هجوم حاد من "النواب" على وزير العدل ورئيس المجلس يتدخل: لا توجهوا أي لوم للحكومة    البورصة المصرية تربح 6.6 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    تعرف علي موعد إضافة المواليد علي بطاقة التموين في المنيا    اعتماد المخططات التفصيلية لقريتين في محافظة كفر الشيخ    الكرملين: مصادرة الأصول الروسية لن تمر دون رد    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    الكرملين: الاتصالات بين الإدارتين الروسية والأمريكية تتم عبر "قنوات عمل"    محمود الخطيب يُعلن قائمته في انتخابات النادي الأهلي    فرصة للزمالك.. فيفا يدرس زيادة الأندية في كأس العالم    مصرع 3 أشخاص وإصابة 7 آخرين إثر انقلاب سيارة نقل بطريق أسيوط الصحراوي    «جسور على الباب» و«عهد السفليين» ضمن عروض مهرجان مسرح الهواة الليلة    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2أكتوبر 2025.. موعد أذان العصر وجميع الفروض    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    750 ألف وظيفة مهددة... أمريكا تواجه أسوأ إغلاق حكومي منذ عقود    قطر تستنكر فشل مجلس الأمن فى اعتماد قرار بشأن المعاناة الإنسانية فى غزة    الصحافة الإنجليزية تكشف موقف عمر مرموش من معسكر منتخب مصر    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    النقل: خط "الرورو" له دور بارز فى تصدير الحاصلات الزراعية لإيطاليا وأوروبا والعكس    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    شقيق عمرو زكى يكشف تفاصيل حالته الصحية وحقيقة تعرضه لأزمة قلبية    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    تصالح طرفى واقعة تشاجر سيدتين بسبب الدجل بالشرقية    شيخ الأزهر يستقبل «محاربة السرطان والإعاقة» الطالبة آية مهني الأولى على الإعدادية مكفوفين بسوهاج ويكرمها    السيولة المحلية بالقطاع المصرفي ترتفع إلى 13.4 تريليون جنيه بنهاية أغسطس    تزامنًا مع قرب فتح باب الترشح لانتخابات النواب.. 14 عضوًا ب«الشيوخ» يتقدمون باستقالاتهم    «غرقان في أحلامه» احذر هذه الصفات قبل الزواج من برج الحوت    بين شوارع المدن المغربية وهاشتاجات التواصل.. جيل زد يرفع صوته: الصحة والتعليم قبل المونديال    حب وكوميديا وحنين للماضي.. لماذا يُعتبر فيلم فيها إيه يعني مناسب لأفراد الأسرة؟    أسرة عبد الناصر ل"اليوم السابع": سنواصل نشر خطابات الزعيم لإظهار الحقائق    "الإصلاح والنهضة": صراع النواب أكثر شراسة.. ونسعى لزيادة المشاركة إلى 90%    بدء صرف جميع أدوية مرضى السكري لشهرين كاملين بمستشفيات الرعاية الصحية بالأقصر    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    ياسين منصور وعبدالحفيظ ونجل العامري وجوه جديدة.. الخطيب يكشف عن قائمته في انتخابات الأهلي    حمادة عبد البارى يعود لمنصب رئاسة الجهاز الإدارى لفريق يد الزمالك    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    الصحة بغزة: الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي أصبح خطيرا جدًا    رئيس مجلس النواب: ذكرى أكتوبر ملحمة خالدة وروحها تتجدد في معركة البناء والتنمية    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    "نرعاك فى مصر" تفوز بالجائزة البلاتينية للرعاية المتمركزة حول المريض    " تعليم الإسكندرية" تحقق فى مشاجرة بين أولياء أمور بمدرسة شوكت للغات    تموين القليوبية يضبط 10 أطنان سكر ومواد غذائية غير مطابقة ويحرر 12 محضرًا مخالفات    رئيس جامعة الأزهر يلتقي الوافدين الجدد    حقيقة انتشار فيروس HFMD في المدراس.. وزارة الصحة تكشف التفاصيل    إنقاذ حياة طفلين رضيعين ابتلعا لب وسودانى بمستشفى الأطفال التخصصى ببنها    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    الداخلية تكتب فصلًا جديدًا فى معركة حماية الوطن سقوط إمبراطوريات السموم بالقاهرة والجيزة والبحيرة والإسكندرية    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    الجريدة الرسمية تنشر قرارًا جديدًا للرئيس السيسي (التفاصيل)    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التصوف والطرق الصوفية والثورة الشعبية المصرية
نشر في شباب مصر يوم 09 - 08 - 2011

لعله يكون من المستحسن – منذ البداية – القول بأن الطرق الصوفية ليست التصوف ، وإن كان التصوف هو غايتها إلا أنها وإن إنتسبت إليه من حيث الغاية ، فإنها قد لا تمثله من حيث تعدد الوسائل والمناهج والطرق وما يشوبها من خلل أو معايب وانحرافات قد تضر بالتصوف من حيث حقيقته وأهدافه وغاياته العليا.
