شعب مصر شعب متدين بفطرته.. وهو من أجل دينه يفعل ما لا يفعله فى حياته اليومية، كل الأمور تصبح ذات أهمية لديه إذا جاءت مغلفة بكلمات تحث على الوعى الدينى والالتزام بشرع الله.. ولكن للأسف قد تأتى بعض هذه الأمور فى كثير من الأحيان فى إطار المظهر أكثر منها فى الجوهر والمضمون.. بالرغم من كون ديننا الحنيف والأديان السماوية بشكل عام تحض على مكارم الأخلاق فى مجملها، ومكارم الأخلاق لم تنحصر فى القيام بالعبادات وأدائها فقط وإنما أيضا فى كل ما يتعلق بالتعامل البشرى اليومى على كافة المستويات.. حتى وإن كان ذلك الأمر يتعلق بالجمال والذوق الرفيع.. فالإسلام لا ينكر أبدا التذوق الجمالى والتناسق والنظافة والشكل الجميل بدءا من ملبسنا "خذوا زينتكم عند كل مسجد" إلى كل ما يحيط بنا وكم هى رائعة ومبدعة الفنون التى ازدهرت فى العصور الإسلامية المختلفة والتى استوحت عناصرها من الطبيعة التى خلقها الله لنا؛ ولذلك ظلت الطبيعة تمثل سببا قويا من أسباب تعلم الذوق والإحساس يالجمال.. ومن ثم خلق الحس المرهف الذى يدعم مكارم الأخلاق التى تنبع من الشرائع السماوية.. ولذلك فالطبيعة هى الوسيلة الأقرب لعبادة الله والإجلال لقدرته فى خلقه حين نتفكر ونتأمل فيها كآية من آيات الله عز وجل.. لكننا للأسف الشديد ظلمنا تلك الطبيعة وقهرناها وشوهناها.. متناسين حقها علينا ومعتقدين أن الاهتمام بها لا علاقة له بالدين أو التقرب إلى الله وكم يكدرنى الشكل العام لمدننا بل وقرانا بكل أسف التى أصبحت غابات من الأسمنت الأصم قبيح المنظر وفقدت تماما ذلك اللون الأخضر الجميل المرصع بكل التدرجات اللونية التى خلقها الله لنتأمل ونتدبر فيها فتزيدنا قربا وصلة بالله تعالى.. ومنذ عدة سنوات ظل يراودنى حلم من أحلام اليقظة حتى يومنا هذا وهو لا يبرح خيالى ولا تفتر فيه رغبتى.. ذلك الحلم هو أن تكون لدينا ثقافة الإحساس بالجمال كوازع دينى قبل كل شىء والحرص على الطبيعة التى خلقها الله لنا فى أجمل صورة كمبدأ يحض عليه الإسلام والشرائع السماوية والمحافظة على البيئة من مبدأ ينبع من قوله تعالى "إنى جاعل فى الأرض خليفة" صدق الله العظيم وهناك أشكال وألوان من الممارسات الدنيوية أصبحت بالتكرار وبفعل التقليد والمحاكاة بين الناس.. أصبحت عادات دينية تعد فى حساب الصدقات الجارية على سبيل المثال تلك الأسبلة التى كانت موجودة فى العصور الإسلامية وما زال هناك آثار لها بيننا كسبيل أم عباس الشهير ومنهم من يضع "زير" وكوب ليشرب منه الناس وهناك من يضع بعض القلل.. ثم استحدثت هذه الوسائل فأصبح هناك "الكولدير" ومبردات الماء.. إلخ وهناك أيضا من ضمن العادات التى أصبحت تأخذ شكل الصدقة الجارية.. أن توزع فى الأفراح والمآتم كتيبات مطبوعة لآيات من القرآن الكريم أو بعض الأدعية والأذكار.. وهكذا وللأسف غابت عن هذه الصدقات وسيلة جميلة لعبادة الله وأيضا خلق الحياة على هذه الأرض.. كالأشجار والنباتات والمسطحات الخضراء.. وكأن هذه المخلوقات وزراعتها ليس لها علاقة بالدين وأن الصدقات الجارية منحصرة فى هذه الأشياء السالف ذكرها.. تخيل معى ماذا لو أصبحت زراعة الأشجار والنباتات عادة دينية يحرص عليها الناس، وتخيل ماذا لو زرع كل عروسين مقدمين على حياة جديدة شجرة أو نبتة بمناسبة الاحتفال بعرسهما وتيمناً بأن هناك نبتة تتفتح مع تفتح حياتهما الزوجية.. وماذا لو قامت كل أم وكل أب بزراعة شجرة بمناسبة ولادة طفل لهما.. وتخيل معى لو أحس كل مسلم أنه حين يزرع شجرة يوفر الآلاف من البشر، كم من الأكسجين يساعد على قيام الحياة على هذه الأرض، وتخيل معى كم من البشر سيحتمون بظل هذه الأشجار فى حر الصيف!.. وكم تحتسب لهذه الصدقة الجارية من حسنات يكافئ الله كل من قام بها، كم هو جميل ذلك الحلم الذى ما زال يراودنى وما زلت أحلم به.. ولكن ما المشكلة؟!.. المشكلة تكمن فى التنفيذ.. فلأن الكمال لله وحده ولأن الله عز وجل خلق كل فرد لديه الكثير من المميزات والكثير أيضا من السلبيات فقد خلقنى الله أستطيع أن أفكر أكثر مما أعمل وأنفذ.. وهنا أعترف أيضا أننى تنقصنى الإيجابية إلى حد كبير بينما غيرى ربما لديه الإيجابية أكثر.. ولذلك يرفع الله من شأن الجماعة.. ذلك لأن ما ينقص عند إنسان يكمله إنسان آخر.. وهكذا.. لذلك سمحت لنفسى بأن أفكر معكم وأطلعكم على حلمى فقد يكون هناك من لديه الإيجابية أكثر منى فيبدأ فى التنفيذ.. ولذلك أتمنى أن تقترحوا على كيف نبدأ وكيف يصير الحلم واقعا وما هى الآلية التى نستطيع بها بلورة الحلم إلى شىء فى حيز التنفيذ.. وفقكم الله وإياى فى أن نفكر ونبدأ ونحقق. فنانة تشكيلية