مع تزايد حرارة الكوكب عامًا بعد عام، لم تعد التأثيرات المناخية تقتصر على البيئة والاقتصاد فحسب، بل طالت أحد أهم عناصر الراحة البشرية: النوم، فارتفاع درجات الحرارة بات يقلص من عدد ساعات النوم وجودته، مما دفع الخبراء لدق ناقوس الخطر حول هذا الخطر غير المرئي على الصحة العامة. في ظل موجات الحر المتكررة وارتفاع درجات الحرارة عالميًا، حذر علماء من أن تغير المناخ أصبح يشكل تهديدا متزايدا لنوم الإنسان، بما يحمله ذلك من تداعيات على الصحة الجسدية والعقلية. تشير مراجعة علمية نشرت في مجلة طب النوم إلى أن العوامل المرتبطة بالاحتباس الحراري والتحضر تسهم بشكل مباشر في اضطرابات النوم، وتزداد هذه المشكلة حدة في الليل، إذ يفترض أن تنخفض حرارة الجسم قليلا لدخول مراحل النوم العميق، غير أن ارتفاع الحرارة يحفّز أنظمة التوتر في الدماغ، مما يعطل هذه العملية الحيوية. وفي دراسة نشرتها مجلة One Earth، تبيّن أن البشر فقدوا نحو 44 ساعة من النوم سنويا خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ويتوقع الباحث كيلتون مينور من جامعة كوبنهاغن أن تصل خسارة النوم بحلول عام 2099 إلى 58 ساعة سنويًا للفرد، إذا استمر الاحترار العالمي بهذا المعدل. وأوضح مينور أن هناك حاجة ماسة لتجارب ميدانية لفهم كيفية تحسين التكيّف مع الحرارة من أجل الحفاظ على نوم صحي، ويعزز هذا الطرح ما أكده فابيان سوفيه، الباحث بجامعة باريس، من أن الجسم البشري يمكنه التأقلم مع درجات حرارة تصل إلى 28 درجة مئوية، بشرط توفر تهوية كافية، وملابس خفيفة، وبيئة نوم مناسبة، مشددًا على ضرورة تقليل الاعتماد المفرط على أجهزة التكييف. أما أرميل رانسيلاك، عالم الأعصاب في مركز البحوث متعددة التخصصات، فحذر من أن درجات الحرارة المرتفعة، خاصة فوق 28 درجة مئوية، تضعف النوم وقد تسبب آثارًا خطيرة مثل ضعف التركيز، وزيادة خطر الحوادث، والاضطرابات الأيضية، بل وحتى الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري والقلب وألزهايمر. ولتحسين جودة النوم في الأجواء الحارة، ينصح الخبراء ب: أخذ حمام بارد "غير مثلج" قبل النوم لخفض حرارة الجسم. تجنب الكافيين والكحول مساءً. الابتعاد عن الحمام الساخن بعد التمارين، والاكتفاء بالماء البارد. أخذ قيلولة قصيرة "30–40 دقيقة قبل الثانية ظهرا" لتعويض نقص النوم دون التأثير على نوم الليل. في مواجهة تحديات تغير المناخ، لا يجب أن نغفل التأثيرات الصامتة التي تطال تفاصيل حياتنا اليومية مثل النوم، عبر تعديلات بسيطة في السلوك ونمط الحياة، يمكننا التكيّف مع الحر والحفاظ على صحة أذهاننا وأجسامنا، فالنوم ليس رفاهية، بل ضرورة حيوية لمواجهة عالم يزداد حرارة.