وهذا يحتاج منا لبحث آخر ليس هنا مجاله ، فتلك المقالة مخصصة لذلك الحراك الانفعالي الذى انتاب الشارع المصري – منذ ثورة الشعب المصري بكامل قواه فى 25من يناير 2011م بتياراته السياسية والثورية المختلفة والمتباينة ؛ بشكل حاد ، فكل واحد من هنا أو هناك يريد أن يمركز الثورة المصرية والإرادة الثورية الشعبية فى زاويته وأهدافه سواء كانت صحيحة أو فاسدة ، فالغرض فرعوني يريد إقصاء الآخر من طريقه ولو كان موسى عليه السلام ، فكان عاقبته أنه حطب جهنم.
لقد استمعت إلى الشيخ محمد الشهاوى شيخ الطريقة الشهاوية ورئيس المجلس الصوفي العالمي على قناة الجزيرة مصر مباشر مساء السبت 6 أغسطس 2011م ، استمعت إليه وأعجبت بصوته الهادئ ، ولكننى - تعجبت من منطقه الصارخ ، يقول : الدين إذا دخل السياسة أفسدها ، والسياسة إذا دخلت فى الدين أفسدته.
كيف غاب عن شيخ الطريقة أن الدين كالملح يصلح كل شيء ، فإذا فسد لا يصلحه شيء ، فالدين بمعناه الواسع هو دين الإسلام دين الأنبياء جميعا منذ آدم عليه السلام إلى الخاتم صلى الله عليه وسلم مرورا بأولوا العزم من الرسل نوح وإبراهيم وموسى والمسيح عيسى بن مريم عليهم جميعا الصلاة والسلام ؛ وهو ما شرعه الله تعالى لعباده من عقيدة التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد ، وما شرعه لهم من أحكام وقوانين تنظم لهم حياتهم وصلاحها دنيا وآخرة عدالة ومعاملات ومكارم أخلاق ، فكيف بمن هذه طبيعته يفسد السياسة إذا دخل فيها ؟!
كان من المنطقي أن الدين إذا دخل فى السياسة أصلحها وقوم أخطائها وعدل من اعوجاجها وقلل من جبروتها وغلوائها وتصدى لفرعنتها وطغيانها.
ولكن – الشيخ الشهاوي - فيما يبدو - لا يفرق بين فشل مشيخة الطرق الصوفية وأسباب ذلك الفساد الذى عم معظمها وبين الدين.
يقول أن فشل شيخ مشايخ الطرق الصوفية راجع إلى أنه رجل بنكي ، يعنى ممن يعملون فى مجال البنوك والمال.
وأنا لا أعرف علة لذلك الذى يعتقد الشيخ الشهاوى أنه سبب فشل شيخ مشايخ الطرق الصوفية ، فلعله تصور أن مخالطة الحياة والعمل فى الوظائف التجارية والبنكية يعارض طبيعة الزهد ، مع أنه كان يظهر فى البرنامج مرتديا زيه كاملا نظارة وكرافت وبدلة وقميص أساوره بارزة ، فقد يبدو لمن لا يعرف أن مظهره يعارض الزهد الذى يتسم به التصوف فى بعض مقاماته.
