أكد مشايخ ورموز الصوفية أن المرحلة الراهنة التي تبدأها مصر الجديدة بالانطلاق نحو الجمهورية الثانية بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية تفرض علي الجميع التكاتف ونبذ الخلاف وأي حساسية فيما بين المؤسسات والتيارات والطوائف وفي مقدمتها الدينية باعتبارها القدوة. أشاروا إلي أن الجميع يستمد من الكتاب والسنة وأن الاختلاف والتنوع هو لإثراء الفكر والتنافس الشريف في التقرب إلي الله وعمارة الكون وليس الصراع والتنابذ. وأجمعوا أن الأزهر الشريف بمرجعيته ووسطيته يمثل المخرج الصحيح من أي خلاف وشقاق والسبيل نحو توحيد الصف. وفيما يلي ما قالوه: ينفي الشيخ محمد الشهاوي شيخ الطريقة الشهاوية رئيس المجلس الصوفي العالمي وجود أي تخوف من جانب الصوفيين تجاه الإخوان المسلمين مستدلاً علي ذلك بقوله: لقد اطمأننا كصوفية من الإخوان خاصة عندما قام مرشحهم د. محمد مرسي بزيارة مشيخة الطرق الصوفية أثناء الانتخابات الرئاسية وجلس معنا كمشايخ طرق صوفية فكان هناك تقارب بيننا ليس في الفكر فقط بل في الأرواح أيضاً. هدم الأضرحة يستطرد الشهاوي قائلاً: أما فيما يختص بالمشاكل سواء مع الإخوان أو السلفية باعتبارهما صنوان فقد بدأت تبرز سمومها وأشواكها بهدم بعض الأضرحة مثل ما حدث في الفيوم أو الشيخ زويد. فهذه الأفعال تثير الفتنة. والصوفية بطبيعتها هادئة لكن تلك الأفعال غير المسئولة تشعل نفوس الصوفيين ومن الممكن أن تحولهم لأناس آخرين تحت الضغوط التي تولد الانفجار. فهذا هو ما يخوفنا أن تتراكم المشاحنات ثم تنفجر رداً علي تصرفات السلفية مع العلم بأن الاعتداء علي الأضرحة هو جرم لمخالفته الشريعة والقانون. فالشرع لا يجيز نبش القبور. ويطرح الشهاوي عدة أسئلة بقوله: هل سينجح الحكم الإخواني المتمثل في د. مرسي في إزالة الخلافات بين الصوفية والإخوان والسلفية؟ وهل سيسمح بتجزئة الإسلام وهو واحد إلي فرق وطوائف؟ إذا نجح في ازالة الخلافات وتوحيد الصف فتعظيم سلام له. وإن لم يفعل فيعتبر هذا فشلاً في سياسة الحكم الجديد.. فهذا هو المحك الرئيسي أمام مصر الجديدة. هناك نقطة مهمة جداً يثيرها الشهاوي فيقول: المفترض أن الأضرحة تابعة لإشراف وزارة الأوقاف فإذا فشلت في وقف الاعتداء عليها من قبل البعض فعليها أن تتركها لمشيخة الطرق الصوفية وهي كفيلة بحماية الأضرحة وهذا إنذار للأوقاف حتي تؤدي مهامها فنحن في مرحلة جديدة ولابد من معالجة هذه الأمور حتي لا تزيد الهوة. والأزهر بمرجعيته ووسطيته كفيل بإنهاء أي خلاف وجميع المصريين حوله. تجارب التقارب يضيف الشهاوي: لي تجربة في السعي للتقريب بين كل الطوائف والطرق علي رأسها زيارة د. مرسي للمشيخة فقد اعتبرناها مصالحة مع الإخوان رغم انه لا توجد مخاصمة أصلاً ولكن هي مع السلفية التي للأسف اخترقتها الوهابية المتشددة مع العلم بأن السلفية هي وسطية الإسلام وهو منهج المصريين كلهم وإنما التشدد هو شيء طاريء ووافد علينا من الخارج فليتنا ننتبه ونسعي لإصلاح المعوج وما أفسد العلاقات ونصبح يداً واحدة وهو شعار د. مرسي في الانتخابات وعليه أن يحوله لفعل وواقع حتي ننشر ثقافة التسامح والسلمية والديمقراطية