إذا كنا قد علمنا أن الفقه هو مجموعة الأحكام الشرعية التي تنظم شئون الحياة في أمور الدين والدنيا. فإن القوانين الوضعية: هي مجموعة القواعد التي تنظم سلوك أفراد جماعة معينة والتي تجبرهم السلطة القائمة علي أمر هذه الجماعة علي اتباعها عند الاقتضاء أي عند مخالفة هذا السلوك. لهذا فإن الموازنة ليست كما يسود خطأ بين البعض مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية. وإنما تبين طبيعة وموضوع ومصدر أحكام الفقه الإسلامي والقانون الوضعي لأن المدار في هذا المقام علي الأحكام والقواعد التي هي مادة التطبيق والتنظيم بسلوكيات البشر ليتسني معرفة أي الأنظمة عالجت كل جوانب السلوك وهذبت نفوذ البشر. وربت فيهم وسيلة الحد من الخطأ والخروج عن الجادة. بما يعرف بالوازع أو الضمير أما مقارنة الشريعة كنظام متكامل في جميع الجوانب اعتقاداً - وخلقاً وسلوكاً بالأنظمة القانونية الوضعية فهي مقارنة غير صحيحة ولا تتصور بداية حيث لا تكافؤ ولا تناظر حتي تنعقد المقارنة إنما يمكن تصور المقارنة بين طبيعة وموضوع الأحكام في الفقه الإسلامي والقواعد القانونية الوضعية عموماً. أولا: من حيث مصدر الأحكام في كل من الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية: - الحكم الشرعي مصدره السماء لأنه خطاب الله تعالي المتعلق بأفعال المكلفين - والحكم هو التكليف الداعي إلي تنفيذ أوامر الله فالفقه فرع الشريعة والكل من عند الله. كما أن الفقهاء أجمعوا علي عدم الاعتداد بأي اجتهاد يتوصل إليه في تنظيم أمور البشر ما لم يسبق أو يعود في أصوله إلي الكتاب والسنة اللذين هما وحي السماء. كما أن المشرع الوحيد للحكم هو الله سبحانه وتعالي. والرسل مبلغون - والفقهاء موضحون لبيان الحكم واستنباطه من نصوص الشرع يقول تعالي: "ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" المائدة آية "67". وقوله في خصوص نبيه وأن كل ما يقوله إنما هو من عند الله "وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي" النجم "3 - 4" موجود وقائم ودائم بوجود مصدره. أما القاعدة القانونية الوضعية: فهي من وضع البشر. ومن خصائص الإنسان التغير والتغلب بتغير الظروف والأحوال وبالتالي يصعب علي المقنن أو المشرع الوضعي معرفة ما يحقق المصلحة دوما ويلبي الحاجة المستمرة لاختلاف الأجواء والرغبات دائماً من المقنن وممن يخضع له لقصر المدي الإدراكي والزمني للبشر وتلك طبيعتهم لا يحيطون بكل ما حولهم ولايعلمون ما يحدث في المستقبل فهذه ليست خصائص البشر. وإنما خصائص المولي عزوجل. لذلك كان التغير الدائم والتبديل المستمر من سمات القوانين الوضعية وذلك لعجز واضعيها عن وضع سياسة ثابتة مستمرة لكل حاجياتهم فإذا ما اعتقدوا نجاحهم سرعان ما يجدون أنفسهم بعد فترة زمنية وجيزة في حاجة ماسة للتغيير لأن الهدف الذي وضع القانون أجله قد انتهي. ولم يعد لهذا القانون فائدة أو أن هذا الهدف قد تغير وبالتالي لن يحترمه المطالبون بالخضوع له. أما أحكام الله تعالي فإنها لا تتغير ولا تتبدل حتي بعد انقطاع الوحي. وانتقال النبي إلي جوار ربه لأنها تحقق الصالح