أثارت قضية التجميل التي أجراها أنور البلكيمي.. النائب السلفي بمجلس الشعب في أنفه وما لحق بها من تداعيات أدت الي فصله من حزب النور وقد تؤدي الي عزله من مجلس الشعب.. حيث يري البعض أنها عمليات التجميل مباحة في حين يحرمها آخرون.. وما بين هؤلاء وهؤلاء احتار الرأي العام عن المتاح والمحظور في عمليات التجميل "الرجالي والحريمي" وهل هناك فروق هذه العمليات في الجنسين أم أن أحكامها الشرعية واحدة. يوضح خبراء التجميل أن غالبية العمليات تتركز في زراعة الشعر مروراً بنفخ الثدي أو تصغيره ونفخ الشفاه وهي أكثر عمليات التجميل رواجاً والسبب الرئيسي في هذه الأقتحام هو رغبة الشباب في الحصول علي وظيفة وان يظهر بصورة جميلة وهي رغبة المرأة أيضاً أو رغبة الجميع في التجميل للزواج وجاء رخص تكاليف الجراحات سبب في شيوعها أو التي تبدأ من ألفي جنيه لتجميل الأنف الي عشرة آلاف لتصغير الكرش. جراحات التجميل ليست دائماً جميلة فهي سلاح ذو حدين اكتوت بنارها بعض الفنانات فقد تقدمت الفنانة ميسرة بدعوي قضائية ضد أحد مراكز التجميل في مصر اتهمت فيها أحد الأطباء بأنه تسبب في تشويه أنفها. إذ أحدث لها اعوجاجاً بالأنف نتج عنه ضيق في التنفس. قالت ميسرة أنها لجأت لعملية تجميل أنفها بعدما شعرت بوجود شئ زائد بها. مشيراً الي ان الطبيب أكد لها ان العملية بسيطة إلا أنها فوجئت بعد العميلة بتورم شديد في الأنف وأصبحت تعاني من صعوبة التنفس وعادت مرة أخري الي الطبيب الذي نفي أنه أجراها من الأساس. وكانت الفنانة صفية العمري سيئة الحظ حيث تغير شكل وجهها بعد اجراء جراحة تجميل لرفع الجفون كان لابد من استخدام "بوتوكس" وهو نوع سمي مخفف إذا استخدم بجرعات عالية يحدث نتائج عكسية ونتج عنه سقوط في الجفن أظهرها في عمر أكبر من عمرها الحقيقي بسبب اضعاف العقار لعضلة الجفن. وما حدث مع الفنانة صفية العمري حدث حرفياً مع الفنانة إلهام شاهين ولكن في منطقة أخري من الوجه فقد خضعت لاجراء عملية تجميلية في الشفة العليا وبسبب جرعة زائدة من عقار البوتوكس حدثت نتيجة عكسية وبدلاً من تكبير حجم الشفة تهدلت وأصبحت بالصورة التي نراها عليها الآن. الشو الإعلامي يرجع الدكتور محمد أنور محروس - رئيس قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة حلوان- كثرة جراحات التجميل بين النساء واقتحام الرجال لها وخاصة الشباب مؤخراً لها إلا أن الفترة الماضية كانت تعتمد علي الانبهار الاستهلاكي والمركز الاجتماعي والشو الإعلامي والحقيقة ان في هذه الفترة "الناس نزعت برقع الحياء والشاطر اللي يغلب" وأصبحت جراحات التجميل ضرورة اجتماعية من أجل التكيف مع الواقع والاحساس بالذات كذلك كثرة عدد النساء مقابل الرجال وتأخر سن الزواج وارتفاع معدلات العنوسة وتزايد حالات الطلاق جعلت المرأة تفعل ما بوسعها للزواج أو للحفاظ علي الزوج ويسعي الرجال لاجراء التجميل رغبة في التكيف مع الحياة بحيث لا يكون مجال شفقة أو تأفف من الآخرين. ويضيف: ان الفترة المقبلة سوف تشهد تغيراً في الظروف الاجتماعية وسوف تكون هذه التحركات علي استحياء وسوف تركز علي مكونات الشخصية والعقيدة الدينية والانتماء والولاء حتي ولو ظاهرياً لأن الشكل يسهل