من الطبيعي أن تمر الأوطان بفترات قلقة في تاريخها وهذا يؤكد انها عامرة بالحياة. ذلك لأن الحياة فيها أخذ ورد وفيها شد وجذب. وإذا خلت الأوطان من هذه الحركة فإن ذلك يكون دليلاً علي خمولها وتقاعدها عن العمل للوصول إلي أهداف تحقق النفع والتقدم لسائر المواطنين. والمظاهرات جزء من التعبير عن حركة المجتمع. ولكن حتي تكون هذه الحركة مفيدة ونافعة يجب أن تتم في إطار من الشرعية المنظمة وليس من الغوغائية والفوضوية. وكلما انتظمت الأمة وهي تعبر عن إرادتها كان وصولها إلي تحقيق أهدافها سريعا ومتمكناً والمظاهرات التي لا ينظمها قانون ولا تقليد معتبر هي مظاهرات تلحق بالغوغائية والفوضوية لأنه لا يمكن أن تؤخذ عنها قرارات مصيرية تشكل اتجاه الوطن إلي النحو الأنفع والأجدي في البناء والتنمية. والمظاهرات الجماهيرية غير المنتمية إلي تنظيمات قانونية تعتبر ضرباً من الفوضوية التي تهدم ولا تبني وتعوق المسيرة نحو الهدف المنشود بالتقدم والرخاء. والتعبير عن الرأي ظاهرة ديمقراطية ترعاها كل الدول التي تقدمت في نهضتها وحضاراتها ولكن في إطار من الشرعية. والمنظمات والمجالس الوطنية هي ميادين للتعبير عن الرأي والفصل في الاختلافات لأنها تضم الفقهاء والسياسيين وأصحاب الاتجاهات الاجتماعية. وهؤلاء جميعا هم عقل للأمة وضميرها ولسانها المعبر عن إرادتها. ونحن نشهد في هذه الأيام تظاهرات حاشدة هي جماهيرية ولكنها غير منظمة وتحتاج إلي مرجعية فاهمة لتاريخ الأوطان ناظرة بعيون فاحصة إلي مستقبل هذه الأوطان. ومن هنا يجب علي الدولة أن ترعي هذه المظاهرات وأن تحافظ عليها وأن تمنع المشاغبين من الدخول فيها لتسير إلي أهدافها في نظام يصل بها إلي ما تريد. إن المظاهرات ليست عمليات فوضوية وإذا كانت تخطئ التعبير في بعض الأحيان فإن من واجب الدولة أن تحيطها بسياج من العقلانية حتي تؤدي أغراضها المنشودة في التقدم والتنمية ومن هنا يجب ألا ننظر إلي كل المظاهرات بعين الريبة والشك. ليكون النظر إليها فاحصاً ومدققاً لأنها تعبر عن إرادة عامة. يجب صيانتها وتوجيهها نحو الأفضل» فهي تعبير عن الحرية التي ينبغي علي الدولة تنظيمها ورعايتها لأنها تهدي مسيرتها نحو رفعة الأوطان وتقدمها وبلوغها أهدافها في التنمية والرخاء.