شاءت الأقدار الإلهية أن أكون ضمن ضيوف الرحمن في ¢عمرة الشهر¢ خلال رمضان الماضي.. عايشت سلبيات التجربة وايجابياتها وما خلفته التوترات السياسية بين مصر والسعودية قبيل بدء الشهر الفضيل وما أسفر عنه ذلك من تأخر التأشيرات وما نجم عن ذلك من تكدس عشرات الآلاف من المعتمرين في مختلف المؤاني في البر والبحر وقبل الإقلاع من المطارات. بدأت المعاناة بتأخر وصول التأشيرات وبالتالي تحركنا من القاهرة لنصل الي نوبيع متأخرين ساعات قليلة وكانت النتيجة - علينا وعلي غيرنا - الانتظار في نوبيع 36 ساعة في أول وثاني يوم صيام ولم يتم تحريك الأتوبيسات من الانتظار القاتل إلا بعد القيام بمظاهرة أمام شرطة ميناء نوبيع مع التهديد باقتحام المقر اذا لم يتم التخفيف من التكدس الشديد التي يضطر عشرات الآلاف من المعتمرين النوم بسببه في العراء في مناطق غير آدمية بالمرة. ظننا إن المأساة انتهت بمجرد أن ركبنا العبارة من نوبيع إلي العقبة إلا إننا فوجئنا بمستوي خدمة متدني للغاية في نوبيع حتي أن الحمامات فيها تأنف الحيوانات عن دخولها لشدة قذارتها وقلة عددها حيث أن عددها لا يتجاوز أصابع اليدين للرجال ومثلها للنساء وقد حصلت باقتدار علي جائزة أقذر حمامات في العالم مع أنها أول ما يصادفه المعتمر عند دخوله الأردن ولا أدري كيف ترتضي دولة أن تكون هذه واجهتها أمام عالم المسافرين مع أن الأمر لن يكلفها إلا عددا قليلا من عمال وعاملات النظافة فقط وإنشاء عدد اكبر من دورات المياه. واستمرت رحلة المعاناة من العقبة إلي ¢حالة عمار¢ علي الحدود الفاصلة بين الأردن والسعودية لأكثر من 600 كيلو مع العلم أن هناك طريق مختصر يمر فيه المسافرين للعمل من غير المعتمرين أو الحجاج يختصر 400 كيلو من المسافة أي تكون 200 كيلو علي الأكثر وأتعجب كيف يعشق الإخوة في الأردن تعذيب ضيوف الرحمن بجعلهم يسيرون الطريق الأطول مع أنهم يمكن أن يمروا من الطريق الأقصر أو الأقل طولا والأرحم من جحيم السفر للصائمين ولكن يبدو أنهم يؤمنون بمقولة ¢الثواب علي قدر المشقة¢ ولهذا يجب أن نشق علي ضيوف الرحمن دون غيرهم وكله بأجره وثوابه ولهذا تكتمل معاناة الخروج بالانتظار لساعات أخري علي الحدود قبل دخول السعودية. كرم واستغلال شتان بين الحال - في المعاملة وسرعة الانجاز والنظافة - بين السعودية وكل من مصر الأردن حيث وجدنا أسلوبا مختلفا تماما من الانتظار في أماكن نظيفة ومكيفة وطوابير منظمة وأفراد شرطة يحسنون استقبال ضيوف الرحمن بل ويطلبون منهم الدعاء ويذللون أي صعاب في دقائق معدودات. دخلنا بسلام الأراضي السعودية فإذا بأهل الخير من السعوديين وقت الإفطار والسحور يوقفون الأتوبيسات ويوزعون عليهم الأطعمة والمشروبات بسخاء ويرحبون بهم مما خفف عنا المعاناة التي عشناها في رحلة العذاب بمصر والأردن.. والحق يقال أن الكرم الشعبي السعودي في المدينةومكة يجعل ضيوف الرحمن يستمتعون بأداء المناسك الا انه كما يقال ¢الحلو ما يكملش¢ حيث استغل بعض التجار في مكةوالمدينة الفرصة وضاعفوا من الأسعار التي تشتعل كل يوم ابتداء من سعر الجنيه المصري في محلات الصرافة حيث كان سعر الريال في الأيام الأولي من رمضان 161 قرشا - بأقل قرش من سعره في مصر- ولكن بعد أيام قليلة ارتفع السعر ليصل إلي 175 قرشا واستمر هكذا حتي نهاية رمضان .. وانتهز أبناء جنوب شرق آسيا من