كما حددها ديننا الحنيف. أما التجربة الشخصية الأخري فقد التقيت مع بعض القيادات السلفية والإخوانية في لقاء تليفزيوني ومنهم م. عبدالمنعم الشحات وأكدنا جميعاً أن منهجنا واحد وهو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فلماذا إذن ذلك التقسيم والتصنيف فيما بيننا؟! فإذا كان الخلاف هو في الفهم والتفسير والتطبيق للآيات والأحاديث.. فهذا يري ذلك حراماً والآخر يراه حلالاً أو جائزاً. فهنا يبرز دور الأزهر والأوقاف من خلال الأئمة والوعاظ لنشر الثقافة الصحيحة خاصة اننا في مرحلة دقيقة لتكوين الشارع المصري بالشكل الذي نريده ويريده الشعب راقياً ديمقراطياً وعلي المسئولين أن ينفذوا الكلام الحلو المعسول لا أن يظل كلاماً ومجرد فض مجالس!!. نقطتان ومخرج ويحدد الشيخ أحمد حافظ التجاني شيخ الطريقة التجانية نقاط الخلاف بين الصوفية والإخوان في نقاط قليلة تتمثل في: 1 الأضرحة: وهي التي تضم جثمان ولي أو رجلا صالحا ويحرص الصوفية علي حمايته ورعايته. وقد ظهرت مؤخراً مشكلة اعتداء البعض عليها فهل مثل هؤلاء نضرب لهم تعظيم سلام؟!. والأخطر من ذلك ان إمام المسجد الذي به ضريح يوضح للمعتدي أو المعترض أن الضريح يوجد خارج المسجد أو بعيداً عن القبلة وبينه وبين المصلين حاجز وأن المصلي يقول: الله أكبر وليس الولي الفلاني أكبر وغير ذلك من التوضيحات إلا أن المعتدي لديه خلفية فكرية متشددة يريد تطبيقها بلا وعي أو فهم مع ان الحل بسيط جداً لو اعتبر ان الصوفي اجتهد فأخطأ له أجر واحد. وهو الإخواني أو السلفي اجتهد فأصاب فله أجران كما جاء في الحديث الصحيح. فلماذا لا يدع الخلق للخالق فيعيش الكل في أمن وسلام ولا يعتدي أحد علي الآخر ونعبد ربنا؟!. أما النقطة الثانية كما يراها التجاني فهي ان السلفية والإخوان يرسمون للصوفية صورة سيئة سلبية باعتبارهم كفرة وموالدهم ليست إلا ملاهي ومراجيح. وهذا خطأ لأن الصوفي غير مسئول عن المظاهر السلبية في الموالد والتي يأتيها أفراد "أرزقية" والصوفية انما هم يعبدون الله ويذكرونه ويتدارسون سيرة الرسول الكريم والأولياء والصالحين وهم يتبرأون من كل تصرف يخالف الكتاب والسنة. ويذكر "التجاني" محاولة الشيخ هاشم الرفاعي شيخ الطريقة الرفاعية بالكويت لجمع 20 من علماء الصوفية والوهابية لبحث نقاط الخلاف والاتفاق إلا أنه فشل لأن علماء الوهابية منغلقون علي فكر محمد بن عبدالوهاب وتوزع كتبه مجاناً. وللخروج من هذا الخلاف كما يؤكد "التجاني" يتركز في جعل مرجعنا الأساسي هو الأزهر الشريف المعروف بوسطيته وحفاظه علي صحيح الإسلام علي مدي الألف عام فنتمسك بفكره ودراساته ونواجه الأفكار التي غزتنا من الخارج بالمال. فجميعنا نتمني لمصر الأمن والأمان وأن يصلح الله حال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وأن نرضي بما قسمه لنا حتي نكون أغني الناس ونتعاون في الخير والتقوي. فإذا كان العالم كله يتعاون رغم اختلاف عقائده وجنسياته وألوانه فما بالنا ونحن مسلمون وأبناء وطن واحد؟!. ويجب ألا نقع فريسة التفسيرات والتأويلات الخاطئة مثل من يفسر حديث افتراق الأمة إلي 73 شعبة كلها في النار إلا واحدة