والمصابون بالكذب أصناف وأصناف, ومن هؤلاء:1 الكافرون: يقول تعالي:( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) النحل:105 . وهذا هو أسوأ ألوان الكذب, وأكثرها ضررا علي صاحبها. وفي الحديث الشريف قيل لرسول الله صلي الله عليه وسلم: أيكون المسلم جبانا..؟ فقال: نعم فقيل: أيكون المؤمن بخيلا..؟ فقال: نعم فقيل له: أيكون المؤمن كذابا.؟ فقال: لا رواه مالك في الموطأ, كتاب الكلام, بابا الصدق والكذب2 المنافقون: يقول سبحانه وتعالي:( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) المنافقون:1. وفي الحديث: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا أؤتمن خان) رواه البخاري, كتاب الإيمان, باب علامة المنافق.3 الجاهلون: يقول تعالي:( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون) الزخرف:20. والجاهل بالإسلام وآدابه: عرضة للإصابة بداء الكذب أكثر من غيره, والجاهل بمضار الكذب ووباله عليه: أشد عرضة للإصابة به أكثر وأكثر. أسباب الكذب1 فمنها اجتلاب النفع, واستدفاع الضر, فيري أن الكذب أسلم وأغنم فيرخص لنفسه فيه اغترارا بالخدع, راستشفا فاللطمع وربما كان الكذب أبعد لما يؤمل وأقرب لما يخاف لأن القبيح لا يكون حسنا والشر لا يصير خيرا, وليس يجني من الشوك العنب ولا من الكرم الحنظل. وقد روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: تحروا الصدق, وإن رأيتم أن فيه الهلكة فإن فيه النجاة, وتجنبوا الكذب, وإن رأيتم فيه نجاة, فإن فيه الهلكة. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن يضعني الصدق وقل ما يضع أحب إلي من أن يرفعني الكذب, وقلما يفعل. وقال بعض الحكماء: الصدق منجيك وإن خفته, والكذب مرديك وإن أمنته. وقال الجاحظ: الصدق والوفاء توأمان, والصبر والحلم توأمان, فيهن تمام كل دين, وصلاح كل دنيا, وأضادهما سبب كل فرقة, وأصل كل فساد.2 ومنها: أن يؤثر أن يكون حديثه مستعذبا, وكلامه مستظرفا, فلا يجد صدقا يعذب, ولا حديثا يستظرف, فيستحلي الكذب الذي ليست غرائبه معوزة, ولا طرائفه معجزة, وهذا النوع أسوأ مما قبل, لأنه يصدر عن مهانة النفس ودناءة الهمة. ويقول الشاعر: لا يكذب المرء إلا من مهانته أو عادة السوء أو من قلة الورع وقد قال الجاحظ: لم يكذب أحد قط إلا لصغر قدر نفسه عنده. وقال ابن المقفع: لا تتهاون بإرسال الكذب من الهزل, فإنها تسرع إلي إبطال الحق.3 ومنها: أن يقصد بالكذب التشفي من عدوه. فيصفه بقبائح يخترعها عليه, ويصفه بفضائح ينسبها إليه, ويري أن معرة الكذب غنم, وأن إرسالها في العدو مهم وسم, وهذا أسوأ من النوعين الأولين, لأنه قد جمع بين الكذب المعر والشر المضر, ولذلك ورد الشرع برد شهادة العدو علي عدوه.4 ومنها: أن تكون داعي الكذب له عادة, ونفسه إليه منقادة, حتي لو أراد البعد عن الكذب عسر عليه, لأن العادة طبع ثان. وقد قال الحكماء: من استحلي رضاع الكذب عسر فطامه, وقيل في منصور الحكم: لا يلزم الكذب شيء إلا غلب عليه. رابط دائم :