تنفس الشعب المصري هواء الحرية الذي سدت أمامه النوافذ منذ ستين عامًا. عاش خلالها مغمض العينين محدد الإقامة في غرف معتمة لا يسمح له أن يري إلا ما يراه الحاكم.. ولا رأي له فيما يُقضي به عليه من ذوي السلطة القاهرة..وحين سمحت له حركة التغيير الشبابية المباركة أن ينفتح علي آفاق الحرية لم تستوعب قلة لا تمثل قيم المجتمع المصري الأصيل ضوابط تلك الحرية. فانطلقت تمارس الثأر من جلاديها بطريقة عشوائية فوضوية لا تمت بسبب إلي حضارة الإسلام الراقية.. 1- فرأينا مظاهر التخريب في أقسام الشرطة وفي مرافق الدولة مع أنها ملك الشعب وليست ملك من يثأر منه. كما رأينا من يخرج متأبطا أدوات القمع من سيوف وخناجر وعصي يشيع بها الرعب والفزع بين أهله وإخوانه في الوطن. متصورا أن تلك الطريقة الهمجية هي التي ستحقق له مطلبه مستشهدا بأنه بثورته الأخيرة قد أسقط النظام والقانون وانفتح الطريق لاسترداد حقه المسلوب غير عابئ بما يجره هذا الانفلات من عواقب. وهو في كل ذلك لا يري إلا مصلحته الشخصية معتقدا أنه علي الحق في كل ما يطلبه لنفسه. ولو كان غير ذلك في الحقيقة والواقع. إنه يهتبل الفرصة المواتية قبل أن تفلت من يده حين يسود النظام والقانون.. وقد أدي ذلك في كثير من المواقف أن تعطل سير العمل وضاعت هيبة الكبار في السن والعلم أمام أطماع الصغار.. وأصبح كل مسئول في أي موقع متهما بأنه متواطئ مع النظام السابق في سلب حقوق الشعب ولو كان ممن أضيروا واضطهدوا في هذا العهد. وليس هذا من العدل في شيء. 2- ترتب علي هذا التصرف من تلك القلة المنفلتة أن فقد الشارع أمنه. وانضم إلي هذه القلة حسنة النية من تمرس بالإجرام واللصوصية. فساد القلق في صدر الآباء علي أبنائهم وأصحاب البيوت علي بيوتهم. وصار الموظف مشغولا عن عمله بالاطمئنان علي بيته. وتعطلت مصالح الدولة ومصالح المواطنين. وأغلقت المصارف والمصانع والمدارس والجامعات مما له تأثير كبير في نهضة الأمة التي ما رفعت صوتها إلا من أجل الوصول إليها.. 3- أسهم في إثارة القلق علي مستقبل الحركة واحتمال اغتيالها من سدنة النظام السابق بطء التحقيقات مع القتلة واللصوص. مع وضوح مواقفهم لدي العامة والخاصة ومع توافر الأدلة الموثقة. ومع ما ينشر ويذاع في كل وسائل الإعلام من تهم صارخة وأرقام مفزعة وأرصدة خيالية في داخل مصر وخارجها بالأرقام والمستندات. ومن شأن ذلك أن يضاعف الإحساس بالظلم والاندفاع نحو الانتقام. والإعراض عن العمل الذي يكسب منه المواطن الشريف رزقه الحلال ترقبا لما سيناله من تلك الغنائم المنتظرة. 4- شيوع الهواجس حول إجهاض الثورة بتخطيط من كانوا عونا لهذا النظام حيث مازال سدنته بعيدين عن المساءلة القانونية. ومازالوا يخفون الأدلة التي تدينهم. حتي إذا جاء موعد التحقيق لم يجد القضاء بغيته. والأسماء التي تباشر هذا معروفة للجميع. ومنهم من استمر في التزييف والسلطة أكثر من أربعين عاما. وأصابع الاتهام تشير إليه أنه كان وراء معركة الجمال والخيول. ويغذي هذا الإحساس إشاعات عن أسرة رأس النظام وعلاقاتها ببعض المسئولين الحاليين. وتحوم الشبهات حول التهريب المستمر عن طريق المصرف العربي الدولي الذي لا إشراف عليه من قبل البنك المركزي المصري. خاصة أن المسئول عنه كان أحد رؤساء الوزارات المتهم بتبديد ثروة مصر وبيعها بأبخس الأثمان. 5- كثرة الحديث عن الدولة المدنية الحديثة التي تفصل الدين عن الحياة والتي أطلقها رأس النظام البائد أخيرا كما في دول الغرب. وهي مناقضة لمبادئ الإسلام وتشريعاته. ذلك أن سدنة التغريب في بلادنا يلوكون بألسنتهم في وسائل الإعلام التخوف من الدولة الدينية. ويخلطون الأوراق بين الديانة المسيحية والإسلامية بالرغم من أن الفارق جوهري. فالحكومات الإسلامية علي مدي التاريخ لا علاقة لها بما درسه هؤلاء المستغربون عن الحق الإلهي والدولة الثيوقراطية. فالحكومة الإسلامية حكومة مدنية يختارها الشعب بكل حرية لتنفيذ أهدافه وطموحاته. 6- يؤكد هذا التخوف ما أذاعه سدنة اليسار والفتنة الطائفية من ضرورة حذف المادة الثانية من الدستور وهي الخاصة بهوية الدولة ودينها ومرجعيتها. ولأن مظاهر التدين قد بدت في تصرفات وسلوكيات الشباب الثائر في ميدان التحرير. نري هؤلاء اليساريين يدعون إلي تأجيل الانتخابات والاستفتاء علي الدستور حتي تهدأ الأمور بفعل الإعلام الموجه نحو إثارة الشهوات باستخدام العري والرقص وإذاعة الأفلام الهابطة خلقيا التي كانت وسيلة النظام السابق في إلهاء الشعب عن حقوقه وأهدافه. والدليل علي ذلك ما يتحايلون به علي المستمع والمشاهد حين يتعرضون لمنجزات بعض المخرجين: الإماراتي واللبناني والمصري ويعرضون لقطات من أفلامهم الفاضحة. بعد أن تصورنا أن القنوات المصرية قد تغيرت وأصبحت مهتمة بمستقبل الشعب في حوارات بناءة مع رموز سابقة رفضت الخنوع لبطش الحاشية وإغراءات المال والسلطة. إن هذه المحاولات اليائسة- في نظرتنا البشرية المستلهمة حقائق التاريخ- لن تنال من النهضة المنشودة إذا تسلحنا بالصمود والصبر. وبذلنا الجهد الأقصي في التوعية بالقيم الحضارية الأصيلة لديننا الحنيف وإذا اعتصمنا بحبل الله واسترشدنا بسيرة رسول الله صلي الله عليه وسلم وآمنا بأن من كان الله معه فلن يغلب "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" "الأنفال: 30". والإسلام قادم بإذن الله يقود النهضة ويكشف الغمة ويقدم للبشرية حسن الأسوة. "إِنَّهُ لَقَوْلى فَصْلى وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً" "الطارق: 13-17".