هي ما عليه رسول الله وأصحابه.. باعتباره ينطبق علي الطرق الصوفية. مصر فوق الجميع يقول الشيخ عبدالحليم العزمي المتحدث الإعلامي للطريقة العزمية مدير تحرير مجلة "الإسلام وطن" في البداية نريد أن نرسي قاعدة: انه لا خلاف بين جميع المصريين علي العمل لمصلحة مصر فإذا وجدنا من يعمل لمصلحتها سنكون عوناً له. وإذا وجدنا من يعمل لمصالح خاصة أو شخصية أو فئة وجماعة علي حساب مصلحة مصر فلن نكون عوناً له. أما بالنسبة لجماعة الإخوان فالمفروض انهم لا دخل لهم برئاسة مصر. لأن المصريين لم ينتخبوا جماعة الإخوان وإنما انتخبوا رئيساً اسمه د. محمد مرسي وهو الذي تعهد بأن يكون رئيساً لكل المصريين وأنه سيتخلص من كل الانتماءات الحزبية وغيرها. أما بالنسبة لجماعة الإخوان فلو انهم عادوا لأصولهم الصوفية الأولي التي كان عليها الشيخ "حسن البنا" فهم منا كصوفية ونحن منهم. وقد صرح بذلك الشيخ البنا في كتابه "مذكرات الدعوة والداعية" طبعة دار الاعتصام عام 86 بأنه كان عضواً في الطريقة الحصافية وكان مواظباً علي "الحضرة" في مسجد التوبة يومياً وأخذ العهد من الشيخ عبدالوهاب الحصافي. وانه كان مواظباً علي حلقات الذكر وقال حرفياً: فاجتذبتني حلقة الذكر بأصواتها المنسقة ونشيدها الجميل وروحانيتها الفياضة وسماحة هؤلاء الذاكرين من شيوخ فضلاء وشباب صالحين فواظبت عليها هي الأخري" ص .21 ومدح علم التصوف من الكتاب قائلاً: لا شك ان علوم التربية والسلوك عند الصوفية من لب الإسلام وصميمه ولا شك ان الصوفية قد بلغوا مرتبة من علاج النفوس ودوائها والطب لها والرقي بها لم يبلغ إليها غيرهم من المربين. ومدح الطرق الصوفية وقال: ولا شك ان التصوف والطرق كانت من أكبر العوامل في نشر الإسلام في كثير من البلدان وإيصاله إلي جهات نائية ما كان ليصل إليها إلا علي يد هؤلاء الدعاة كما حدث ويحدث في أفريقيا وآسيا. وقال البنا: وكنا في كثير من أيام الجمع التي يتصادف ان نقضيها في دمنهور نقترح رحلة لزيارة أحد الأولياء القريبين من دمنهور. فكنا أحياناً نزور دسوق فنمشي علي أقدامنا لزيارة سيدي إبراهيم الدسوقي. ومن ثم كما يؤكد الشيخ العزمي فإذا تمسكوا بما كان عليه شيخهم من الاعتراف بالطرق الصوفية وأهميتها ودورها وما تقوم به من احتفالات بالصالحين وزيارتهم وحضراتهم فلا خلاف بيننا وبينهم. أما إذا مالوا ناحية الفكر الوهابي المتطرف الذي يتهم الصوفية بعبادة القبور والشرك ويحاول استئصالهم من المجتمع فلا شك اننا سندافع عن أنفسنا. يضيف العزمي: والسنة الإلهية انه لا يمكن صب الناس جميعاً في قالب واحد فهناك أذواق ومشارب للوصول إلي الهدف الأسمي والغاية العظمي وهي رضا الله ومعرفته فلابد من احترام خصوصية كل مذهب ومدرسة ونعتبر ان الاختلاف بينها للتنوع في الأفكار والمنافسة الشريفة في التقرب إلي الله وعمارة الكون ولا نعتبره خلافاً للتنافر والتضاد والتنازع عملاً بقوله تعالي: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" ولكن نعمل جميعاً بقوله: "وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان" وهذا ما يتبعه الأزهر الشريف في دراساته وتدريسه في كل مناهجه.