قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتي يغرسها فليفعل".. صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم. يأمرنا الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم بالتفاؤل والأمل ويقول "تفاءلوا بالخير تجدوه".. بل ويدعو إلي التمسك والرجاء والإصرار علي تواجد الأمل في قلوب أتباعه. ويبدأ في السمع والطاعة بتنفيذ وحي السماء الذي أوحي إليه من ربه فيصنع السفينة ولا يكترث بفهم الناس ولا بأفعالهم ولا أقوالهم لأنه يعلم أنهم سيسخرون منه لأنه يقوم بصنع الفلك أي السفينة في بلدة ليس بها بحر وهنا يصور القرآن حاله المتألم مع قومه الذين يدعون الفهم "ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم" وفي الوقت الذي يصنع فيه السفينة يظل يناجي ربه بدعائه ويبتهل إلي الله تعالي أن ينصره فيصور القرآن الكريم كيفية تغير الحال والانتقال بنوح ومن معه من الآلام إلي الآمال بل وإلي الانتصار قال تعالي في تصوير المشهد الجميل ببلاغة وبراعة واقتدار "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيوناً فالتقي الماء علي أمر قد قدر" وها هنا صنع البحر الذي لم يكن موجوداً بقدرة القادر سبحانه الذي أوحي إلي نوح فيما مضي "فلا تبتئس بما كانوا يفعلون" ثم توالي تصوير القرآن للمشهد المهيب فبين في سورة القمر أنه قد نجا علي هذه السفينة التي صنعها بيديه وهو في قمة الألم "وحملناه علي ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كفر" انتقل الآن إلي تمام الصورة في سورة هود "وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم وهي تجري بهم في موج كالجبال".. وهذا النص يستوقفني كثيراً فلقد أصبح الموج في الصحراء الجرداء كالجبال وأصبح البحر عميقاً.. فيستجمع نبي الله نوح قواه وعاطفة الأبوة الجياشة التي تكمن بداخله فينادي علي فلذة كبده وولده "ونادي نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلي جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله.." وها هنا يصور المشهد الذي يمتلئ بالأمل بين كلا الطرفين الأب الذي يمتلئ قلبه ثقة ويقيناً وأملاً في ربه والابن الذي يمتلئ فكره بالأمل في فكره وعقله وفذلكته لكن كانت النهاية الحتمية والمتوقعة "وحال بينهما الموج فكان من المغرقين". وطالما أن القصة قد انتهت فقد أراد الله تعالي أن يعيد الحياة لطبيعتها لتصير نواميس الكون في شكل عادي فقال تعالي "وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت علي الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين". لقد طرحت القصة المثيرة والجميلة لأنني أري أن هناك تشابهاً في الأحداث بين قصة نوح وما يحدث علي أرض مصر الآن مع فارق التشبيه ولكنني أعتقد أن المصريين جميعاً ركاب سفينة واحدة ويجب علينا أن نحرص علي الوصول بهذه السفينة إلي بر الأمان وألا ندعها تغرق بين الأمواج المتلاطمة فمن مصلحتنا نجاة السفينة ومن مصلحتنا أن ننتقل بآلامنا المتعددة إلي آمال وطموحات ومن مصلحتنا أن نتفاءل بالخير وأن نشارك في بناء الوجدان المصري. وصور القرآن الكريم نماذج متعددة انتقلت من الآلام إلي الآمال واكتفي بذكر واحدة منها في هذا المقام علها تكون فيها العبرة وهي قصة نبي الله نوح عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام ذكر القرآن قصته بشكل رائع في سورة سميت باسمه "سورة نوح" والتي صورت كم الآلام والمشقة والدعة التي عاني منها نبي الله مع قومه بدءاً من الآية الرابعة في قوله تعالي علي لسان نبيه نوح "قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهارآً" وحتي الآية الخامسة والعشرين والتي تنتهي بقوله تعالي "مما خطيئتهم أغرقوا فادخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً" وهنا يصور القرآن مدي الغصة والألم الذي امتلأ به فكر وقلب نبي الله نوح بل وربما أظهر شكلاً من أشكال اليأس الذي بدأ يتسرب إلي قلبه فانتقل القرآن به من مقام الألم إلي مقام الرجاء الذي سيأخذه إلي الأمل ففي سورة القمر يناجي ربه بقوله "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" وتعالي بنا ننتقل إلي سورة هود حيث وحي السماء الذي أوحي إليه فقال تعالي "وأوحي إلي نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيينا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" وها هنا يستجيب نبي الله نوح بسمع.