تداول 39 ألف طن و800 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    اعتماد تعديل بالمخطط التفصيلي ل4 قرى بمحافظة كفر الشيخ    مصر تدين إعلان إسرائيل بناء وحدات إستيطانية جديدة بالضفة الغربية    تشيلسى يمنح عائلة جوتا وشقيقه 15 مليون دولار    النصر السعودي يقترب من التعاقد مع نجم بايرن ميونيخ ب30 مليون يورو    درجات الحرارة 42 بالقاهرة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم    السيسي يوجّه بتحويل تراث الإذاعة والتلفزيون المصري إلى وسائط رقمية    تطورات الحالة الصحية للفنانة الكويتية حياة الفهد.. جلطة وممنوع عنها الزيارة    إي إف جي القابضة تواصل مسيرة النمو الاستثنائية بأداء قوي خلال الربع الثاني من عام 2025    «الغرف التجارية» تكشف خطة الحكومة لتخفيض الأسعار على المواطن    إجراء 3 قرعات علنية لتسكين المواطنين بأراضي توفيق الأوضاع بالعبور الجديدة 18 و19 الجاري    حالات إخلاء الوحدات السكنية طبقًا لقانون الايجار القديم.. ما هي؟    علي الغمراوي يبحث مع سفير ناميبيا التعاون في قطاع الدواء    محافظ الغربية يبحث دعم العملية التعليمية وتطوير المعاهد بالمحافظة    وزير الري: تنظيم 396 نشاطا تدريبيا بمشاركة 11051 متدربًا    فرنسا ترسل تعزيزات لدعم إسبانيا في مكافحة الحرائق    وزيرة التنمية المحلية تعتمد حركة محلية محدودة تتضمن 12 سكرتير عام وسكرتير مساعد فى 10 محافظات    موعد مباراة ليفربول القادمة والقنوات الناقلة    منتخب السلة يواجه السنغال في ثاني مبارياته ببطولة الأفروباسكت    انطلاق منافسات نصف نهائي السيدات ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    ريبيرو يراجع خطة مواجهة فاركو في المران الختامي للأهلي    «تنسيق الجامعات 2025».. ننشر شروط تقليل الاغتراب للمرحلتين الأولى والثانية    3 طلاب وسائق.. تفاصيل مطاردة فتاتين على طريق الواحات بالجيزة    قيمتها 1.5 مليون جنيه.. ضبط موظف بمستشفى لاختلاسه عقاقير طبية    بالأسماء.. مصرع سيدة وإصابة 20 في انقلاب سيارة بطريق القاهرة – الإسماعيلية الصحراوي    القبض على مسجل خطر وزوجته بباب الشعرية    ضبط عددا من متجري المخدرات والأسلحة النارية في حملات بالمحافظات    رئيسة القومي للطفولة تزور الوادي الجديد لمتابعة الأنشطة المقدمة للأطفال    تسليم عقود تقنين أراضى الدولة بدمياط    ماركوس عريان يكشف تفاصيل تنفيذ الإعلان الدعائي ل"درويش"    غدا.. انطلاق «مهرجان القلعة» بحفل ل«وسط البلد»    مركز الهناجر يحتفي بالنيل في عيده بمعرض دولي للكاريكاتير .. صور    «من الدهشة إلى الفن» |المعرض العام فى دورته ال 45.. نظرة إلى نقاد القطاع العام    «100 يوم صحة» تقدم 45.5 مليون خدمة مجانية خلال 29 يومًا.. صور    لتعويض غياب ميندي.. الأهلي السعودي يتحرك للتعاقد مع حارس جديد    «تعليم مطروح» تعلن الانتهاء من تجهيزات امتحان الدور الثاني للثانوية العامة    مع اقتراب موعد المولد النبوي 2025.. رسائل وصور تهنئة مميزة ب«المناسبة العطرة»    قرار جمهوري جديد للرئيس السيسي اليوم الخميس 14 أغسطس 2025    100 منظمة دولية: إسرائيل رفضت طلباتنا لإدخال المساعدات إلى غزة    غدا.. المركز القومي للسينما يعرض أربعة أفلام في احتفاله بوفاء النيل    أمين عام حزب الله يشكر إيران على دعمها للبنان ومقاومته ضد إسرائيل    خالد الجندي: حببوا الشباب في صلاة الجمعة وهذه الآية رسالة لكل شيخ وداعية    شرطة لندن: أكثر من 140 شخصا أبلغوا عن جرائم في قضية محمد الفايد    تبلغ ذروتها اليوم.. 