التحكم فيه أما رسوخ في العقيدة الانسان يحتاج فترة طويلة حتي تتبلور داخله. التقليد للمشاهير وتري الدكتورة عزة كريم.. الخبير الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن من حق كل إنسان ان يمارس حريته في مظهره طالما لا يضر بالآخرين وطالما تهدف الجراحة الي تعديل العيوب التي تحدث نوعا من التوازن النفسي والرضا والتفاؤل والثقة بالنفس والتناسق فمثلاً كانت صباغة الشعر للرجال تتعارض مع العادات والتقاليد ثم فوجئنا بالرئيس والحكومة يقومون بصباغة شعرهم فالمسألة تأخذ بعض الوقت لكي يتقبلها المجمتع. وتشير الدكتور عزة إلي أن التعنت والتزمت في الدين بلا داعي يجعل الانسان يخطئ ويفعل الأشياء في الخفاء علماً بأن الدين يدعو للعلانية طالما لا يوجد ما يسئ للشرع والمجتمع والانسان نفسه. أزمة نفسية ويؤكد دكتور سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس ان من يلجأ لجراحات التجميل يشعر بداخله بالعوز النفسي ويستقبح ملامحه فيحاول ان يضفي علي نفسه ملامح براقة فيخلع علي نفسه جمالاً مصطنعاً لا يمثل قيمة ولا يعطي جاذبية حقيقية لأن كل من يراه يعرف انه جمال صناعي وليس جمالا طبيعيا لذلك لايزال الفرد يشعر بنقص معين بعد اجراء الجراحة لأنهم يتنذرون بما أصبح عليه وهو ما يحدث نوع من الصراع النفسي داخل هذه الشخصية. أما الشخصية التي تعرضت لحادث فيكون التجميل علاجي ليغير صاحبه من تشوه ملامحه نتيجة الحادث. ضوابط شرعية عن الضوابط الشرعية لعمليات التجميل يقول الدكتور سعد الدين هلالي - أستاذ الفقه بجامعة الأزهر-: إن جراحات التجميل تتفاوت بتفاوت المقصود منها فإذا كان في جراحة التجميل ما ينقص قيمة الإنسان ويغير من هيئته أو شكله السوي فهو بالتأكيد عبث بخلق الله سبحانه وتعالي وقد أمر الإنسان ان يحفظ علي نفسه هيئته الانسانية لقوله تعالي "ولقد كرمنا بني آدم" وقوله تعالي: "ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة". أما إذا كانت جراحة التجميل تعيد للإنسان ما فقده أو ما نقص منه عن سائر أقرانه فهي من العلاج الذي أمر به الرسول -صلي الله عليه وسلم- في قوله: "تداوو عباد الله فما جعل الله من داء إلا جعل له دواء". ويشير الدكتور هلالي إلي أن هناك أنواعا أخري من جراحات التجميل محل خلاف بين الفقهاء وهي التي "بين بين" أي بين كونها تغيير لخلقة الله وبين كونها علاجاً مثل الأنف الكبير الذي ليس كبيراً بطريقة غير معتادة ولكن صاحبة يره كبيراً وكذلك الشفاة التي يراه صاحبها كبيرة ويراها الناس معتادة فمثل هذه العمليات التجميلية هل ينظر فيها الي رغبة صاحبها أم ينظر فيها الي نظرة الآخرين لها؟ والحقيقة هي محل خلاف بين الفقهاء فأكثر الفقهاء المعاصرين يرون أن هذه العمليات عبث وانفاق للمال في غير حقه وتغيير لخلقة الله السوية. هذا فضلاً عن المضاعفات الطبية التي تحدث من جراء عمليات التجميل وبعض الفقهاء يري ان هذه العمليات تدخل في عداد المسموح إذا أمنا المضاعفات وكان في مقدور صاحبها ان يدفع تكاليفها دون مشقة عالية لأنها تحقق رغبة مشروعة في نظره لأنه لن تكون نتيجة عملية التجمي مغيرة لأصل الخلقة بل سيتم التصغير أو التكبير في حدود صور الانسان