منحنا الله الحواس والمشاعر والعقل والفكر حتي نتذوق بمشاعرنا وحواسنا ونختار ونفكر بعقولنا ونتأمل ونستجيب ونرفض وفقا لأفكارنا ومشاعرنا وعلمنا. ووضع الجمال في كل هبة من هباته التي وهبنا إياها عسي أن نتأملها ونتذوقها فنسبح بحمده في كل وقت وحين. وتعد الطبيعة من العوامل الرئيسية التي توثر علي الإنسان في تذوقاته وثقافته وتشكل عاداته وسلوكه وعلاقاته. كما تعد نافذة للإنسان يطل بها علي هذا الكون الفسيح الذي سخره الله عز وجل ليتأمله ويتذوق ما يزخر به من جماليات فتنمو لديه معارض غزيرة بقوانين هذا الكان ويكتسب قدرة علي التوافق مع الطبيعة لذلك فإنه من الخطأ أن ينفصل الإنسان عن الطبيعة وتأملها وتفهم معانيها لما ينعكس ذلك علي المجتمع الذي نعيش فيه من آثار سلبية فنري أناس يفتقدون للإحساس بجمال هذا الكون فتنغلق عليهم منافذ الفكر والإحساس وينتهي بهم الأمر إلي أنهم لا يرون ولا يفقهون ولا يستجيبون لقيم الجمال المحيطة بهم والتي وهبها الله عز وجل وسخرها لهم.. يقول الله تعالي: "أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت وإلي السماء كيف رفعت وإلي الجبال كيف نصبت وإلي الأرض كيف سطحت" الغاشية 17:.20 إن تذوق ما بالكون من نظم وأشكال وألوان.. وغيرها لا يعني أنه تذوق بصري فحسب. بل هو في واقع الأمر فاتحة لقراءة هذا الكون قراءة مبصرة متعمقة ناضجة تلك القراءة ما هي إلا طاقة متفجرة تفتح الطريق أمام سائر البشر وتمنحهم قدرات كامنة في النفس بحاجة إلي الخروج والتألق واستثارة أفكارهم وخيالهم وإبداعهم خاصة ونحن نري أن لكل مجال من مجالات الحياة لغة خاصة تميزه عن غيره فكل شعوب الأرض لها لغات مختلفة لكل فئة لغتها الخاصة وجميعها لغات من صنع الإنسان يتعرفون عليها ويتذوقونها ويتميز بها أصحابها دون الآخرين. لكن للطبيعة لغة فريدة واحدة متميزة يتذوقها جموع العالم وسائر البشر متمثلة في الكون بأكمله في السموات والبحار والجبال والأشجار والأزهار والحيوانات والطيور.. هي لغة الخالق الباريء المصور بديع السموات والأرض يستقي منها سائر البشر مقومات الجمال والحياة والذين يمثلون هم أنفسهم قدرا منها من هنا كانت الطبيعة هي الملهم والمعلم والقائد لسائر البشر من علماء وفلاسفة وفنانون الذين اجتهدوا في التأمل والتدبر والاستلهام فيما خلق الخالق وأبدع وسوي من جماليات هذا الكون. من هذا المنطلق فإن تربية ابنائنا علي تذوق جماليات الكون من خلال الطبيعة وما تزخر به من جماليات أمر غاية في الأهمية لما ينعكس علي نمو قدراتهم علي التأمل المقصود والتفكر والإحساس بإعجاز الخالق فيما أبدع وسوي فيروا العالم من حولهم مليء بالعمق بعيدا عن السطحية يروا العالم وقد وضع الله عز وجل سره في أبسط وأدق الكائنات فتتحول رؤيتهم السطحية إلي رؤية مبصرة متعمقة متأملة تنعكس علي سلوكهم وفكرهم وإبداعاتهم لذلك فإن تربية الأبناء تربية جمالية له أبعاد متعددة تمنحهم القدرة علي التأمل والتفكر والتدبر ورفض القبح واستهجانه والإقبال علي المال وتذوقه.