هالني هذا العدد الكبير الذي رشح أفراده أنفسهم للمسئولية الأولي في الدولة. وهذا الرقم الكبير إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن المعرفة لمسئوليات القيادة الأولي يشوبها النقص. لأن هذه المسئولية يجب أن يرشح لتوليها أصحاب الكفاءات العالية الذين يحذرون حساب ربهم يوم القيامة عند سؤالهم عما فعلوه في حياتهم الدنيا. والمسئولية الأولي في الدولة تعني أن يتولاها مسئول عن حقوق كل فرد في الأمة وهي حقوق كثيرة تبدأ باختيار الاسم الحسن وتستمر في حسن السلوك حتي يلقي الإنسان ربه فيكون الحساب الدقيق الذي لا مفر منه إلا برحمة الله ورضوانه والرحمة صفة من صفات الإسلام ويشتق من هذه الصفة اسم من اسماء الله الحسني وهو الرحمن. ومن هذا الاسم العظيم تشتق صفة من الصفات العالية وهي الرحمة والرحمة جماع الفضائل كلها فهي صفة من صفات الامهات بأبنائهن وبناتهن. وهي صفة من صفات الانوثة حتي في الحيوان فالدابة ترفع قدمها عن وليدها برحمة الله حتي يشب معافي خاليا من السوءات البدنية. وهذه الصفة يجب أن يطبقها كل إنسان علي نفسه وبخاصة عند تولي موقع رفيع في المسئولية العامة. وإني لأذكر مثالاً ضربه عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث قال: "لو عثرت دابة في العراق لسألني الله عنها: لماذا لم أعبد لها الطريق" وهذا تعبير عن دقة الشعور بالمسئولية وأنها تمتد من موقع المسئول الأول إلي كل الاطراف النائية في الدولة وهذا هو ما يجب أن يفهمه كل فرد يرشح نفسه للمسئولية الأولي في الدولة فهي موطن حساب كبير عند الله يوم القيامة وهو يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم وسلامة القلب تعني سلامة سلوك جميع جوارح الإنسان حتي النظرة العابرة يسأل الإنسان عنها يوم القيامة إذا تبعتها نظرة آثمة. وإذا كانت النظرة هي موضع الحساب والعقاب فما بالنا بأعمال بقية الجوارح حتي البطش باليد. وهذا هو ما يجب أن يعيه كل فرد يتقدم أملاً في تولي المسئولية الأولي. وإذا كنا في زمن تشكل فيه الاحزاب السياسية وكل حزب يعمل علي أن يقدم أفضل من عنده ليتولي المسئولية الأولي في الدولة فإنه يجب أن تكون هذه الاحزاب مناخاً للتربية السلوكية التي تبدأ بالصاحب علي الطريق وترتفع حتي قمة المسئولية في الأمة. وإذا فعلنا ذلك فإنما نقدم لأمتنا من يصلح شئونها ومن يحاسب نفسه علي تصرفاته قبل أن يحاسب الآخرين علي تصرفاتهم فإذا أخذنا بحساب النفس سلمت لنا الحسابات التي تليها والتي تتمثل في معاملة الناس بعضهم لبعض. ولقد صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما وضع معاملة الناس بعضهم لبعض هي القاعدة الراسخة والثابتة في الدين وذلك عندما قال "الدين المعاملة".