للأمم. وتلبي حاجاتهم في كل زمان ومكان لأنها من عند الله الذي يعلم سلفاً ما يصلح أو يفسد الإنسان الذي خلقه. ثانيا - بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي من حيث طبيعة الأحكام: تسلمنا نتيجة المقارنة السابقة إلي التعرف علي طبيعة كل من الحكم الشرعي والقوانين الوضعية فتبين لنا: أن أحكام الفقه الإسلامي تتصف بأنها تحوي قواعد ثابتة لا تقبل التبدل أو التغيير في صورة كلية تتصف بالعموم والشمول فهي لا تخص واقعة بعينها أو مجموعة من المسائل علي سبيل التجديد وإنما تصلح علي الدوام لتطبق علي كل جديد في إطار هذه الأحكام والقواعد. فتعطينا هذه الخاصية أو السمة أن الثبات قائم في الحكم أما التغير فدائم في الوقائع المتجددة بحياة الإنسان وتجدد العهود والعصور.. وقد ترك النص علي هذه الوقائع المتجددة بعينها فيظهر دور الفقه في معالجة هذه الفروع وإدراجها في إطار الأصول ولأن هذا وكما أسلفنا عند الحديث علي خصائص الفقه الإسلامي هو الذي أعطي لأحكام الفقه الإسلام الابدية والخلود وعدم الانتهاء. بما لم يقدر للتشريعات السماوية السابقة ولم تنجح فيه القوانين الوضعية. - إن قاعدة الجمع بين الثبات والتغير في الأحكام والتشريعات حلم يحلم به واضعو القوانين المدنية: - ذلك أنهم يضعون نصوص القانون ويمنحونها القداسة ويعطونها من الهيبة متمنين لها الدوام والاستقرار فيطلقون علي الدستور أنه أب للقوانين. ويعطونه مبدأ الجمود أي صعوبة أن يناله التغير خلافا لغيره من القوانين ثم يفاجئنا الواقع الملموس نتيجة العجز البشري بهدم كل هذه الأماني بتعدد التغيير حتي في الدساتير فاليوم النظام ملكي له دستور وغداً النظام جمهوري له دستوره وفي إطار هذا وذاك تستوجب الحاجة تغيير مادة من الدستور فيعدل. فما بالنا بالقوانين التي هي في نظر واضعيها أقل درجة من الدساتير. وتتملك الحيرة هؤلاء ما هو السبب في كثرة التغيير والتبدل وعدم الاستقرار في كل ما يوضع من قوانين؟ إن الإجابة واضحة.. إنكم ترون أن أحكام الفقه الإسلامي قد مر علي مصدريه العظيمين الكتاب والسنة خمسة عشر قرنا من الزمان وقد تغيرت من حولهما كل الآراء والأفكار وتطورت المخترعات والابتكارات والعلوم. - وكم تغيرت خلال هذه الفترة الكثير من القوانين التي كانت تطبق عند نزول تشريعات السماء وحتي اليوم وانقطعت الصلة تماماً بين كل مراحل هذا التتابع القانوني حتي يعدوها أنفسهم نوعاً من التطور التاريخي فقط يذكر علي سبيل الحكاية. ومع رؤيتهم لأحكام الفقه الإسلامي طوال هذه الفترة كما هي لم تنته ولم تعجز عن مواكبة كل العصور التي مرت بها وعلي مواكبة كل الاحداث من يوم نزولها وحتي اليوم بثباتها الدائم وتجددها المستمر مع احتفاظها بعدم قبول أحكامها للتغير أو التبديل. أبعد هذا يبحث واضعي القوانين عن الاجابة؟ إن أحكام الشريعة أسمي من أحكام البشر لجمعها بين عنصري الثبات والمرونة.. الذي عجز واضعو القوانين عن الجمع بينهما في قوانينهم. رغم علمهم بأنه لن يستقر تشريع بدونهما وطالما أنه من صناعة البشر فلن يدوم لتقلب الرغبات والسياسات وأطماع الإنسان وقصر نظرته لما سيحدث.