8 نصائح مهمة من الصحة لتفادي مضاعفات الموجة الحارة    «100 يوم صحة» تُقدم 45 مليونًا و470 ألف خدمة طبية مجانية في 29 يومًا    التايمز: بريطانيا تتخلى عن فكرة نشر قوات عسكرية فى أوكرانيا    شقيقة زعيم كوريا الشمالية تنفي إزالة مكبرات الصوت على الحدود وتنتقد آمال سيول باستئناف الحوار    أدعية مستجابة للأحبة وقت الفجر    طريقة عمل مكرونة بالبشاميل، لسفرة غداء مميزة    الأحزاب السياسية تواصل استعداداتها لانتخابات «النواب» خلال أسابيع    في ميزان حسنات الدكتور علي المصيلحي    الصين تفتتح أول مستشفى بالذكاء الاصطناعي.. هل سينتهي دور الأطباء؟ (جمال شعبان يجيب)    كمال درويش: لست الرئيس الأفضل في تاريخ الزمالك.. وكنت أول متخصص يقود النادي    بالقليوبية| سقوط المعلمة «صباح» في فخ «الآيس»    سعد لمجرد يحيي حفلًا ضخمًا في عمان بعد غياب 10 سنوات    الاختبار الأخير قبل مونديال الشباب.. موعد المواجهة الثانية بين مصر والمغرب    الجامعة البريطانية في مصر تستقبل الملحق الثقافي والأكاديمي بالسفارة الليبية لتعزيز التعاون المشترك    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التصوف والطرق الصوفية والثورة الشعبية المصرية
نشر في شباب مصر يوم 09 - 08 - 2011

لعله يكون من المستحسن – منذ البداية – القول بأن الطرق الصوفية ليست التصوف ، وإن كان التصوف هو غايتها إلا أنها وإن إنتسبت إليه من حيث الغاية ، فإنها قد لا تمثله من حيث تعدد الوسائل والمناهج والطرق وما يشوبها من خلل أو معايب وانحرافات قد تضر بالتصوف من حيث حقيقته وأهدافه وغاياته العليا.
وهذا يحتاج منا لبحث آخر ليس هنا مجاله ، فتلك المقالة مخصصة لذلك الحراك الانفعالي الذى انتاب الشارع المصري – منذ ثورة الشعب المصري بكامل قواه فى 25من يناير 2011م بتياراته السياسية والثورية المختلفة والمتباينة ؛ بشكل حاد ، فكل واحد من هنا أو هناك يريد أن يمركز الثورة المصرية والإرادة الثورية الشعبية فى زاويته وأهدافه سواء كانت صحيحة أو فاسدة ، فالغرض فرعوني يريد إقصاء الآخر من طريقه ولو كان موسى عليه السلام ، فكان عاقبته أنه حطب جهنم.
لقد استمعت إلى الشيخ محمد الشهاوى شيخ الطريقة الشهاوية ورئيس المجلس الصوفي العالمي على قناة الجزيرة مصر مباشر مساء السبت 6 أغسطس 2011م ، استمعت إليه وأعجبت بصوته الهادئ ، ولكننى - تعجبت من منطقه الصارخ ، يقول : الدين إذا دخل السياسة أفسدها ، والسياسة إذا دخلت فى الدين أفسدته.
كيف غاب عن شيخ الطريقة أن الدين كالملح يصلح كل شيء ، فإذا فسد لا يصلحه شيء ، فالدين بمعناه الواسع هو دين الإسلام دين الأنبياء جميعا منذ آدم عليه السلام إلى الخاتم صلى الله عليه وسلم مرورا بأولوا العزم من الرسل نوح وإبراهيم وموسى والمسيح عيسى بن مريم عليهم جميعا الصلاة والسلام ؛ وهو ما شرعه الله تعالى لعباده من عقيدة التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد ، وما شرعه لهم من أحكام وقوانين تنظم لهم حياتهم وصلاحها دنيا وآخرة عدالة ومعاملات ومكارم أخلاق ، فكيف بمن هذه طبيعته يفسد السياسة إذا دخل فيها ؟!