وأنا بالطبع لست فى معرض الدفاع عن هذا أو ذاك ، فلست إلا باحث فى مجال تخصصي الدقيق وهو التصوف ، فلا أدخل فى شخصنته ، فحبى للتصوف يحرجنى أن أدفع به فى بحور الخلاف والاختلاف بين الطرق المتعددة والمتابينة الصحيح منها والفاسد ، كما أنأى بنفسى عن الولوج فى مشاحنات الجماعات الإسلامية المختلفة والمتابينة الصحيح منها والسقيم ، فتلك الطرق جميعها وما يخالفها من فرق كلامية أو دعوية وعظية بشخوصها ورجالها من المتغير الذى لا أقف عنده كثيرا إلا مؤيدا لحق أو معارضا لباطل سندا لمصلحة ودرءا لمفسدة.
لقد نسي شيخ الطريقة وهو يعارض الشيخ القصبي أن الدين ليس هو الطرق الصوفية كما أن الطرق الصوفية ليست هى التصوف ، ولا كذلك التصوف هو الدين.
إن الدين أمر رباني له خصائص تعم الحياة الإنسانية كلها ، فهو دين فطري عام شامل كامل تام ، ناهيك بأنه دين محفوظ من التغير والتبدل ، فهو صالح فى الزمان والمكان ، ففيه جميع الحلول لجميع المشكلات ما عرف منها وظهر فى وقته وحينه ، وما لم يعرف منها وما سيظهر فى وقته وحينه ، فصلاح الكون والحياة منوط بدين الإسلام شريعة وحقيقة ظاهرا وباطنا فى الفكر والعقيدة والسلوك جميعا ، فلا يقدر على تسيير الحياة سوى خالق الكون والحياة ، فكان الإسلام هو الطريق الذهبي لتلك الغاية العليا دنيا وأخرى ، وكان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين الهادى لهذا الطريق مبشرا ونذيرا وسراجا منيرا ؛ أرسله ربه سبحانه وتعالى للناس كافة بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله خاتما ومعلما ؛ رحمة للعالمين ؛ بعثه ره سبحانه وتعالى ليتمم مكارم الأخلاق ، فأتمها ، فكان هو لا غيره الأسوة الحسنة فى الزمان والمكان ، فمن تمسك به نجى ومن عانده أو عاداه ضل وغوى.
ومن هنا قال شيخ الطائفة الجنيد أن الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من أقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقال أيضا كما جاء فى الرسالة القشيرية : من لم يحفظ القرآن ، ولم يكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا مقيَّد بالكتاب والسنَّة.
وهذا يعنى أن الطرق الصوفية وإن استقامت على أسس الدين الحنيف ومنهاج النبوة الخاتمة ؛ ومهما صلحت لا تقوم مقام التصوف ، ولا التصوف يقوم مقام الدين ، فليس الدين طريقة صوفية ولا مشيخة سلفية أو مدرسة إخوانية ، أو حوزة شيعية ، أو فرقة من الفرق الكلامية مهما صحت كل تلك الفرق والطرق ، فهى لا تمثل إلى صورة أصحابها وطريقتهم فى فهمهم للدين ، فلا حرج فى ذلك مادام الجميع يزعم أنه يستند فى فهمه لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يجنح إلى حدي الطريق ، فالإسلام دين الوسطية ، فلا إفراط فيه ولا تفريط.
هذا ، ولكن - الأعجب فى ذلك الحراك الإنفعالي فى الشارع المصري أن الشيخ عبد الخالق الشبراوى جعل من نفسه منظرا للأحزاب اللبرالية ، فهو يؤسس للتيارات اللبرالية المصرية ويقعدها على أساس من القرآن الكريم ، فيزعم أن القرآن لبرالي ، فلا يقف عند ذلك بل يقدم الدلائل والشواهد من القرآن الكريم ، فيأتى بقوله تعالى " لا إكراه فى الدين " وأيضا بقوله سبحانه وتعالى " لكم دينكم ولي دين " ، ويقول أن القرآن يدعو للحرية.