أبناء الهند وبنجلاديش وباكستان وبورما والفلبين واندونيسيا الذين يعملون في في محلات بيع ¢هدايا المعتمرين¢ في مكةوالمدينة الفرصة لاستغلال ضيوف الرحمن حيث لا توجد أي تسعيرة لأي شئ الضحية الأولي لذلك هو المعتمرون المصريون لأنك نادرا من تجد من يشتري غير المصريين الذين يشترون أتفه الأشياء وبأسعار أغلي من مصر مرات عديدة غالبيتها مستورد من البلاد التي لا تؤمن بالأديان أصلا وليس الإسلام فقط حيث تجد الغالبية من ¢هدايا المعتمرين ¢ من السبح والمصليات والعطور والطواقي وكل ما يخص النساء والأطفال ¢ صناعة صينية في حين تجد علي استحياء بعض منتجات ماليزية أو تركية أو اندونيسية. واغرب ما لاحظته من جنون الشراء لدي المصريين هو شدة إقبالهم علي شراء ¢البطاطين¢ حتي إنني ظننت أن معهم فتوي تنص علي ¢انه من اعتمر ولم يشتري بطانية كورية ماركة الدب أو الدبين سواء محفورة أو غير محفورة فإن عمرته غير مقبولة أو مشكوك في صحتها لأنه لم يؤد نسك أو شعيرة شراء البطانية¢. ووصل تعجبي من هذا الشره في شراء البطاطين حين رأيت رجالا يرتدون ملابس الإحرام ويحملون فوق رؤوسهم بطاطين وفي أيديهم بطاطين كأن هذا ارجي للقبول ومضاعفة الثواب في الشهر الفضيل الذي تضاعف في حسنات الأعمال وخاصة إذا كان المعتمر- الذي ما زال يرتدي ملابس الاحرام - معه بطانية ثمانية كيلو علي الأقل ويزيد الثواب إذا كانت عشرة كيلو لأننا نؤمن أن ¢ الثواب علي قدر المشقة ¢ سواء كانت المشقة في الجسد أو مادية من الجيب.. والعجيب إنني عندما رجعت مصر سألت عن سعر هذه البطاطين فوجدتها أرخص .. وليس لانهم المصريين بالشراء دون بقية الجنسيات إلا إنهم الأكثر استجابة وفهما وتنفيذا لدعوة نبي الله إبراهيم الذي دعا للسيدة هاجر المصرية وأم العرب وابنها إسماعيل. المعاناة مستمرة تستمر المعاناة في الأراضي المقدسة حيث تم إزالة غالبية الفنادق المتوسطة القريبة من الحرم في ظل التوسعات السابقة والحالية والتي يتم الإعداد لها مستقبلا وبالتالي أصبح الغالبية العظمي من معتمري الشهر يقيمون في فنادق بعيدة عن الحرم وتوفر الفنادق سيارات لنقلهم الي ¢ كوبري المسفلة ¢ أخر حدود الحرم المسموح بدخول السيارات إليها ثم يسير المعتمرون علي الأقدام مسافة لا تقل عن أربعة كيلو مترات وسط زحام شديد جدا ومن لا يستطيع السير من كبار السن والمرضي يقوم باستئجار كرسي متحرك يبدأ إيجاره من مائة ريال إلي 200 ريال في المرة الواحدة حسب التفاوض مع صاحب من أبناء الجنسيات الآسيوية ولنا أن نتصور تكلفة المسن أو المريض إذا حرص علي حضور الصلوات في الحرم يوميا وخاصة انه لا توجد أي وسيلة أخري للانتقال من كوبري المسفلة إلي الحرم. إهمال الفنادق لا تتوقف معاناة عمرة الشهر عند هذا الحد وإنما تمتد الي الفنادق التي يقيمون فيها حيث عدد السيارات التي توفرها الفنادق قليلة العدد -رغم التزايد المستمر في أعداد المعتمرين من أول رمضان إلي آخره - ويقوم بقيادتها أبناء جنوب شرق آسيا الذين لا يفهمون العربية وبالتالي يفتقد أكثرهم التواصل مع المعتمرين سواء من يركبون معه أو من ينتظرونه في الشارع لفترات طويلة وخاصة عقب صلاة التراويح حيث تصاب المنطقة المحيطة بالحرم بالشلل المروري التام ويزيد الطين بلة أن الفنادق السعودية بالاشتراك مع شركات السياحة المصرية الفرصة وشدة الإقبال لتكديس اكبر