كان من المنطقي أن الدين إذا دخل فى السياسة أصلحها وقوم أخطائها وعدل من اعوجاجها وقلل من جبروتها وغلوائها وتصدى لفرعنتها وطغيانها.
ولكن – الشيخ الشهاوي - فيما يبدو - لا يفرق بين فشل مشيخة الطرق الصوفية وأسباب ذلك الفساد الذى عم معظمها وبين الدين.
يقول أن فشل شيخ مشايخ الطرق الصوفية راجع إلى أنه رجل بنكي ، يعنى ممن يعملون فى مجال البنوك والمال.
وأنا لا أعرف علة لذلك الذى يعتقد الشيخ الشهاوى أنه سبب فشل شيخ مشايخ الطرق الصوفية ، فلعله تصور أن مخالطة الحياة والعمل فى الوظائف التجارية والبنكية يعارض طبيعة الزهد ، مع أنه كان يظهر فى البرنامج مرتديا زيه كاملا نظارة وكرافت وبدلة وقميص أساوره بارزة ، فقد يبدو لمن لا يعرف أن مظهره يعارض الزهد الذى يتسم به التصوف فى بعض مقاماته.
وأنا بالطبع لست فى معرض الدفاع عن هذا أو ذاك ، فلست إلا باحث فى مجال تخصصي الدقيق وهو التصوف ، فلا أدخل فى شخصنته ، فحبى للتصوف يحرجنى أن أدفع به فى بحور الخلاف والاختلاف بين الطرق المتعددة والمتابينة الصحيح منها والفاسد ، كما أنأى بنفسى عن الولوج فى مشاحنات الجماعات الإسلامية المختلفة والمتابينة الصحيح منها والسقيم ، فتلك الطرق جميعها وما يخالفها من فرق كلامية أو دعوية وعظية بشخوصها ورجالها من المتغير الذى لا أقف عنده كثيرا إلا مؤيدا لحق أو معارضا لباطل سندا لمصلحة ودرءا لمفسدة.
لقد نسي شيخ الطريقة وهو يعارض الشيخ القصبي أن الدين ليس هو الطرق الصوفية كما أن الطرق الصوفية ليست هى التصوف ، ولا كذلك التصوف هو الدين.
إن الدين أمر رباني له خصائص تعم الحياة الإنسانية كلها ، فهو دين فطري عام شامل كامل تام ، ناهيك بأنه دين محفوظ من التغير والتبدل ، فهو صالح فى الزمان والمكان ، ففيه جميع الحلول لجميع المشكلات ما عرف منها وظهر فى وقته وحينه ، وما لم يعرف منها وما سيظهر فى وقته وحينه ، فصلاح الكون والحياة منوط بدين الإسلام شريعة وحقيقة ظاهرا وباطنا فى الفكر والعقيدة والسلوك جميعا ، فلا يقدر على تسيير الحياة سوى خالق الكون والحياة ، فكان الإسلام هو الطريق الذهبي لتلك الغاية العليا دنيا وأخرى ، وكان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين الهادى لهذا الطريق مبشرا ونذيرا وسراجا منيرا ؛ أرسله ربه سبحانه وتعالى للناس كافة بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله خاتما ومعلما ؛ رحمة للعالمين ؛ بعثه ره سبحانه وتعالى ليتمم مكارم الأخلاق ، فأتمها ، فكان هو لا غيره الأسوة الحسنة فى الزمان والمكان ، فمن تمسك به نجى ومن عانده أو عاداه ضل وغوى.
ومن هنا قال شيخ الطائفة الجنيد أن الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من أقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقال أيضا كما جاء فى الرسالة القشيرية : من لم يحفظ القرآن ، ولم يكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا مقيَّد بالكتاب والسنَّة.
وهذا يعنى أن الطرق الصوفية وإن استقامت على أسس الدين الحنيف ومنهاج النبوة الخاتمة ؛ ومهما صلحت لا تقوم مقام التصوف ، ولا التصوف يقوم مقام الدين ، فليس الدين طريقة صوفية ولا مشيخة سلفية أو مدرسة إخوانية ، أو حوزة شيعية ، أو فرقة من الفرق الكلامية مهما صحت كل تلك الفرق والطرق ، فهى لا تمثل إلى صورة أصحابها وطريقتهم فى فهمهم للدين ، فلا حرج فى ذلك مادام الجميع يزعم أنه يستند فى فهمه لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يجنح إلى حدي الطريق ، فالإسلام دين الوسطية ، فلا إفراط فيه ولا تفريط.