بقد فهم أن اللبرالية الحزبية واللبرالية السياسية تعنى الحرية فى الاعتقاد ، وأنا لا أعرف إن كان الشيخ وجدى غنيم سمعه أم لا ؟
وعموما يبدو أنه لا يفرق بين حرية الاعتقاد والحرية السياسية والحريات الأخرى ، فلعله لا يعرف أن من اللبرالية اتجاهات إلحادية منكرة كافرة.
لا شك أنه وغيره من مشايخ الطرق الصوفية ونحن نعرف الكثيرين منهم - بحكم وظيفتنا البحثية - ؛ فمعظمهم لا يعرف الفرق بين اللبرالية والملوخية على قول الشيخ وجدى غنيم لا هم ولا الجماعات السلفية ، فهم يجهلون الفروق بين الأنظمة اللبرالية والنظريات السياسية والحزبية ، فاللبرالية كما التيارات اليسارية ليست نوعا واحدا لا فى النظرية ولا فى التطبيق ، وإن اجتمع الجميع فى الغاية من الحياة السياسية ، فقد يحصرونها جميعا فى الحرية السياسية والتعددية الحزبية ، فيتوافقون على ذلك وبينهم ما بينهم من خلافات لا تخفى على حزبي محنك من هنا أو هناك ، وربما تسامح اليساريون فوافقوا مرحليا على الحرية الاقتصادية بشرط توفر المبادئ الدستورية والقوانين التى ترسى قواعد العدالة الاجتماعية مثلا، فيتوافقوا على ذلك ، وبينهم من الفروق مطارق الحداد.
إن الشيخ عبد الخالق الشبراوى يجهل - بلا شك – حقيقة التيارات اللبرالية المختلفة وأنها ليست نوعا واحدا ، وإلا ما كان يفاضل بينها وبين التيارات الإسلامية ، فيعاديها من أجلها .
وإلا فليخبرنى من فهم كلامه ومداخلته كيف له أن يعارض التيارات الإسلامية المصرية كلها سلفية وإخوانية وغير ذلك فى سبيل تحالفه مع التيارت اللبرالية الحزبية والتلفزيونية الكلامية ؟!
وكان عدد من الطرق الصوفية منها العزمية والرفاعية والسعدية الى جانب بعض القوى الوطنية مثل ائتلاف شباب الثورة وحركة 6ابريل واتحاد شباب ماسبيرو والجمعية الوطنية للتغيير وحزب التحرير المصري والغد ، قد اجتمعوا الخميس الماضى بمقر المشيخة العزمية واتفقوا على النزول يوم الجمعة المقبل بميدان التحرير للتأكيد على مدنية الدولة والرد على جمعة لم الشمل التى رفع خلالها السلفيون شعارات دينية. ( جريدة المصريون 7أغسطس2011م )
ليخبرنى شيخ الطريقة عن سر تحالفة ضد التيارات الإسلامية وشروطة العجيبة .
إن حجته فى ذلك لعجيبة ، فهو يعادى كل التيارات الإسلامية لأنها كما يظن ترتبط بالسعودية.
يعنى بصراحة – وأقول ذلك عن خبرة شخصية ومعايشة لكثير منهم – حجته فى معارضته ومعاداته للتيارات الإسلامية وتحالفه مع اللبرالية ، مع أن فيهم ملحدين – عرف أو لم يعرف - لأنها ترتبط كما يظن هو وغيره من مشايخ ومريدى الطرق الصوفية بعامة بالوهابية المنسوبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، فهى تهاجم الأضرحة والتمسح بالأولياء وقبورهم ، فتدعو إلى صحيح الدين وتحمى حياض التوحيد من كل شوائب وشبهات الشرك والوثنية مهما كان أصحابها يدعون التمسك بالكتاب والسنة ، فعليهم أن يخففوا من غلوائهم فى مشايخهم وصالحيهم.
ولا شك أن ذلك النصح – لكل من يحب الناصحين – فلا يخص أحدا دون آخر ، فهو يوجه أيضا للجماعات الإسلامية كما يوجه للطرق الصوفية ، بل أيضا على الشيعة أن يلتزموا حوزاتهم ، فلا يصدروا طرقهم وحياتهم الخاصة لغيرهم.
