"في بيته يؤتي الحكم" هكذا قال العرب، ربما تأكيداً لهيبة السلطة أو تحسبها للتواطؤ والخديعة، إلا أنهم استغرقتهم تبعاتها فتسيد الأوغاد وعم الفساد وسقطت مع الأيام هيبتهم وتفككت ودالت دولتهم. ربما تجد في ذلك شططاً في القول وافتئاتاً علي التاريخ، فليكن! لكنها وجهة نظر استدعاها من خفايا التراث الخوف علي الثورة وكيان الدولة الذي تتهدده البلطجة ويتآمر عليه حفنة من الفاسدين والعملاء من بقايا النظام المخلوع لايزالوا يتمترسون في مقاعد السلطة وهيئاتها ومؤسساتها الكبري. وفي ذلك يحكي أن أرنباً وجدت ذات يوم ثمرة فالتقطتها، فاختلسها الثعلب منها وأكلها، فانطلقا يختصمان الي الضب فقالت الأرنب: يا أبا الحسل "كنية الضب"، فقال: سميعاً دعوت، قالت: أتيناك لنختصم إليك، قال: عادلاً حكمتما، قالت: فاخرج إلينا، قال في بيته يؤتي الحكم، قالت: إني وجدت ثمرة، قال: حلوة فكليها، قالت: فاختلسها الثعلب مني، قال: لنفسه بغي الخير، قالت: فلطمته، قال: بحقك أخذت، قالت: فلطمني، قال: حر انتصر، قالت: فاقض بيننا، قال: لقد قضيت. أما أنا فما أحسبه قضي إلا تنطعاً فهو لم يكلف نفسه حتي سماع شكاية الأرنب ولا دفاع الثعلب ولا قلب القضية علي وجوهها ولا جلس منهم مجلس القضاء بالعلانية والشهود ولا أعمل فكراً ولا كلف خاطراً إنما هو ارتجل وتعجل، لاتحكمه قاعدة ولايعبأ بقانون ولانظر في شأن الحيازة سند الملكية، ولا احتكم لقواعد المسئولية الشخصية في القانون وحدود التعدي بها علي حقوق الآخرين وكيان الأمة، ولا نظر في شأن تعويض الأرنب عما فاتها من كسب ومالحقها من خسارة ولا نظر في منفعة حصلها باغ بغير موجب أو سند ولا أقام حجة بشأن كسب للثعلب غير مشروع واعتداء علي ممتلكات الغير واحتيال علي تحصيل منفعة غير مستحقة ولاجرم الثعلب علي تطاوله وبلطجته وقلة أدبه وحماقته، ولا حاسبه علي تعريض الأمن والسلم الاجتماعي لخطر البلطجة والانفلات الأمني، ناهيك أنه كان قاضياً غير نزيه لم يعبأ بطلبات الإدعاء بالحق المدني كما قرره القانون وتصرف بغرض علي شاكلة ذلك الذي اعتلي منصة عالية فافتأت علي حقوق الآخرين وحاول ثوريث المنصة لأبنائه ولم يكلفهم حتي عناء الاجتهاد والتفوق مثل أقرانهم إلا حسبهم أنهم من أسرة عريقة وكفي، وهو في كل حال يحتفظ بمنصة القضاء في بيته الذي يؤتي إليه لا الديوان العام كما كفلته دولة القانون والحكم الرشيد. ويالها من حكاية قديمة جديدة كان من أسبابها أن من أوكل إليه أمر تنفيذ القانون واحترامه وإقامة العدل بين الناس ركن إلي التواطؤ والمواءمة والتجمل والارتجال، وحسب أنه إذا ما أمسك العصا من المنتصف فقد نجي من ورطة إغضاب طرف علي حساب آخر فتلاعب بالألفاظ وسلك طريق ظالم ملتو حاول قدر جهده أن يغسل يديه من أي احتمال لإقامة العدل واحترام القانون، ولم يورط نفسه في القصاص لحق اغتصبه الثعلب بالحيلة والبلطجة والدهاء، فليذهب القانون إلي الجحيم وكفي. مثل هذا حدث في نظامنا السياسي الذي استوجب الثورة عليه وخلعه، ورغمها لم يتعظ أحد ووقفت الشرطة من البلطجة موقف أبي الحسل من الثعلب فتسيد الأوغاد وضج العباد وتآكلت هيبة الدولة وتجرأ الكلاب، وكان لسان حال السلطة الرخوة يهزي: "فليأكلوا بعضهم ويدفعوا ثمن ثورتهم وقلة أدبهم علي السادة الباشوات"، وسيان كانوا باشوات عهد مبارك المخنثين الذين لايزالوا يعيثون فساداً وتآمراً وكيداً في مؤسساتنا وهيئاتنا الكبري، أو باشوات البلطجة الكبار الذين يهددون كيان الدولة وتماسكها بالبلطجية الصغار يعطلون الإنتاج ويفرغون الثورة من مضمونها ويهينون الدولة ولايردعهم جيش أو شرطة أو قضاء، كما ينبغي لدولة القانون والحكم الرشيد. هكذا كان توصيفي للشرخ الكبير لعلاقة الشرطة بالثورة والمجتمع، وقد سبقه بيننا وبينهم دماء شهداء ومظالم ثلاثين عام من الغطرسة والتطاول والظلم. كان ومن معه يستمعون بإنصات بينما جاء رده مفاجئاً: "أعترف أننا أخطأنا ونحن نعتذر فدعونا نحاول الاصطفاف معاً لتدارك الأخطاء، لقد كان نظاماً بغيضاً دفعنا للظلم وكنا أضعف من مواجهته، وهذا خطأ نحن علي استعداد لتحمل تبعاته وتقديم المخطئين للعدالة والقانون، وأعترف أيضاً أننا لولا الثورة العظيمة لما كنا في هذه المواقع ولكان جنرالات العادلي لايزالون يدفعوننا للظلم وتجاوز القانون"، هكذا تكلم اللواء خالد غرابة مدير أمن الاسكندرية ومعه الحكمدار اللواء ممدوح حسن وعدد من كبار ضباط مديرية الأمن في لقاء دعانا إليه مرات ولم تأت الاستجابة من جانبنا إلا بعد أن علمنا أنهم أصحاب تجربة جادة تحاول تقديم وجه جديد للشرطة، وعندما تأكدنا أن مدير الأمن يطلب بنفسه كل من قدم شكوي أوالتماس علي الخط الساخن المخصص للمظالم والشكاوي، وبعد أن طلبوا رقابة المجتمع المدني علي تطبيق الشرطة للقانون وتعهدهم بعدم استخدام قانون الطوارئ ضد السياسيين والنشطاء والثوار. إلتقينا هناك شيخ المحامين رأفت نوار الذي كان يتابع مع مدير الأمن والمباحث موضوع المحامي المختطف ومعه زمرة من كبار أساتذة القانون والمحاماة منهم د.أمين الخولي، د.جلال أبوالفضل، الأساتذة محمد بدير وعصام السعدني وزكريا قطب ومحمد خليل وجميعهم ضمن هيئة دفاع خالد سعيد التي يرأسها الأستاذ رأفت نوار. لقد رأينا روحاً مختلفة ومحاولة جادة لرأب الصدع واحترام القانون، الشرطة تتجمل وتدفع عنها وجه وممارسات وتقاعس وظلم نظام فاسد، فهلا أعطيناهم فرصة وساعدناهم درءاً لمخاطر الإنفلات الأمني والبلطجة التي أهانت الدولة وعطلت مصالح البلاد والعباد؟ أسألكم فمازلت أحتاج إجابة.