هذا ، ولكن - الأعجب فى ذلك الحراك الإنفعالي فى الشارع المصري أن الشيخ عبد الخالق الشبراوى جعل من نفسه منظرا للأحزاب اللبرالية ، فهو يؤسس للتيارات اللبرالية المصرية ويقعدها على أساس من القرآن الكريم ، فيزعم أن القرآن لبرالي ، فلا يقف عند ذلك بل يقدم الدلائل والشواهد من القرآن الكريم ، فيأتى بقوله تعالى " لا إكراه فى الدين " وأيضا بقوله سبحانه وتعالى " لكم دينكم ولي دين " ، ويقول أن القرآن يدعو للحرية.
بقد فهم أن اللبرالية الحزبية واللبرالية السياسية تعنى الحرية فى الاعتقاد ، وأنا لا أعرف إن كان الشيخ وجدى غنيم سمعه أم لا ؟
وعموما يبدو أنه لا يفرق بين حرية الاعتقاد والحرية السياسية والحريات الأخرى ، فلعله لا يعرف أن من اللبرالية اتجاهات إلحادية منكرة كافرة.
لا شك أنه وغيره من مشايخ الطرق الصوفية ونحن نعرف الكثيرين منهم - بحكم وظيفتنا البحثية - ؛ فمعظمهم لا يعرف الفرق بين اللبرالية والملوخية على قول الشيخ وجدى غنيم لا هم ولا الجماعات السلفية ، فهم يجهلون الفروق بين الأنظمة اللبرالية والنظريات السياسية والحزبية ، فاللبرالية كما التيارات اليسارية ليست نوعا واحدا لا فى النظرية ولا فى التطبيق ، وإن اجتمع الجميع فى الغاية من الحياة السياسية ، فقد يحصرونها جميعا فى الحرية السياسية والتعددية الحزبية ، فيتوافقون على ذلك وبينهم ما بينهم من خلافات لا تخفى على حزبي محنك من هنا أو هناك ، وربما تسامح اليساريون فوافقوا مرحليا على الحرية الاقتصادية بشرط توفر المبادئ الدستورية والقوانين التى ترسى قواعد العدالة الاجتماعية مثلا، فيتوافقوا على ذلك ، وبينهم من الفروق مطارق الحداد.
إن الشيخ عبد الخالق الشبراوى يجهل - بلا شك – حقيقة التيارات اللبرالية المختلفة وأنها ليست نوعا واحدا ، وإلا ما كان يفاضل بينها وبين التيارات الإسلامية ، فيعاديها من أجلها .
وإلا فليخبرنى من فهم كلامه ومداخلته كيف له أن يعارض التيارات الإسلامية المصرية كلها سلفية وإخوانية وغير ذلك فى سبيل تحالفه مع التيارت اللبرالية الحزبية والتلفزيونية الكلامية ؟!
وكان عدد من الطرق الصوفية منها العزمية والرفاعية والسعدية الى جانب بعض القوى الوطنية مثل ائتلاف شباب الثورة وحركة 6ابريل واتحاد شباب ماسبيرو والجمعية الوطنية للتغيير وحزب التحرير المصري والغد ، قد اجتمعوا الخميس الماضى بمقر المشيخة العزمية واتفقوا على النزول يوم الجمعة المقبل بميدان التحرير للتأكيد على مدنية الدولة والرد على جمعة لم الشمل التى رفع خلالها السلفيون شعارات دينية. ( جريدة المصريون 7أغسطس2011م )
ليخبرنى شيخ الطريقة عن سر تحالفة ضد التيارات الإسلامية وشروطة العجيبة .
إن حجته فى ذلك لعجيبة ، فهو يعادى كل التيارات الإسلامية لأنها كما يظن ترتبط بالسعودية.