( وعلى الله قصد السبيل )
*****
التصوف 00 والطرق الصوفية 00 والثورة الشعبية المصرية !
دكتور / عبد العزيز أبو مندور
[email protected]
000
لعله يكون من المستحسن – منذ البداية – القول بأن الطرق الصوفية ليست التصوف ، وإن كان التصوف هو غايتها إلا أنها وإن إنتسبت إليه من حيث الغاية ، فإنها قد لا تمثله من حيث تعدد الوسائل والمناهج والطرق وما يشوبها من خلل أو معايب وانحرافات قد تضر بالتصوف من حيث حقيقته وأهدافه وغاياته العليا.
وهذا يحتاج منا لبحث آخر ليس هنا مجاله ، فتلك المقالة مخصصة لذلك الحراك الانفعالي الذى انتاب الشارع المصري – منذ ثورة الشعب المصري بكامل قواه فى 25من يناير 2011م بتياراته السياسية والثورية المختلفة والمتباينة ؛ بشكل حاد ، فكل واحد من هنا أو هناك يريد أن يمركز الثورة المصرية والإرادة الثورية الشعبية فى زاويته وأهدافه سواء كانت صحيحة أو فاسدة ، فالغرض فرعوني يريد إقصاء الآخر من طريقه ولو كان موسى عليه السلام ، فكان عاقبته أنه حطب جهنم.
لقد استمعت إلى الشيخ محمد الشهاوى شيخ الطريقة الشهاوية ورئيس المجلس الصوفي العالمي على قناة الجزيرة مصر مباشر مساء السبت 6 أغسطس 2011م ، استمعت إليه وأعجبت بصوته الهادئ ، ولكننى - تعجبت من منطقه الصارخ ، يقول : الدين إذا دخل السياسة أفسدها ، والسياسة إذا دخلت فى الدين أفسدته.
كيف غاب عن شيخ الطريقة أن الدين كالملح يصلح كل شيء ، فإذا فسد لا يصلحه شيء ، فالدين بمعناه الواسع هو دين الإسلام دين الأنبياء جميعا منذ آدم عليه السلام إلى الخاتم صلى الله عليه وسلم مرورا بأولوا العزم من الرسل نوح وإبراهيم وموسى والمسيح عيسى بن مريم عليهم جميعا الصلاة والسلام ؛ وهو ما شرعه الله تعالى لعباده من عقيدة التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد ، وما شرعه لهم من أحكام وقوانين تنظم لهم حياتهم وصلاحها دنيا وآخرة عدالة ومعاملات ومكارم أخلاق ، فكيف بمن هذه طبيعته يفسد السياسة إذا دخل فيها ؟!
كان من المنطقي أن الدين إذا دخل فى السياسة أصلحها وقوم أخطائها وعدل من اعوجاجها وقلل من جبروتها وغلوائها وتصدى لفرعنتها وطغيانها.
ولكن – الشيخ الشهاوي - فيما يبدو - لا يفرق بين فشل مشيخة الطرق الصوفية وأسباب ذلك الفساد الذى عم معظمها وبين الدين.
يقول أن فشل شيخ مشايخ الطرق الصوفية راجع إلى أنه رجل بنكي ، يعنى ممن يعملون فى مجال البنوك والمال.
وأنا لا أعرف علة لذلك الذى يعتقد الشيخ الشهاوى أنه سبب فشل شيخ مشايخ الطرق الصوفية ، فلعله تصور أن مخالطة الحياة والعمل فى الوظائف التجارية والبنكية يعارض طبيعة الزهد ، مع أنه كان يظهر فى البرنامج مرتديا زيه كاملا نظارة وكرافت وبدلة وقميص أساوره بارزة ، فقد يبدو لمن لا يعرف أن مظهره يعارض الزهد الذى يتسم به التصوف فى بعض مقاماته.
