كثيرا ما نري طوائف ترفض التعايش مع غيرها من منطلق الاعتقاد بتمايز الانتماء عنها. وهي نظرة أراها قاصرة فكل إنسان له انتماءات عديدة: "اجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية وعرقية وجغرافية وثقافية.. إلخ". وتوهم التعارض بين هذه الانتماءات ومن ثمة الظن بوجوب التنكر لبعضها لصالح بعضها الآخر لا شك يمثل خطورة علي التعايش مع الآخر المنتمي للانتماء المتنكر له.. وقد بين النبي صلي الله عليه وسلم أن الحل الأمثل عند ظهور ما ظاهره التعارض بين هذه الانتماءات هو عدم التنكر لأي منها وفي نفس الوقت نصرة كل منها الظالم والمظلوم: المظلوم بأخذ الحق له والظالم بأخذ الحق منه لا التنكر له فتلك نصرته قال صلي الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تأخذ فوق يديه" رواه البخاري في صحيحه في باب "أعن أخاك ظالما أو مظلوما" من كتاب "المظالم" والأخوة في الحديث الشريف لم تخصص ومن ثمة تبقي بمعناها العام المطلق من كل قيد أي الأخوة في أي من الانتماءات المختلفة. وكذلك فإن الخلط بين متطلبات أي من الانتماءات المختلفة لا شك أمر غاية في الخطورة: فإذا تطلب الوطن فداء وتضحية وجب ذلك علي أبنائه بصرف النظر عن وجوه اختلافهم الأخري وإن طلب الدين نصرة ودفاعا وجب ذلك علي أبنائه بصرف النظر عن وجوه اختلافهم الأخري وأن تطلب أخ في الإنسانية نصرة وعونا وجب ذلك علي أخوته في الإنسانية بصرف النظر عن وجوه اختلافهم الأخري.. وهكذا. إن الشعور بوحدوية الانتماء والتي يتمخض عنها رؤية طائفة بأنها أقلية وأخري بأنها أغلبية أمر أراه غاية في الخطورة فهو في رأيي يعني: * استسلام الأقلية للأغلبية في البداية. * ثم مناداة كل منهما بحقوق إضافية. * ثم التصارع عليها. * ثم مناداة الأقلية بالانفصال عن الأغلبية بحجة الفشل في التعايش معها في آخر الأمر. ثم تفتت كل من هذه الأقلية المنفصلة والأغلبية بنفس الطريقة عندما يتم تسليط الضوء علي ما قد تم إغفاله من انتماءات أخري عديدة لأزمة لأفرادها. إن التحدي الحقيقي الذي ينبغي علي الإنسان أن يجابهه هو أنه بإمكانه أن يري نفسه جزءا من الكل وبإمكانه أن يري نفسه جزءا من الأقلية وذلك بحسب الانتماء الذي يرغب في أن ينظر من خلاله إلي مجتمعه. إن من ينظر إلي تعداد أهل ملته مقارنة بغيرهم في وطنه قد يري نفسه أقلية تعيش وسط أغلبية أما من ينظر إلي نفسه باعتباره مواطننا ينبغي أن تكون له كافة حقوق المواطنة فهو جزء من كل.. وهكذا. إن الإنسان الذي يؤثر التعايش مع غيره عليه ألا يسمح لكائن من كان في أن ينوب عنه في هذه الرؤية ليضعه في الموضع الذي لا يرضاه هو بل عليه أن يجاهد ليكون دائما جزءا من الكل لا فردا من الأقلية.