يعنى بصراحة – وأقول ذلك عن خبرة شخصية ومعايشة لكثير منهم – حجته فى معارضته ومعاداته للتيارات الإسلامية وتحالفه مع اللبرالية ، مع أن فيهم ملحدين – عرف أو لم يعرف - لأنها ترتبط كما يظن هو وغيره من مشايخ ومريدى الطرق الصوفية بعامة بالوهابية المنسوبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، فهى تهاجم الأضرحة والتمسح بالأولياء وقبورهم ، فتدعو إلى صحيح الدين وتحمى حياض التوحيد من كل شوائب وشبهات الشرك والوثنية مهما كان أصحابها يدعون التمسك بالكتاب والسنة ، فعليهم أن يخففوا من غلوائهم فى مشايخهم وصالحيهم.
ولا شك أن ذلك النصح – لكل من يحب الناصحين – فلا يخص أحدا دون آخر ، فهو يوجه أيضا للجماعات الإسلامية كما يوجه للطرق الصوفية ، بل أيضا على الشيعة أن يلتزموا حوزاتهم ، فلا يصدروا طرقهم وحياتهم الخاصة لغيرهم.
( وعلى الله قصد السبيل )
*****
التصوف 00 والطرق الصوفية 00 والثورة الشعبية المصرية !
دكتور / عبد العزيز أبو مندور
[email protected]
000
لعله يكون من المستحسن – منذ البداية – القول بأن الطرق الصوفية ليست التصوف ، وإن كان التصوف هو غايتها إلا أنها وإن إنتسبت إليه من حيث الغاية ، فإنها قد لا تمثله من حيث تعدد الوسائل والمناهج والطرق وما يشوبها من خلل أو معايب وانحرافات قد تضر بالتصوف من حيث حقيقته وأهدافه وغاياته العليا.
وهذا يحتاج منا لبحث آخر ليس هنا مجاله ، فتلك المقالة مخصصة لذلك الحراك الانفعالي الذى انتاب الشارع المصري – منذ ثورة الشعب المصري بكامل قواه فى 25من يناير 2011م بتياراته السياسية والثورية المختلفة والمتباينة ؛ بشكل حاد ، فكل واحد من هنا أو هناك يريد أن يمركز الثورة المصرية والإرادة الثورية الشعبية فى زاويته وأهدافه سواء كانت صحيحة أو فاسدة ، فالغرض فرعوني يريد إقصاء الآخر من طريقه ولو كان موسى عليه السلام ، فكان عاقبته أنه حطب جهنم.
لقد استمعت إلى الشيخ محمد الشهاوى شيخ الطريقة الشهاوية ورئيس المجلس الصوفي العالمي على قناة الجزيرة مصر مباشر مساء السبت 6 أغسطس 2011م ، استمعت إليه وأعجبت بصوته الهادئ ، ولكننى - تعجبت من منطقه الصارخ ، يقول : الدين إذا دخل السياسة أفسدها ، والسياسة إذا دخلت فى الدين أفسدته.
كيف غاب عن شيخ الطريقة أن الدين كالملح يصلح كل شيء ، فإذا فسد لا يصلحه شيء ، فالدين بمعناه الواسع هو دين الإسلام دين الأنبياء جميعا منذ آدم عليه السلام إلى الخاتم صلى الله عليه وسلم مرورا بأولوا العزم من الرسل نوح وإبراهيم وموسى والمسيح عيسى بن مريم عليهم جميعا الصلاة والسلام ؛ وهو ما شرعه الله تعالى لعباده من عقيدة التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد ، وما شرعه لهم من أحكام وقوانين تنظم لهم حياتهم وصلاحها دنيا وآخرة عدالة ومعاملات ومكارم أخلاق ، فكيف بمن هذه طبيعته يفسد السياسة إذا دخل فيها ؟!
كان من المنطقي أن الدين إذا دخل فى السياسة أصلحها وقوم أخطائها وعدل من اعوجاجها وقلل من جبروتها وغلوائها وتصدى لفرعنتها وطغيانها.
ولكن – الشيخ الشهاوي - فيما يبدو - لا يفرق بين فشل مشيخة الطرق الصوفية وأسباب ذلك الفساد الذى عم معظمها وبين الدين.
يقول أن فشل شيخ مشايخ الطرق الصوفية راجع إلى أنه رجل بنكي ، يعنى ممن يعملون فى مجال البنوك والمال.