وأنا بالطبع لست فى معرض الدفاع عن هذا أو ذاك ، فلست إلا باحث فى مجال تخصصي الدقيق وهو التصوف ، فلا أدخل فى شخصنته ، فحبى للتصوف يحرجنى أن أدفع به فى بحور الخلاف والاختلاف بين الطرق المتعددة والمتابينة الصحيح منها والفاسد ، كما أنأى بنفسى عن الولوج فى مشاحنات الجماعات الإسلامية المختلفة والمتابينة الصحيح منها والسقيم ، فتلك الطرق جميعها وما يخالفها من فرق كلامية أو دعوية وعظية بشخوصها ورجالها من المتغير الذى لا أقف عنده كثيرا إلا مؤيدا لحق أو معارضا لباطل سندا لمصلحة ودرءا لمفسدة.
لقد نسي شيخ الطريقة وهو يعارض الشيخ القصبي أن الدين ليس هو الطرق الصوفية كما أن الطرق الصوفية ليست هى التصوف ، ولا كذلك التصوف هو الدين.
إن الدين أمر رباني له خصائص تعم الحياة الإنسانية كلها ، فهو دين فطري عام شامل كامل تام ، ناهيك بأنه دين محفوظ من التغير والتبدل ، فهو صالح فى الزمان والمكان ، ففيه جميع الحلول لجميع المشكلات ما عرف منها وظهر فى وقته وحينه ، وما لم يعرف منها وما سيظهر فى وقته وحينه ، فصلاح الكون والحياة منوط بدين الإسلام شريعة وحقيقة ظاهرا وباطنا فى الفكر والعقيدة والسلوك جميعا ، فلا يقدر على تسيير الحياة سوى خالق الكون والحياة ، فكان الإسلام هو الطريق الذهبي لتلك الغاية العليا دنيا وأخرى ، وكان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين الهادى لهذا الطريق مبشرا ونذيرا وسراجا منيرا ؛ أرسله ربه سبحانه وتعالى للناس كافة بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله خاتما ومعلما ؛ رحمة للعالمين ؛ بعثه ره سبحانه وتعالى ليتمم مكارم الأخلاق ، فأتمها ، فكان هو لا غيره الأسوة الحسنة فى الزمان والمكان ، فمن تمسك به نجى ومن عانده أو عاداه ضل وغوى.
ومن هنا قال شيخ الطائفة الجنيد أن الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من أقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقال أيضا كما جاء فى الرسالة القشيرية : من لم يحفظ القرآن ، ولم يكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا مقيَّد بالكتاب والسنَّة.
وهذا يعنى أن الطرق الصوفية وإن استقامت على أسس الدين الحنيف ومنهاج النبوة الخاتمة ؛ ومهما صلحت لا تقوم مقام التصوف ، ولا التصوف يقوم مقام الدين ، فليس الدين طريقة صوفية ولا مشيخة سلفية أو مدرسة إخوانية ، أو حوزة شيعية ، أو فرقة من الفرق الكلامية مهما صحت كل تلك الفرق والطرق ، فهى لا تمثل إلى صورة أصحابها وطريقتهم فى فهمهم للدين ، فلا حرج فى ذلك مادام الجميع يزعم أنه يستند فى فهمه لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يجنح إلى حدي الطريق ، فالإسلام دين الوسطية ، فلا إفراط فيه ولا تفريط.
هذا ، ولكن - الأعجب فى ذلك الحراك الإنفعالي فى الشارع المصري أن الشيخ عبد الخالق الشبراوى جعل من نفسه منظرا للأحزاب اللبرالية ، فهو يؤسس للتيارات اللبرالية المصرية ويقعدها على أساس من القرآن الكريم ، فيزعم أن القرآن لبرالي ، فلا يقف عند ذلك بل يقدم الدلائل والشواهد من القرآن الكريم ، فيأتى بقوله تعالى " لا إكراه فى الدين " وأيضا بقوله سبحانه وتعالى " لكم دينكم ولي دين " ، ويقول أن القرآن يدعو للحرية.