عدد من المعتمرين في كل غرفة وليتهم يهتمون برعايتهم وإنما الإهمال شديد والاستجابة بطيئة لمطالب ضيوف الرحمن ووصل الأمر إلي أن هناك نسخا عديدة من مفاتيح الغرف التي يتم توزيعها بشكل عشوائي حتي أن غرف السيدات في بعض الفنادق وجدوا رجالا ممن جاؤا في أفواج تالية معهم نسخا من مفاتيح غرفهن فإذا تمت الشكوي من ذلك كان الاعتذار والوعد بعدم التكرار هو الرد ومع هذا تستمر المخالفات التي يعاني منها المعتمرين حتي أن بعضهم لم يتحمل وقرر العودة بعد أداء مناسك العمرة ولم يستمر الشهر الذي اتفق علي بقائه بسبب سوء الخدامات الفندقية والزحام الشديد ومعاناة الذهاب والرجوع من الحرم واستغلال البائعين في حين قرر آخرون الهروب من هذه المعاناة بالاعتكاف الدائم بالحرم ومعه حقيبة ملابسه وتصبح معاناته معاناة واحدة وهي الذهاب للحمامات المزدحمة دائما. وعندما جاءت ساعة المغادرة في رحلة العودة كانت المعاناة صورة طبق الأصل من معاناة الذهاب وخاصة في مصر والأردن ومع هذا ليس هناك من يذلل معاناة ضيوف الرحمن وخاصة في العقبة ونوبيع وكأنهم مصرين علي تعذيبهم قبل وبعد العمرة حتي يأخذوا الذنب مضاعف وينالوا دعوات ضيوف الرحمن المسافرين برا - الذين لا يقل عددهم عن 650 ألف في الذهاب والعودة. وفي النهاية إذا كانت هذا تفاصيل معاناة السفر البري فإن التكدس بالمطارات والموانئ والمنافذ البرية وموانئ ينبع جدة¢وجدة بالسعودية وسفاجا والسويس ومطار القاهرة الدولي لا تقل عنا أن اختلفت درجة المعاناة زيادة أو نقصان. استثمارها اقتصاديا تعجب الدكتور يوسف إبراهيم .. مدير مركز الاقتصاد الإسلامي - جامعة الأزهر من هذا الكم الذي يقارب المليون في ظل ظروف اقتصادية متهورة - وتزداد تدهورا - في بلد قامت فيه ثورة ونهشته الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات والمطالب الفئوية والتضخم المتزايد في الأسعار ومعاناة ميزانه الاقتصادي تزداد يوما بعد يوم في ظل تزايد الاستيراد وارتفاع سعر الدولار بالنسبة للجنيه وفي نفس الوقت تتراجع صادراتنا رغم المحاولات المستمرة من القيادة السياسية لجذب الاستثمارات لتحسين الأوضاع ولكن هذا لن يتم بيت يوم وليلة ولهذا تم اللجؤ إلي صندوق النقد الدولي للاقتراض بالربا. وأوضح الدكتور يوسف إبراهيم انه لا يوجد مسلم يرفض العمرة - مهما كانت مدتها - إلا إننا نطالب بتقنين الوضع محافظة علي راحة المعتمرين وكرامتهم وفي نفس الوقت لابد من استثمار الموضوع اقتصاديا لتحسين حالة الاقتصاد المصري المتردي وذلك بإنشاء مناطق محترمة وعالمية للتجارة الحرة في منافذ الدخول والخروج ليجد فيها المعتمر ما يحتاج إليه من هدايا بسعر مغري بعيدا عن الاستغلال الذي يتعرض له في السعودية. نصب وأموال حرام وأشار الدكتور محمد عبد اللطيف قنديل الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية بالإسكندرية إلي أهمية الجمع بين تلبية اشتياق المصريين وتعلقهم الكبير بالأراضي المقدسة وبين احترام آدميتهم في السفر والإقامة بدلا من الأوضاع المأساوية التي يعانون منها في السفر - خاصة البري - وكأنهم في حاجة إلي من يكفر سيئاتهم بالعذاب في رحلة الذهاب والإياب وبالتالي فنحن في حاجة ماسة إلي تدبر وتطبيق قوله تعالي ¢ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الي الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وانتم تعلمون¢. وطالب الدكتور محمد عبد اللطيف أولياء الأمور في البلاد - وخاصة بعد سيطرة الإسلاميين - أن يتقوا الله في ضيوف الرحمن وان يضعوا من الضوابط - حتي وإن قل العدد - لحماية كرامة المصريين الذين قد يضطرون الي التسول لاستكمال مصاريف الشهر أو العيش في مكان غير آدمي وهذا يتطلب التصدي لجشع أصحاب شركات السياحة التي يوهمون المعتمرين بالتيسيرات الكبيرة التي لا يجدون منها علي أرض الواقع شيئا مستغلين حب المصريين الفطري لبيت الحرام وزيارة النبي صلي الله عليه وسلم ويبيعون في سبيل ما لديهم أو يستدينون وهذه ليست شطارة من شركات السياحة وإنما نصب لتعويض خسائرها بعد الثورة. وأشار الدكتور عبد اللطيف قنديل إلي التحايل بوجه عام حرام شرعا ولاشك انه علي ضيوف الرحمن اشد حرمة لأنه غش وخداع وكذب وأكل لأموال الناس بالباطل وظلم للمعتمرين ولهذا يجب محاسبة أصحاب هذه المؤسسات بأشد العقوبات ومصادرة المال الحرام وسحت ورده لأصحابه. الاعتراف سيد الأدلة ** أصدر هشام زعزوع. وزير السياحة. قرارًا بإيقاف نشاط 19 شركة سياحية. إيقافا جزئيًّا. من نشاط السياحة الدينية. لمدة 6 أشهر. وذلك لثبوت مخالفتها لأحكام القرار الوزاري رقم 324 لسنة 2011 بعدم الالتزام بالمواعيد المقررة للعودة من رحلات العمرة. طبقا للبرامج المعتمدة وعدم تسليم جوازات سفر السائقين ويأتي القرار يأتي في إطار حرص وزارة السياحة علي راحة المعتمرين والقضاء علي كل ما قد يتسبب في حدوث أي منغصات خلال رحلتهم للأراضي المقدسة لأن عدم التزام هذه الشركات بالقواعد المنظمة لرحلات العمرة تسبب في مشكلة تكدس المعتمرين بميناء العقبة الأردني التي حدثت في نهاية شهر رمضان الوزارة تتابع نشاط الشركات السياحية متابعة دقيقة وتمارس دورها الرقابي بشكل مستمر بهدف معاقبة المخالف مما يعطي الحافز للشركات المنتظمة ويدفع المخالفين لعدم تكرار المخالفة. ** اعترف إيهاب عبد العال عضو لجنة السياحة الدينية. وأمين صندوق غرفة شركات السياحة بأن وصل عدد الشركات المخالفة في موسم عمرة رمضان وصل إلي 22 شركة. تم تحرير 45 محضرا ضدها والعقوبة ستصل في بعض المخالفات إلي حد إلغاء تراخيص الشركات او الإيقاف الجزئي أو الكلي لنشاط الشركة من 3 أشهر إلي سنة وخاصة أن أهم المخالفات التي ارتكبت انحصرت في مخالفة وسيلة النقل التي تم الاتفاق عليها مع المعتمر - رغم التحذيرات الصادرة من الوزارة للشركات- حيث لجأت بعض الشركات إلي استخدام خط نقل جوي القاهرة العقبة. بدلا من القاهرةجدة. دون إعلام المعتمرين. وذلك بعد أزمة زيادة أسعار تذاكر الطيران. ثم تم نقل المعتمرين بعد ذلك برا. كما أن بعض الشركات نقل المعتمرين إلي البحرين. وبعضها برا إلي السعودية مما أدي إلي أن الرحلة استغرقت 18 ساعة .وهناك مخالفات ارتكبت من بعض الشركات فيما يتعلق بمواعيد السفر حيث تمت مخالفة مواعيد التفويج المتفق عليها في وزارة السياحة حيث إن بعض الأفواج ذهب إلي موانئ السفر في غير مواعيدها وهو ما أدي إلي حدوث تكدس في ميناء نوبيع المصري في الذهاب والعقبة الأردني في العودة .كما أن هناك مخالفات فيما يتعلق بأوصاف السكن في المدينةوجدة حيث لجأ بعض الشركات إلي تغيير الفندق بخلاف ما نص عليه البرنامج وهو ما أدي إلي حدوث شكاوي في حقها وتحرير محاضر من قبل المعتمرين.