وأنا لا أعرف علة لذلك الذى يعتقد الشيخ الشهاوى أنه سبب فشل شيخ مشايخ الطرق الصوفية ، فلعله تصور أن مخالطة الحياة والعمل فى الوظائف التجارية والبنكية يعارض طبيعة الزهد ، مع أنه كان يظهر فى البرنامج مرتديا زيه كاملا نظارة وكرافت وبدلة وقميص أساوره بارزة ، فقد يبدو لمن لا يعرف أن مظهره يعارض الزهد الذى يتسم به التصوف فى بعض مقاماته.
وأنا بالطبع لست فى معرض الدفاع عن هذا أو ذاك ، فلست إلا باحث فى مجال تخصصي الدقيق وهو التصوف ، فلا أدخل فى شخصنته ، فحبى للتصوف يحرجنى أن أدفع به فى بحور الخلاف والاختلاف بين الطرق المتعددة والمتابينة الصحيح منها والفاسد ، كما أنأى بنفسى عن الولوج فى مشاحنات الجماعات الإسلامية المختلفة والمتابينة الصحيح منها والسقيم ، فتلك الطرق جميعها وما يخالفها من فرق كلامية أو دعوية وعظية بشخوصها ورجالها من المتغير الذى لا أقف عنده كثيرا إلا مؤيدا لحق أو معارضا لباطل سندا لمصلحة ودرءا لمفسدة.
لقد نسي شيخ الطريقة وهو يعارض الشيخ القصبي أن الدين ليس هو الطرق الصوفية كما أن الطرق الصوفية ليست هى التصوف ، ولا كذلك التصوف هو الدين.
إن الدين أمر رباني له خصائص تعم الحياة الإنسانية كلها ، فهو دين فطري عام شامل كامل تام ، ناهيك بأنه دين محفوظ من التغير والتبدل ، فهو صالح فى الزمان والمكان ، ففيه جميع الحلول لجميع المشكلات ما عرف منها وظهر فى وقته وحينه ، وما لم يعرف منها وما سيظهر فى وقته وحينه ، فصلاح الكون والحياة منوط بدين الإسلام شريعة وحقيقة ظاهرا وباطنا فى الفكر والعقيدة والسلوك جميعا ، فلا يقدر على تسيير الحياة سوى خالق الكون والحياة ، فكان الإسلام هو الطريق الذهبي لتلك الغاية العليا دنيا وأخرى ، وكان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين الهادى لهذا الطريق مبشرا ونذيرا وسراجا منيرا ؛ أرسله ربه سبحانه وتعالى للناس كافة بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله خاتما ومعلما ؛ رحمة للعالمين ؛ بعثه ره سبحانه وتعالى ليتمم مكارم الأخلاق ، فأتمها ، فكان هو لا غيره الأسوة الحسنة فى الزمان والمكان ، فمن تمسك به نجى ومن عانده أو عاداه ضل وغوى.
ومن هنا قال شيخ الطائفة الجنيد أن الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من أقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقال أيضا كما جاء فى الرسالة القشيرية : من لم يحفظ القرآن ، ولم يكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا مقيَّد بالكتاب والسنَّة.
وهذا يعنى أن الطرق الصوفية وإن استقامت على أسس الدين الحنيف ومنهاج النبوة الخاتمة ؛ ومهما صلحت لا تقوم مقام التصوف ، ولا التصوف يقوم مقام الدين ، فليس الدين طريقة صوفية ولا مشيخة سلفية أو مدرسة إخوانية ، أو حوزة شيعية ، أو فرقة من الفرق الكلامية مهما صحت كل تلك الفرق والطرق ، فهى لا تمثل إلى صورة أصحابها وطريقتهم فى فهمهم للدين ، فلا حرج فى ذلك مادام الجميع يزعم أنه يستند فى فهمه لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يجنح إلى حدي الطريق ، فالإسلام دين الوسطية ، فلا إفراط فيه ولا تفريط.
هذا ، ولكن - الأعجب فى ذلك الحراك الإنفعالي فى الشارع المصري أن الشيخ عبد الخالق الشبراوى جعل من نفسه منظرا للأحزاب اللبرالية ، فهو يؤسس للتيارات اللبرالية المصرية ويقعدها على أساس من القرآن الكريم ، فيزعم أن القرآن لبرالي ، فلا يقف عند ذلك بل يقدم الدلائل والشواهد من القرآن الكريم ، فيأتى بقوله تعالى " لا إكراه فى الدين " وأيضا بقوله سبحانه وتعالى " لكم دينكم ولي دين " ، ويقول أن القرآن يدعو للحرية.
