تلفت الأنظار كثرة الطلبات التي يقدمها كثير من الأفراد مرشحين أنفسهم لتولي المسئولية الأولي في الدولة وهذه ليست علامة صحة اجتماعية وإنما هي تشير إلي تطلعات ليست مناسبة لكفاءات المتقدمين لها. فالمعروف أن المسئولية الأولي في الدولة تحتاج إلي ثقافة دينية واجتماعية وسلوكية وسياسية. لأن هذه المسئولية تعلق في عنق صاحبها مسئولية عن كل فرد في الدولة. إذ لابد أن يشعر المسئول الأول بحاجة كل الأفراد إلي سلامة دينهم ودنياهم. والسلامة في الدين يجمعها القول المأثور عن الحضرة النبوية "كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته" والمسئولية الأولي في الدولة تتطلب من صاحبها أن يكون واعياً لدقائق الأمور وتفاصيلها. ولا يغني عن مسئوليته أن يولي في كل موقع مسئولاً ذا كفاية وفهم للأمور. وما أبدع قول الحاكم في المدينةالمنورة: لو عثرت دابة في العراق لسألني الله عنها: لماذا لم أعبد لها الطريق" والمسافة الشاسعة بين المدينةالمنورة والعراق لا تخلي المسئول الأول عن رعاية الأطراف في الدولة حتي أنه يعتبر مسئولاً عن الدابة التي تعثر قدمها علي الطرق النائية في الدولة. وهذا يؤكد شمول المسئولية ودقتها. ولا يمنع من الإحساس بها ولاية أفراد في هذه المواقع البعيدة لأن المسئول الأول مكلف باختيار الاكفاء لمناصبهم وذوي الخبرة في الأعمال المختلفة حتي تعبيد الطرق النائية الضيق منها والفسيح. إن الذين يتقدمون لترشيح أنفسهم لتولي المسئولية الأولي في الدولة يجب أن يكونوا أصحاب ثقافة دينية عالية تشمل الإحساس بالمسئولية وضرورة إدراك ما يحتاجه كل مرفق من مرافق الدولة إلي الرعاية والمتابعة وصولاً إلي الإعداد الجيد الذي يريح الناس ولا يكلفهم من أمرهم عسراً. وأظن أن الذين تقدموا ويتقدمون لشغل المسئولية الأولي في الدولة لا يدركون تبعات هذه المسئولية وتحملهم لها علي نحو جيد. الأمر الذي يدعو إلي الإخلاص في الحكم من الشخص الذي يرشح نفسه لتولي المسئولية. والتاريخ يحفظ لنا مقولة رسول الله صلي الله عليه وسلم لأبي ذر حين طلب الولاية: "إنك ضعيف وإنها أمانة وهي يوم القيامة خزي وندامة إلا من أداها بحقها" أو هكذا قال رسول الله. فالذين يرشحون أنفسهم لتولي المسئولية الأولي في الدولة يجب أن يدركوا معني الأمانة العام ومسئوليات هذه الأمانة. وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بقول الله تعالي في سورة الأحزاب "إنا عرضنا الأمانة علي السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً" وهذا يعني أن المسئولية عبء ثقيل تنوءبه عواق الأقوياء الأشداء لأنها تعني الفهم الكامل لشريعة الله التي يجب تطبيقها في المجتمعات الإسلامية حتي يجد كل فرد فيها حاجته إلي ضرورات حياته. وهذا ما ينبغي أن يدركه كل فرد يحمل أوراق ترشيحه ويقدمها لتحمل المسئولية الأولي في الدولة.