بقد فهم أن اللبرالية الحزبية واللبرالية السياسية تعنى الحرية فى الاعتقاد ، وأنا لا أعرف إن كان الشيخ وجدى غنيم سمعه أم لا ؟
وعموما يبدو أنه لا يفرق بين حرية الاعتقاد والحرية السياسية والحريات الأخرى ، فلعله لا يعرف أن من اللبرالية اتجاهات إلحادية منكرة كافرة.
لا شك أنه وغيره من مشايخ الطرق الصوفية ونحن نعرف الكثيرين منهم - بحكم وظيفتنا البحثية - ؛ فمعظمهم لا يعرف الفرق بين اللبرالية والملوخية على قول الشيخ وجدى غنيم لا هم ولا الجماعات السلفية ، فهم يجهلون الفروق بين الأنظمة اللبرالية والنظريات السياسية والحزبية ، فاللبرالية كما التيارات اليسارية ليست نوعا واحدا لا فى النظرية ولا فى التطبيق ، وإن اجتمع الجميع فى الغاية من الحياة السياسية ، فقد يحصرونها جميعا فى الحرية السياسية والتعددية الحزبية ، فيتوافقون على ذلك وبينهم ما بينهم من خلافات لا تخفى على حزبي محنك من هنا أو هناك ، وربما تسامح اليساريون فوافقوا مرحليا على الحرية الاقتصادية بشرط توفر المبادئ الدستورية والقوانين التى ترسى قواعد العدالة الاجتماعية مثلا، فيتوافقوا على ذلك ، وبينهم من الفروق مطارق الحداد.
إن الشيخ عبد الخالق الشبراوى يجهل - بلا شك – حقيقة التيارات اللبرالية المختلفة وأنها ليست نوعا واحدا ، وإلا ما كان يفاضل بينها وبين التيارات الإسلامية ، فيعاديها من أجلها .
وإلا فليخبرنى من فهم كلامه ومداخلته كيف له أن يعارض التيارات الإسلامية المصرية كلها سلفية وإخوانية وغير ذلك فى سبيل تحالفه مع التيارت اللبرالية الحزبية والتلفزيونية الكلامية ؟!
وكان عدد من الطرق الصوفية منها العزمية والرفاعية والسعدية الى جانب بعض القوى الوطنية مثل ائتلاف شباب الثورة وحركة 6ابريل واتحاد شباب ماسبيرو والجمعية الوطنية للتغيير وحزب التحرير المصري والغد ، قد اجتمعوا الخميس الماضى بمقر المشيخة العزمية واتفقوا على النزول يوم الجمعة المقبل بميدان التحرير للتأكيد على مدنية الدولة والرد على جمعة لم الشمل التى رفع خلالها السلفيون شعارات دينية. ( جريدة المصريون 7أغسطس2011م )
ليخبرنى شيخ الطريقة عن سر تحالفة ضد التيارات الإسلامية وشروطة العجيبة .
إن حجته فى ذلك لعجيبة ، فهو يعادى كل التيارات الإسلامية لأنها كما يظن ترتبط بالسعودية.
يعنى بصراحة – وأقول ذلك عن خبرة شخصية ومعايشة لكثير منهم – حجته فى معارضته ومعاداته للتيارات الإسلامية وتحالفه مع اللبرالية ، مع أن فيهم ملحدين – عرف أو لم يعرف - لأنها ترتبط كما يظن هو وغيره من مشايخ ومريدى الطرق الصوفية بعامة بالوهابية المنسوبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، فهى تهاجم الأضرحة والتمسح بالأولياء وقبورهم ، فتدعو إلى صحيح الدين وتحمى حياض التوحيد من كل شوائب وشبهات الشرك والوثنية مهما كان أصحابها يدعون التمسك بالكتاب والسنة ، فعليهم أن يخففوا من غلوائهم فى مشايخهم وصالحيهم.
ولا شك أن ذلك النصح – لكل من يحب الناصحين – فلا يخص أحدا دون آخر ، فهو يوجه أيضا للجماعات الإسلامية كما يوجه للطرق الصوفية ، بل أيضا على الشيعة أن يلتزموا حوزاتهم ، فلا يصدروا طرقهم وحياتهم الخاصة لغيرهم.
( وعلى الله قصد السبيل )
*****


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.