الطبيعية. ويضيف: إن الجديد هو انتباه الناس لقيام بعض الرجال بعمليات التجميل ولنذكر ان النفس الإنسانية واحدة في الذكر والأنثي وهي التي تريد ان تظهر بشكل لائق أمام الآخرين وهذا يزيد من كفة الفقهاء القائلين بمشروعية جراحات التجميل وفق ضوابط السلامة والأمن. اضطراري واختياري تشير دكتورة إلهام فتحي شاهين- أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر- إلي أن التجميل هو مصدر جمل أي زين وحسن وقد عرف الأطباء جراحة التجميل بأنها جراحة تجري لتحسين منظر جزء من أجزاء الجسم الظاهرة أو وظيفته إذا ما طرأ عليه نقص أو تشوه وتنقسم جراحات التجميل الي قسمين جراحات اضطرارية وجراحة اختيارية والجراحة الاضطرارية هي المقصود منها التداوي سواء كان العيب الموجود بالجسم والمراد اصلاحه خلقي أو ولد به صاحبه مثل التصاق الأصابع أو الشق في الشفة العليا أو كان نتيجة أمراض أو بتر أو حادث أو حريق هذا النوع من الجراحات الاضطرارية الغرض منه التداوي لإزالة الألم النفسي وللصحة الجسدية أيضاً وحكم هذه الجراحة جائزة لقوله -صلي الله عليه وسلم- "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" وعرض الدكتور سعد الدين هلالي لنماذج عملية فقال: روي زين بن مسلم ان رجلاً في زمن النبي -صلي الله عليه وسلم- أصابه جرح فاحتقن الجرح الدم فدعا الرجل رجلين من بني النجار للتداوي فقال لهما رسول الله أيكما أطب "أي أمهر في الطب" وأحياناً يكون حكم الجراحة الاضطرارية الوجود فيكون واجباً إذا كان العيب أو المرض يؤدي الي تلف النفس أو هلاكها فيجب التداوي حتي لو وصل الأمر الي وصل جزء لجزءاً آخر كأخذ جزء من العظم لاصلاح جزء آخر.. بشرط أن لا يؤدي ذلك الي الوفاء أو ضرر أكبر وذلك لقوله تعالي: "ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة" وقوله تعالي "ولا تقتلوا أنفسكم". وأوضح الدكتور هلالي أن الجراحة الاختيارية وهي التي لا تكون بسبب ألم جسدي ويكون باختيار صاحبها بدافع التحسين والتجميل أو الزيادة في مقاييس الجمال وتحقيق حلم الشباب الدائم وهذه الجراحات ما هي إلا تغيير لخلق الله بغير ضرورة لمثل هذا العمل وإنما هي نوع من الاسراف في العناية بالمظهر والاهتمام بالصورة الظاهرية لا بالحقيقة والجسد والروح ومن هذه الأنواع عمليات تجميل الأنف والذقن والثدي والأذن والوجه عموماً واليد والحواجب وقد رأي العلماء تحريم هذا النوع من الجراحات التجميلية الاختيارية واستدلوا بما يلي أولا: انها أنواع تغير الخلق الذي يأمر به الشيطان ومأخوذ من قوله تعالي "في تضليل أبليس لخلق الله" فقال تعالي "ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكم آذان الأنعام ولآمرنهم فليغرين خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً" آية 119 سورة النساء. ومن السنة قول الرسول -صلي الله عليه وسلم-: "لعن الله النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة المتفلجات للحسن المتغيرات خلق الله". تأصيل فقهي يري دكتور سيد مهران الأستاذ المساعد بكلية الشريعة جامعة الأزهر: ان نظرة الشريعة الإسلامية تختلف تبعاً لحاجات الإنسان تبعاً لدرجة الحاحا وجدواها. وقد وضع العلماء أطر لهذا