يبدو أن الحكم علي الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه ومعاونيه في قضية قتل الثوار والمتظاهرين في ثورة 25 يناير. واستغلال النفوذ والتربح والتي عرفت اعلاميا بمحاكمة القرن وتضمنت تبرئة جميع المتهمين باستثناء الحكم بالسجن المؤبد علي مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي. لم يغلق باب القصاص في راي غالبية القوي السياسية والائتلافات والاحزاب والجماهير التي اندفعت مرة اخري الي الميادين بكافة المحافظات معبرة عن رفضها ما انتهت اليه المحاكمات من احكام استندت الي اعتبارات سياسية لا تحقق العدالة وتجهز علي الثورة المصرية وتعيد انتاج النظام البائد في ابشع صوره. لم تمر أسابيع قليلة علي ما نشرته ¢عقيدتي ¢ حول قيام ¢ البشاير¢ ببث إعلانات عن مواقع الحادية وبيان وسائل إغرائها لأتباع الأديان السماوية وخاصة المسلمين .. الا ووجدنا مقالا منشورا في احدي الجرائد اليومية عن ¢ فوائد الإلحاد ¢ ونقله نفس الموقع بترحاب شديد وكأنه فتح مبين .. وزاد الطين بلة ان كثيراً من المؤسسات الدينية في غيبوبة وتراجع دورها او انشغلت بتوافه الامور وتركت الساحة لدعاة الالحاد ينشرون سمومهم بحرية لا يحلمون بها باسم ¢ حرية التعبير والابداع ¢ من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي نوضح فيه أسباب تنامي موجة الإلحاد وارتفاع أصوات المروجين لها في مصر والوطن العربي وكيف يمكن مواجهتها بالوسائل الفعالة بعيدا عن التشنج الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. في البداية يحاول الدكتور ناجح ابراهيم مؤسس الجماعة الإسلامية تحليل القضية من مختلف جوانبها مؤكدا ان الترويج للإلحاد وبيان فوائده - ان كانت له فوائد أصلا - موجة عالمية تتم وفق خطة ممنهجة وتنفق عليها مؤسسات عالمية تستهدف اقتلاع الأديان كلها - وخاصة الإسلام - من النفوس وغرس الفكر الإلحادي مكانه وبما يعنيه من كسر قيودها التي تحمي الأعراض والأنفس والأموال وتكبح جماح الغرائز إلا في الحلال الذي أحله أما الفكر الإلحادي فهو قائم علي انه لا اله في الكون وان الإنسان هو سيد الكون والعقل هو الإله الذي يحكمه ولا سلطان علي الإنسان إلا عقله فضلا عن أنهم يعبدون ما تدعو إليه شياطين الإنس والجن من الكفر البواح. وأشار الدكتور ناجح الي انه اذا كان الإعلام في عصر السماوات المفتوحة قد أسهم في نشر الوعي والثقافة وجعل العالم قرية صغيرة إلا انه في نفس الوقت أعطي كل إنسان الحق في التعبير عما يؤمن به بصرف النظر إن كان هذا حقا أو باطلا وكذلك مضمون ما يدعو إليه إن كان إيمانا بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره فهو في نفس الوقت مفتوح لكل من يريد الدعوة لعكس هذا أو نقيضه بل ويتطاول علي أتباع الأديان. وأشار الدكتور ناجح ابراهيم الي انه زاد الطين بلة في الدول العربية وخاصة مصر مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية وأهمها : - تراجع مستوي الدعاة وقلة إعداد من ينظرون الي العمل الدعوي علي انه رسالة وليس مجرد وسيلة للارتزاق - من يخلصون للعمل الدعوي - علي قلتهم - بعضهم يجهل أهمية الإعلام وكيفية التعامل الأمثل معه سواء في الدعوة الي الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالتي هي أحسن كما أمرنا الله ولهذا فإن الدعوة لم تستفيد من جهودهم عبر الإعلام بالشكل الأمثل بل انه بعضهم ينظر إلي الإعلام علي انه رجس من عمل الشيطان ويجب اجتنابه. - بعض الدعاة عشق الإعلام إلا انه ضل الطريق الصحيح لتبليغ رسالة دينه وتفرغ للتطاول علي هذا وتسفيه هذا والطعن في عقيدة هذا وتكفير هذا وإثارة الفتاوي الغريبة التي لا مجال لها من الإعراب وليس هناك داع لها بل إنها تسيء إلي الإسلام والمسلمين ولكن هؤلاء الدعاة يبحثون عن كل غريب إيمانا منه بقاعدة ¢ خالف تعرف ¢. - بعض الدعاة همش رسالته الدعوية وخلع عباءة الدعوة وارتدي عباءة السياسة - وخاصة بعد الثورات العربية- وبالتالي فقد ترك ما يجيده وتفرغ فيما لا يجيده بل انه اخطأ في ممارسة العمل السياسي وأساء هذا إلي الدعوة لأنهم نظروا إليه كداعية والنماذج علي ذلك كثيرة خلال الفترة الماضية. - تراجع دور خطب الجمعة والدروس في المساجد عن اداء دورها في ترسيخ العقيدة في النفوس والرد علي مزاعم الإلحاد ومن يشككون الناس في عقائدهم بعد أن انتقلت السياسة الي المساجد أيضا وليس عبر الفضائيات الإسلامية فقط. - طغت السياسة علي المؤتمرات الإسلامية التي لم تهتم أيضا بقضايا التوحيد والعقيدة وتفرغ المشاركون - في كثير من المشاركين هذه المؤتمرات - للصراعات السياسية والحزبية .. المواجهة عن كيفية مواجهة موجة الإلحاد عالميا ومحليا قال الدكتور ناجح ابراهيم: في علاج السلبيات السابق ذكرها بالإضافة الي قيام المؤسسات الدعوية بدورها المنوط بها ليس بلغات المسلمين فقط بل ومخاطبة غير المسلمين بلغاتهم لشرح الإسلام بيسر وبساطة وفي هذا إجراء دعوي يطبق قاعدة ¢ الهجوم خير وسيلة للدفاع ¢ ولابد أن يتماشي هذا مع إصلاح البيت من الداخل من خلال ترسيخ التربية الإسلامية من خلال الاسرة والمدرسة والجامعة ووسائل الاعلام والثقافة ونشر الكتب التي تهتم بالعقيدة والتوحيد للعلماء القدامي والمعاصرين وخاصة للشيخ الغزالي والشعراوي والدكتور عبد الحليم محمود وغيرهم. تقوية الذات يري الدكتور مختار عطا الله مدير مركز الدراسات الإسلامية بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة أن الدعوة الي الإلحاد ليست وليدة اليوم بل إنها تمتد إلي عمر ظهور الإسلام نفسه وهذا أمر طبيعي في الصراع بين أهل الحق والباطل ولكن المشكلة تظهر اذا كان أهل الحق ضعفاء وأهل الباطل أقوياء وعادة ما يتأثر الضعيف بما يروجه القوي حتي لو كان كفرا ولهذا وجدنا المسلمين في العصور الزاهرة للحضارة الإسلامية درسوا كل شيء واثروا في العالم ولم تؤثر فيهم أبواق الكفر أو الإلحاد بل إنهم درسوا كل الفلسفات التي توصل إليها الفكر الإنساني غير الإسلامي وأضافوا إليها ولم يتأثروا بما فيها من أشياء تخالف العقيدة الإسلامية وأشار الدكتور مختار الي أن الملاحدة يئسوا من مواجهة أهل الإيمان في عصور قوتهم لما يملكونه من الأدلة المنطقية والعقلية لان العلم بدون الدين أعرج وكذلك فإن الدين بدون العلم اعمي ولهذا علينا دراسة تاريخنا وتقوية أنفسنا لأنه لن يضرنا من ضل وأضل إذا عرفنا أننا علي الحق وحصنا أنفسنا وصدق الله العظيم اذ يقول¢ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةى لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا¢ ووصف تاثير القرآن علي المؤمنين والملاحدة بقوله ¢قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًي وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرى وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًي¢ التأثير الاعلامي تؤكد الدكتورة ماجي الحلواني العميدة السابقة لكلية الإعلام - جامعة القاهرة أن ما يحدث من ارتفاع وتيرة الدعوات الي الإلحاد في الداخل والخراج تعد نتيجة طبيعية للانفتاح الذي نعيشه في هذا العصر الذي له عيوب كما له من مميزات