كما كانت. فقابل الناس ذلك بالتذمر لأن من عادتهم فيه تبادل الهدايا. لأنه رأس السنة. فاضطروا خوفا من أن يتبادلوها في أول يناير مع استمرارهم في تقديمها أول أبريل التي جعلوها تافهة. وقيل إنها في فرنسا تدعي ¢سمكة أبريل¢ لأن موسم الصيد يبدأ في أبريل. لكن الأسماك تكون قليلة وهزيلة. وقد يرمي الصيد شبكته فلا يخرج شيئاً أو يخرج شيئا تافهاً. ومن هناك كانت تسمية سمكة أبريل تقال للشئ التافة أو للكذب. وقيل غير ذلك. والمهم أن نعلم أن الكذب لا يجوز إلا في أضيق الحدود حيث تحقق المصلحة به لا بوسيلة أخري من غير مضرة.