يتسع موضوع أحكام الفقه الإسلامي ليشمل علاقة الإنسان بربه ببيان أحكام العبادات التي توضح علاقة الإنسان بربه وتقوي نفسه وتهذبها وتطوع جانب إمارتها بالسوء. ثم ينظم الفقه باقي جوانب علاقة الإنسان بغيره من الأفراد والجماعات في إطار تقوية الوازع الداخلي والسمو بأخلاقه التي لها ما يردعها عند مخالفتها لحقوق الآخرين فيتسم بالشمول والعموم. أما أحكام القانون: فإنها لا تهتم إلا بالعلاقة بين الناس فقط وإذا كان الرد ممن يفصلون بين الدين والقانون بأنه: ما شأن القانون بالعلاقة بين الناس وربهم؟. يرد عليهم بأنه كيف ينصاع الإنسان في علاقته بالناس إذا لم يكن في خضوع في علاقته للأقوي وهو الله الذي يتمثل جانب الخوف والرهبة له في تكوين وازعه وضميره وفي تكوين صورة سلوكه وتعامله للناس. ثم إن هذه المقولة قد تكون صحيحة إذا لم يكن الفقه قد نظم العلاقتين معاً. فالاحتكام إليه أولي. ممن لم ينظم سوي علاقة الفرد بالناس فقط. كذلك تشمل موضوعات الفقه الإسلامي ضرورات كثيرة عالجها الشرع وانفرد بها حفاظاً علي صالح الفرد والجماعة. فاعتبر المحافظة علي عقل الإنسان باعتباره مناط التكليف ومداره فحرم المسكرات والمخدرات. كذلك المحافظة علي النسل حفاظاً علي العرض بمنع اختلاط الأنساب ووضع العقوبات المشددة لذلك بما لم تحرص القوانين الوضعية عليه بنفس هذه الصورة والحدود. رابعاً: من حيث الجزاء: يختلف الأمر من حيث الجزاء الذي يوقع علي المخالف للأحكام الشرعية عنه في الجزاء الموقع علي المخالف لأحكام القانون فقد يكون الجزاء الموقع علي مخالفة أحكام الفقه: أخروياً فقط كعقوبة من يتلصص بالنظر المحرم إلي المرأة الأجنبية. وقد يكون الجزاء دنيوياً وأخروياً كعقوبة القتل والسرقة. أما الجزاء علي مخالفة القاعدة القانونية. فإنه جزاء دنيوي فقط في جميع الحالات ثم إن الفقه الإسلامي لا يكتفي بتوقيع العقاب علي المخالف وإنما يمنع الثواب للمطيع. وهذا ما يفتقده القانون فلا شأن له بمن يمتثل ولا يخالف. ومن هنا فإن الامتناع عن مخالفة الحكم يجد استحساناً وشعوراً بالاحترام عند امتثال البشر لأحكام الشرع لوجود الحافز والشعور بالتقرب لله بالحصول علي ثوابه كلما قام العبد بتنفيذ أحكامه والامتثال لطاعته. ويفتقد حكم القانون هذا الضمان للامتثال باحترام أحكامه والعمل علي تنفيذها لأن العمل بأحكام القانون ليس جابياً للثواب وليس تقرباً في معظم الأحوال فربما كان في تنفيذ حكم القانون مخالفة للدين وبالتالي يتحرج الإنسان ويتناقض موقفه كقضايا الفوائد القانونية بالمفهوم لصحيح الربا. وهنا يتصارع الإنسان مع نفسه عند حاجته إلي التعامل مع شركة وتفرض عليه بمقتضي القانون فوائد علي أقساط مثلاً. هنا يكون بتنفيذه لأحكام القانون معصية مباشرة لشرع الله. وهنا يكون التناقض واللبس في أذهان الناس وبخاصة إذا نص في القانون علي أن الدين مصدر للقوانين. أخيراً فإن أحكام الفقه الإسلامي إضافة لما يتيحه من التحفيز للعبد بفعل الطاعة بمقتضي الثواب الممنوح إياه. فإنه يجعل لدي الإنسان المراقب من المولي عز وجل ذو وازع ديني وأخلاقي متين فإذا كان القانون لا يعتد بقواعد الأخلاق أو بما لا يظهر للواقع من خروج علي أحكام القانون كالعزم أو الأعمال التحضيرية أو إضمار السوء للآخرين من حقد وغيره فإن المشرع الحكيم يحاسب عليها لأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور "وهو المراقب". ومن ثم كان الازدواج في الجزاء الدنيوي والأخروي من دوافع مراقبة العبد لربه لأنه إذا أفلت من عقاب الدنيا لن يفلت من عذاب الآخرة. أما في القوانين الوضعية فليست هناك ضمانة لعدم الإفلات من الجزاء القانوني سوي رقابة رجال السلطة ولو نجحوا في الإمساك بمجرم فاتهم العشرات منهم وما أكثر هذه الحالات التي تضيع فيها أرواح وأموال وتحفظ هذه القضايا لعدم معرفة الفاعل والصورة أمام المتدبر ليعمل عقله وفكره.