المعني فيما يعرف في الاصطلاح العلمي ب"مراتب التناول" وجعلوا هذه المراتب خمس وهي: الضرورة والحاجة والتحسين والزينة والفضول. ويختلف تقرير الأحكام تجاه المكلفين في كل مرتبة من هذه المراتب عن الأخري فمثلاً في حال الضرورة فإن الشريعة تتعاطف مع المكلف الي حد إباحة المحظور. ومن هنا جاءت قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" لكن الذي تجدر الإشارة اليه ان الضرورة المعتبرة شرعاً في إباحة المحظور وضع لها العلماء ضوابط محددة حتي لا يكيفها كل أحد بهواه فعرفوها بأنها الشئ الذي إذا لم يفعله المكلف هلك أو قارب الهلاك وكذلك فعلوا في المرتبة التي تليها وهي الحاجة فضبطوها بأنها الشئ الذي إذا لم يفعله المكلف لميهلك ولم يقارب الهلاك ولكن كان في حرج ومشقة دائمين متصلين. والحقوها بالضرورة في إباحة المحظور أحياناً وليس مطلقاً. وكلما نزلت مرتبة التنازل قابلتها الشريعة باحتدام الحظر فالتحسين لا يبيح المحظور وكذلك ما يليه من مراتب. بل ان تناول المباح في المرتب الثلاث الأخيرة يخضع لفقه الأولويات وموازنة المصالح والمفاسد وسد الذرائع وغير ذلك من قواعد الضبط الفقهي وقال: عندما ينحصر الأمر في الفضول وهو المرتبة الأخيرة فإن الشريعة تغلق هذا الباب لغلبة المفسدة فيه علي المصلحة. وبعرض مسألة جراحة التجميل علي هذه الضوابط نجد أنها بعيدة تماماً عن مرتبة الضرورة بالمفهوم الشرعي بل إنها لا ترقي إلا نادراً لمرتبة الحاجة وحينها قد يفتي بالإباحة للمرأة أو الرجل أما إذا ترددت بين التحسين والزينة فمرد الفتوي فيها للموازنة بين عوائدها وتقرير أهل الشأن بما هو أولي بالرعاية من المصالح وما هو أولي بالاجتناب من المفاسد ومن ثم قد تحتاج كل حالة الي فتوي شرعية خاصة تأخذ في اعتبارها تقرير أهل الخبرة والاختصاص العدول خاصة وإذا وصلت الحالة لمرتبة الفضول فهي حرام بلا شك. وأوضح انه بالرغم مما يبدو من كون مسألة التجميل من المحدثات التي لم يعرض لها قدامي العلماء. إلا أن ذلك لا يصدق إلا علي التقنيات الحديثة فقط. أما أصل المسألة فقد عرض لها المحققون من العلماء الأوائل. ومما أجملوه وجملوه في ذلك ما ذكره الشاطبي - رحمه الله- في موافقاته بأن المرء مكلف بتحسين أخلاقه وليس مكلف بتحسين خلقته.. ومن حاصل رؤاهم في المسألة يمكن قراءة حديث "إن الله جميل يحب الجمال" بأن الجمال الذي يحبه الله عز وجل هو جمال الصنيع لا جمال التصنع والتجمل لله بالاشتغال بأحب ما كلف به عباده إليه من أفعال. وليس الانشغال بتجميل ما فطر عليه المرء من خصائص وخصال. قد يكون خارج مقدور العبد. أومنطوياً تحت ما ذمه الله عز وجل من تغييرخلقته طاعة للشيطان وغوايةلأمره فيما حكاه القرآن "ولآمرنهم فلا يغيرن خلق الله" بالرغم من الاشارة لهذه المذكورات وما يمكن سرده في المسألة عن العلماء من الآراء. يبقي الأصل فيها التخريج علي ما سبق ذكره من قواعد الضبط الفقهي واستنباط الحكم في كل حالة بخصوصها وفي ضوء تفاصيلها وملابساتها إذ أصل الفتوي في الإسلام أن الحكم علي الشئ فرع عن تصوره وكلما دق التصوير كان الحكم أكثر دقة وأصاب كبد الهدف المبتغي من الاستنباط الفقهي مع رعاية خصوصية الأدلة واخلاص القصد.