حين يغيب عنا إلي رحلة اللاعودة صديق أو عزيز نستشعر في غيبته أن بعضا منا قد فقد. وأن جزءا من ماضينا وحاضرنا قد ذهب.. ولأن قليلاً من الرجال من يستحق أن نبكي عليهم فأن فقد الأعزة مصاب جلل يعجز القلب عن احتمال فاجعته. فبفقدهم تفقد الحياة مذاقها وقيمتها. ونشعر بعدهم أن الدنيا لا قيمة لها. وكأن رحيلهم هو المصيبة والفاجعة التي أمرنا ربنا أن نقول في مواجهتها ما يرضيه "إنا لله وإنا إليه راجعون". والأعزة عندي من عاشوا حياتهم ورؤسهم مرفوعة في السماء لا تخضع إلا لخالقها. فلا تكون الدنيا بكل ما فيها مناط اهتمامهم بل كل غاياتهم أن يكونوا مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وأحسب أن الصديق العزيز والأخ الخلوق الزميل محمد عيداروس رئيس التحرير التنفيذي لبوابة الجمهورية الذي غيبه الموت عنا فجأة هو أحد هؤلاء القلاقل الذين عرفتهم عن قرب والذين تتساقط أوراقهم واحد تلو الآخر.. عرفته مخلصاً وفياً صادقاً عفيفاً. نعم.. لقد أثارت فاجعة رحيلك الفجائي عنا غصة في الحلق وانحساراً لمدد الرفقة الجميلة. وانطفاء لومضة نبل إنساني متفرد لم أر له مثيل بين الرفقاء. محباً للخير. كريماً للنفس. منتصراً للحق.. نعم كان رحيلك ياعيداروس عن دنيانا موجعاً للقلب. مؤلماً للنفس. وشعور بالغ بالفقد ولا يسعنا إلا أن نبكي أنفسنا لأنك تركتنا في حياة التيه والضلال. وكل آلامنا ودموعنا لا لشيء إلا لأنني لم أرك بعد اليوم. وقد كنت سلوتي وجزء أصيل من حياتي. أبكيك يا صديقي لأن شمعتك انطفأت ولأن رحيلك إعلان بأن قطار العمر ماض والقدر محتوم.. فإلي جنة الخلد يا أعز المحبين.. وستظل ذكراك في قلوبنا ووفاؤك محل اعتزازنا وتقديرنا.. فما كنا نتمني أن نرثيك ونفقد مجالستك وروحك الطيبة الطاهرة لكن هذه مشيئة الله.. ولا نقول أمامها إلا ما يرضي ربنا الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. * * * وختاماً: قال الشاعر: أعز ما يبقي وداد دائم إن المناصب لا تدوم طويلاً