الأمل هو نافذة النور التي تشرق علي سماء الإنسانية. فتدفع الإنسان وتحفزه إلي توظيف كل إمكانياته المتاحة مهما قلت ليتخطي العقبات ويتجاوز المحن. فلولا الأمل لما وجد الدافع الذي يضع الإنسان علي طريق العمل والتقدم والطموح والتشوق للأجود. الأمل هو كلمة السر التي تجعل شباب الأمة يخرجون من مستنقع الركود والموت إلي مشروع النهضة الإنسانية. فالأمل عبارة عن مجموعة من الأفكار والقيم التي تحول الإنسان من الجمود والتثبط إلي إنسان ذي طاقة فاعلة وإيجابية. تصنع به التغيير الذي يتجاوز به كل الأزمات. وهو حافز إلي استكشاف المستقبل المشرق. وترفع الإنسان من أسرار الواقع الأليم. فضلاً عن القدرة علي تجاوز الماضي بأخطائه ومكبلاته. إذن يجب علي العلماء صناعة الأمل والتفاؤل بين أفراد المجتمع. لأن بتحقيق الأمل تبني النفوس السوية غير المتشائمة. وتحول النفوس المحبطة إلي نفوس فعالة في الحياة لتأخذ بزمام المبادرة ولا تستكين إن صناعة الأمل واجب شرعي علي من بيدهم مقاليد أمور الأمة. فهي من الصناعات الثقيلة المطلوب توفرها لبدء مشروع النهضة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فبالأمل صعد الناس القمر. وحلقوا في الفضاء وغاصوا في أعماق البحار. وتشوقوا لمعرفة نوع الجنين في الأرحام وعرفوه. فالأمل بمنزلة القاطرة التي تجر خلفها العربات المليئة بأحلام البشر المثخنين بجراح الماضي وآلامه. وتدفعهم حثيثاً لليقظة والبحث عن أيديولوجيا لاستئناف المسير نحو مستقبل أفضل. إن الأمة بلا أمل راسخ في نفوس أبنائها هي بمثابة قطيع من البشر يساق إلي التهلكة ولا يملك لنفسه دفعاً ولا رشداً. وهي في هذه الحالة كما قال عنها النبي صلي الله عليه وسلم : "غثاء كغثاء السيل". ولن تتحول الأمة إلي غثاء رغم كثرتها. إلا إذا فقدت فاعليتها الإنسانية والمادية. وأصبحت مجموعة من أصفار علي شمال الرقم لا قيمة لها. وما من شيء يشل فاعلية الإنسان ويقتل طموحه غير أن يحيا بلا أمل؟! إن صناعة الأمل هي عبارة عن استحضار الغائب كأنه واقع تراه العين وتلمسه اليد. وتستأنس به النفس. وتفرح بالفجر القريب القادم ليخرجها من الظلمات. وطوق النجاة من تتابع الأزمات. إن استحضار الأمل يجعل الإنسان في حالة من الطمأنينة ورضا وسكينة. وتفسح ذاته حتي يجد في تلك الطمأنينة عوضاً عن مشقة الدنيا وبؤس الواقع. إن استحضار الأمل لا ينبغي أن يبني علي الجانب المادي الذي يملكه الفرد أو الجماعة فحسب. بل يجب أن يرتبط أساساً بالثقة بالله والرضا بقضائه وقدره الذي دائماً أياً كان هو خير للإنسان. وقد قال الله تعالي علي لسان يعقوب عليه السلام : "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله" يوسف: 78. وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله" رواه مسلم وفي بعض الروايات "فليظن بي ما يشاء" مسند أحمد. وهذا يؤكد الارتباط الوثيق بين التحلي بالأمل وبين إحسان الظن بالله. مع الأخذ بأسباب النهضة والثقة في قضائه وقدره. قال تعالي: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" العنكبوت: .69 فالأمل هو سر نهضة مصر وبقاء شعبها كما قال المؤرخ "ماسبيرو": "إن هذه الأمة المصرية دون سائر الأمم والشعوب. تدل طبائع أبنائها كما تدل آثارها علي البقاء والخلود. فكم مرة اجتاحها الغاصبون وظنوا أنهم حولوا أرضها رماداً تذروه الرياح. وقلبوا مدنها وقراها أنقاضاً فوق سكانها. فإذا بالمصريين ينفضون الأنقاض ويبعثون من تحتها ليعيدوا بالأمل والعمل البناء والكفاح من جديد". وحقاً كما قال عن شعبها رسول الله صلي الله عليه وسلم : "هم خير أجناد الأرض". فاللهم احم مصر واجعلها وطنا يعيش فينا. واحفظها من كل سوء.. آمين.