وواجبنا التصدي للسلبيات بالفكر العقلاني وكيف زيفه بصرف النظر عن الداعي للإلحاد أو المزين له بعيدا عن التشنج العصبية السباب الذي يسيء للإسلام والمسلمين . وتضيف الدكتورة ماجي : شتان بين ما كان الناس عليه قبل الفضاء المفتوح والانترنت وعولمة الثقافة والمعلومات حيث كانوا يعيشون حياة شبه هادئة بعيدا عن الصخب الفكري والصراع العقائدي وحيث كانت تسود حياة إيمانية لا يعكر صفوها شبهات المغرضين إلا في اقل الحدود علي عكس الوضع اليوم حيث أساء البعض استخدام أدوات ووسائل الإعلام الحديثة في الدعوة الي الإلحاد الإباحية ولهذا لابد من الرد علي تلك الأفكار وتفنيدها وفي نفس الوقت العمل علي حماية عقائد الناس ومعتقداتهم ممن يعشقون السخرية من الأديان وازدراء من يؤمنون بها. تشديد العقوبات يؤكد المستشار محمد ابراهيم رئيس الشئون القانونية بالجمعية الشرعية - وصاحب الدعوي القضائية ضد موقع ¢البشاير ¢ لنشره إعلانات ومقالات تروج للمواقع الإلحادية- أن القانون والفكر هما الوسيلتين الأفضل لمواجهة الترويج للإلحاد وهذا يتطلب تصدي علماء العقيدة ومقارنة الأديان وكبار المفكرين الإسلاميين بالرد علي المشككين ودعاة الإلحاد من خلال الفكر بالفكر وليس إراقة الدماء والدعوة إلي قتلهم وسفك دمائهم أو طردهم من البلاد وأشار المستشار محمد ابراهيم الي انه من المؤسف ان عقوبة ازدراء الأديان أو الدعوة إلي الإلحاد في القوانين الحالية ضعيفة ولاشك ان هذا يشجع كل من فيه نفسه مرض الي التجرؤ علي الدين والسخرية من أتباعه مع أن القاعدة الشرعية تؤكد أن الله يزغ بالسلطان ما يزغ بالقرآن ¢ ولهذا لابد من تشديد العقوبة لأن العقوبات الحالية غير رادعة وخاصة اذا الترويج للإلحاد يتم عبر القنوات التلفزيونية والإذاعية والمواقع الالكترونية لأن العقوبة الحالية وفقا لنص المادة 98 من قانون العقوبات تنص علي ¢ يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تتجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخري لأفكار منطوقة بقصد الفتنة أو تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الأضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي ¢كما ان هناك عقوبات أخري تنص عليها المادة 102 مكرر عقوبات والمادة 176 ومن قانون العقوبات المعدلة بالقانون 147 لسنة 2006 إعادة النظر في التنشئة تري الدكتور عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن الترويج للإلحاد وتزيينه في عيون الشباب ظاهرة عالمية وتتوقف استجابة أي مجتمع له بالرفض أو القبول بدرجة تمسكه بالدين الصحيح والتنشئة الاجتماعية القائمة علي الحوار بين الآباء والأمهات وأولادهم من جانب وكذلك بين الفرد والمحيطين به سواء في المدرسة أو الجامعة أو العمل أو الحياة بوجه عام وطالبت الدكتورة عزة بتبني الدولة لمشروع كبير ليحصن أجيال الأمة من الأفكار الخطيرة ومنها النزعة ¢ الإلحادية ¢ ونشر أفكار الزندقة بين المؤمنين المطمئنين بإيمانهم ونحن في اشد الحاجة بث مشروع ¢ التحصين ¢ بالقيم التي ترسخ الإيمان القائم علي التأمل العقلي الذي يبطل الحجج المخالفة ولابد كذلك من تجديد مناهج التلقين للعلوم الإسلامية وبيان جوانب الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وتكميلها بأبحاث لمواجهة الإلحاد والاعتناء بمباحث الإلوهية والنبوة باعتبارها هي جزء من الإعجاز الذي يرسخ الإيمان واليقين بصحة الرسالة المحمدية وعرضها في مستويات كثيرة تتوافق مع مستويات الأعمار والعقول والأفهام علي أن يشمل المبتدئين والعامة والخاصة.