لقد وقعتُ علي قصة طريفة في أحد كتب الأدب ملخصها» أن الأرنب كانت تمسك في يدها تمرة تأكل منها وفجأة اختطفها الديك منها فتشاجرا فقالت له: لابد أن نذهب إلي أبي الحسل وهو الضب ليحكم بيننا فوافق الديك علي ذلك وبالفعل ذهبا معاً إلي جحر الضب وأخذت الأرنب تنادي: يا أبا الحسل فرد الضب من جحره قائلاً: سميعاً دعوتما. فقالت الأرنب: لقد وقع الخلاف بيني وبين الديك فجئنا إليك لتحكم بيننا فقال الضب: عدلاً حكمتما. فقال الأرنب: لقد كانت معي تمرة. فقال الضب: حلوة فأكليها. قالت: فاختطفها من الديك. قال الضب: لنفسه بغي الخير. قالت: فلطمته قال الضب: بحقك أخذت. قالت: فلطمني. قال الضب: حرُ انتصف لنفسه قالت: فاحكم بيننا قال الضب: قد حكمت فارجعا. وهذا المذهب المرذول هو مذهب بعض من يتصدر المشهد الإعلامي اليوم.. فعلي الرغم من وضوح بعض القضايا وضوح الشمس في رابعة النهار إلا أنهم يحاولون معالجتها علي طريقة الضب المذكور في القصة آنفة الذكر حيث يبقي الوضع الراهن علي ما هو دون تحديد المخطيء من المصيب... دون الفصل ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.. فليس هناك مخطيء علي مذهب أبي الحسل.. الكل مصيب محق.. الجاني والضحية.. الثوار والفلول.. البلطجية وضحاياهم.. تقرأ المقال كله من ألفه إلي يائه.. لا تكاد تقف علي معني.. كل الحكاية أن الكاتب لا يريد أن يتعرض لنقد أو استهداف من أحد وعلي هذا ليس هناك مخطيء مع أن هناك خطأ!! ليس هناك مجرم مع الاعتراف بأن هنالك جريمة!! الكل علي صواب.. الكل يمتلك الحقيقة!!! الثوار دائماً عل حق كالأنبياء معصومون من الكبائر والصغائر وإن ارتكبوا ما لا يقبله عقل ولا يقر به منطق.. أو هم كأصحاب بدر يُقبل منهم ما لا يُقبل من غيرهم.. ويسعنا منهم ما لا يسعنا من غيرهم وكأنهم حصلوا علي صك غفران مفاده. اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. وعلي الجميع أن يقبل تصرفاتهم دون نقاش أو جدال وإن بدت للناظر أن بعض هذه التصرفات تفتقر إلي أدني درجات المنطق. وفي المقابل فكل تصرفات القائمين علي الأمر لها ما يبررها وهي منطقية أو هكذا ينبغي أن نتعامل معها فالعنف والاستخدام المفرط للقوي ضد بعض المعتصمين العزّل من قبل قوات الشرطة أو الجيش ليس منكراً ولا ينبغي أن يكون! إذاً مادام الثوار دائماً وأبداً علي صواب. فمن المسئول عن الفوضي وما يلازمها من إحراق وتدمير وقتل وسحل وتخريب؟!. لقد استقر في الأذهان والعقول أن لكل فعل فاعلاً. كما أن لكل مبتدأ خبراً. والأفعال التي لا محل لها من الإعراب علي حد وصف النحاة تستعصي علي الحصر. ويعجز عنها الحساب!!! من أحداث مسرح البالون إلي أحداث مجلس الوزراء الأخيرة مروراً بأحداث ماسبيرو ومحمد محمود كلها أفعال مازال البحث جارياً من قبل جهات العلم الرسمية عن فاعلها خاصة بعد ما طغي الفعل المبني للمجهول في كل ما ذكرنا من أحداث ووقائع.. ويبدو أن معرفة الفاعل الحقيقي يحتاج إلي قارئة فنجان وضارب حصي!! أو حتي الاستعانة بنابه الذكر المفتش كرومبو في الوصول إلي هذا اللهو الخفي!! والقائمون علي الأمر إن كانوا لا يدرون مَنْ الفاعل فتلك مصيبة. وإن كانوا يدرون ويتسترون عليه لحسابات ما أو لحاجة في نفس المشير والمستشار فالمصيبة أعظم!! لأنهم حينئذ شركاء متشاكسون في حرق الوطن والمواطن. لقد اختلط الحابل بالنابل.. وضاع وصف الثوار بين أصحاب المباديء وأصحاب المصالح خاصة وقد انقلبت القنوات والجرائد والمنابر التي كانت تسبح بحمد الحاكم آناء الليل وأطراف النهار لعله يرضي!! إلي ثوار لا يرضون عن شيء ولا يرضيهم شيء ويبالغون في الثورية قدر مبالغتهم في التملق والنفاق في الماضي. حتي لو أن ثائراً كيجفارا علي ثوريته المعروفة ابتعث من مرقده ورأي هؤلاء لأيقن أنه لم يكن يوماً ثائراًَ!! ومنطق تبرئة الجميع علي مذهب المكني بأبي حسل يساوي مذهب إدانة الجميع دون أن يقدم المتهم دليلاً ملموساً علي اتهاماته.. لأن التوثيق وإن قُبل مجملاً باعتبار أن الأصل في الإنسان هو براءة الذمة حتي يأتي الدليل الناقل إلي العكس.. فإن الجرح لا يقبل إلا مفصلاً لأنه إدعاء علي خلاف الأصل ولذا فهو يفتقر إلي البيّنة.. وعلي ذلك فإلقاء التهم جُزافاً علي الناس نوع من الدعوي الفارغة ما لم يؤازرها الشاهد والدليل.. ويبقي الإنسان بريئاً حتي تثبت إدانته ثواراً كانوا أو فلولاً سواء بسواء. ولا فرق بين هؤلاء وأولئك إلا بمدي ابتعادهم عن الأنانية والنفعية وتقديمهم مصلحة الوطن علي مصالحهم الشخصية ظاهرياً علي الأقل ولا سبيل لنا إلي سريرتهم.