بقد فهم أن اللبرالية الحزبية واللبرالية السياسية تعنى الحرية فى الاعتقاد ، وأنا لا أعرف إن كان الشيخ وجدى غنيم سمعه أم لا ؟
وعموما يبدو أنه لا يفرق بين حرية الاعتقاد والحرية السياسية والحريات الأخرى ، فلعله لا يعرف أن من اللبرالية اتجاهات إلحادية منكرة كافرة.
لا شك أنه وغيره من مشايخ الطرق الصوفية ونحن نعرف الكثيرين منهم - بحكم وظيفتنا البحثية - ؛ فمعظمهم لا يعرف الفرق بين اللبرالية والملوخية على قول الشيخ وجدى غنيم لا هم ولا الجماعات السلفية ، فهم يجهلون الفروق بين الأنظمة اللبرالية والنظريات السياسية والحزبية ، فاللبرالية كما التيارات اليسارية ليست نوعا واحدا لا فى النظرية ولا فى التطبيق ، وإن اجتمع الجميع فى الغاية من الحياة السياسية ، فقد يحصرونها جميعا فى الحرية السياسية والتعددية الحزبية ، فيتوافقون على ذلك وبينهم ما بينهم من خلافات لا تخفى على حزبي محنك من هنا أو هناك ، وربما تسامح اليساريون فوافقوا مرحليا على الحرية الاقتصادية بشرط توفر المبادئ الدستورية والقوانين التى ترسى قواعد العدالة الاجتماعية مثلا، فيتوافقوا على ذلك ، وبينهم من الفروق مطارق الحداد.
إن الشيخ عبد الخالق الشبراوى يجهل - بلا شك – حقيقة التيارات اللبرالية المختلفة وأنها ليست نوعا واحدا ، وإلا ما كان يفاضل بينها وبين التيارات الإسلامية ، فيعاديها من أجلها .
وإلا فليخبرنى من فهم كلامه ومداخلته كيف له أن يعارض التيارات الإسلامية المصرية كلها سلفية وإخوانية وغير ذلك فى سبيل تحالفه مع التيارت اللبرالية الحزبية والتلفزيونية الكلامية ؟!
وكان عدد من الطرق الصوفية منها العزمية والرفاعية والسعدية الى جانب بعض القوى الوطنية مثل ائتلاف شباب الثورة وحركة 6ابريل واتحاد شباب ماسبيرو والجمعية الوطنية للتغيير وحزب التحرير المصري والغد ، قد اجتمعوا الخميس الماضى بمقر المشيخة العزمية واتفقوا على النزول يوم الجمعة المقبل بميدان التحرير للتأكيد على مدنية الدولة والرد على جمعة لم الشمل التى رفع خلالها السلفيون شعارات دينية. ( جريدة المصريون 7أغسطس2011م )
ليخبرنى شيخ الطريقة عن سر تحالفة ضد التيارات الإسلامية وشروطة العجيبة .
إن حجته فى ذلك لعجيبة ، فهو يعادى كل التيارات الإسلامية لأنها كما يظن ترتبط بالسعودية.
يعنى بصراحة – وأقول ذلك عن خبرة شخصية ومعايشة لكثير منهم – حجته فى معارضته ومعاداته للتيارات الإسلامية وتحالفه مع اللبرالية ، مع أن فيهم ملحدين – عرف أو لم يعرف - لأنها ترتبط كما يظن هو وغيره من مشايخ ومريدى الطرق الصوفية بعامة بالوهابية المنسوبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، فهى تهاجم الأضرحة والتمسح بالأولياء وقبورهم ، فتدعو إلى صحيح الدين وتحمى حياض التوحيد من كل شوائب وشبهات الشرك والوثنية مهما كان أصحابها يدعون التمسك بالكتاب والسنة ، فعليهم أن يخففوا من غلوائهم فى مشايخهم وصالحيهم.
ولا شك أن ذلك النصح – لكل من يحب الناصحين – فلا يخص أحدا دون آخر ، فهو يوجه أيضا للجماعات الإسلامية كما يوجه للطرق الصوفية ، بل أيضا على الشيعة أن يلتزموا حوزاتهم ، فلا يصدروا طرقهم وحياتهم الخاصة لغيرهم.
( وعلى الله قصد السبيل )
*****


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.