فجرت الأحداث المؤسفة الأخيرة قضية أطفال الشوارع من جديد حيث رأيناهم يتبادلون التهاني الحارة وهم يحرقون المجمع العلمي.. واختلفت الآراء حول كونهم ¢جناة أم ضحايا¢ من هنا تأتي أهمية هذه القضية التي تعتبر قنبلة قابلة لمزيد من الانفجار والتدمير في البشر قبل الحجر بحثا عن لقمة عيش أو الحصول علي جنيهات قليلة بعد ان عاشوا حياة الحرمان في أقصي واقسي صورها. في البداية نعرض لبعض الارقام التي توضح خطورة المشكلة وتفاقمها. حيث بلغ عدد اطفال الشوارع اكثر من مليون طفل * تشير إحصائيات الإدارة العامة للدفاع الاجتماعي إلي زيادة حجم الجنح التي يرتكبها أطفال الشوارع اكثرها كانت السرقة بنسبة 56%. والتسول بنسبة 13.9%. * كشف تقرير لجمعية الدفاع الاجتماعي أن 90 % من أطفال الشوارع تعرضوا للاغتصاب الذي يعد أول التجارب التي تمر بها أي فتاة تخرج إلي الشارع ووصل الأمر إلي حد الاتجار بالبشر الذي تحتل مصر فيه مكانا متقدما وانهم يواجهون ظروفاً تشبه العبودية من كثرة الإيذاء الجسدي أو الجنسي. * وفقا لدراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر وصل عدد المودَعين في مؤسسات الأحداث الحكومية حوالي "565" ألف طفل ما بين مرتكب جريمة أو فاقد الأهلية وغيرهم في "27" مؤسسة لرعاية الأحداث سمات نفسية مدمرة يري الدكتور سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس أن مشكلة أطفال الشوارع انما تمتد إلي عقود طويلة وزاد تفاقمها في سنوات الرئيس المخلوع وقد حذرنا منها كثيرا لشدة خطورتها علي المجتمع وذلك لشدة إحساسها بالتهميش والنسيان حتي أنهم يتعاملون علي أنهم ليسوا آدميين وشيئا فشيئا زاد عددهم في الشوارع والمناطق المختلفة في ظل تجاهل الدولة لهم مما خلق لديهم شعورا بالحرمان ورغبة في الانتقام وخاصة في ظل ما يرونه من ثراء فاحش علي ارض الواقع أو يشاهدونه في وسائل الإعلام. يشير صبحي إلي أن هذه القنبلة الموقوتة لم تأت من فراغ بل وساهم المجتمع في صنعهم ولهذا فهم في الحقيقة ضحية الجهل والفقر والتهميش والبطالة والطلاق والزواج العرفي والزنا والإهمال والتسرب من المدارس و تأثير النظراء وعوامل أخري اجتماعية نفسية لها صلة بالمحيط الاجتماعي أو شخصية الطفل مثل البحث عن الإثارة ومحاولة إثبات الذات وقد رسبت نشأتهم القاسية في الشوارع وتحت الكباري وفي المساكن العشوائية عدم الانتماء لهذا البلد. وانهي صبحي كلامه بالتأكيد علي وصفه أن هؤلاء الأطفال من السهل استقطابهم وتوجيههم للقيام بأعمال غير مشروعة لعدم وجود انتماء لديهم تجاه الوطن لان بداخلهم حقد تجاه المجتمع وأفراده الذين ينظرون إليهم نظرة سلبية ولهذا ليس مستغربا تصرفهم وهم يحرقون المجمع العلمي ويعتدون علي قوات الجيش وسيفعلون المزيد في المستقبل بحثا عن أي أمل لتغيير واقعهم المأساوي حتي ولو كان ما يحصلون عليه جنيهات معدودة. مسئولية المجتمع وربطت الدكتورة عزة كريم.. أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أسباب عدوانية هذه الفئة بالظروف الصعبة التي نشأوا فيها من جانب وسوء التعامل معهم علي المستوي الرسمي ممثلا في الدولة ومؤسساتها من جانب آخر وضاعف الكارثة عدم كفاية الجهود الأهلية التي تقوم بها من خلال الجمعيات الخيرية المخصصة لرعايتهم وتقاعس معظم منظمات المجتمع المدني عن خدمتهم فضلا عن تجاهل القطاع الخاص وتخليه عنهم في ضوء تقلص دوره عن تقديم الرعاية لهؤلاء الأطفال مما أدي إلي تسريحهم من الجمعيات التي حاولت مساعدتهم وعودتهم إلي الشوارع مرة أخري. وأوضحت الدكتورة عزة أن هناك ارتباطا بين انفجار مشكلة أطفال الشوارع وسوء الأحوال الاقتصادية وانفلات الأوضاع الأمنية وكثرة الأموال المخصصة لإثارة القلاقل في مصر بعد ثورة 25 يناير حيث بدأوا يظهرون في خيمات ميدان التحرير سواء أثناء الثورة علي أمل تغيير واقعهم الي الأفضل وكذلك بعد الثورة من خلال قيام بعض فلول الحزب الوطني وأعداء الوطن في الداخل والخارج باستخدامهم في الثورة المضادة وظهرت عليهم السعادة لوجودهم بين الثوار وشعروا أن لهم قيمة وهناك من يهتم بهم ولو في التدمير وشعروا أنهم سعداء لأنهم يتعاملون باحترام ممن يعطونهم الأموال ويضعون لهم الخطط التدميرية. ومع هذا فمن الصعب التعميم بأن البلطجية وأطفال الشوارع وجهان لعملة لأن هناك فئات كثيرة يتم استئجارها للتخريب بمقابل مادي للقيام بما يكلفون به من هذه الأعمال التخريبية التي يتم تصويرها أنها من قبيل البطولة. وقالت الدكتورة عزة: قمنا من خلال المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بإعداد دراسة عن أطفال الشوارع وتم تقسيمهم إلي أربع فئات أولها :المتسربون من البيوت.وثانيها:الهاربون من الأحداث أو الخارجين منها بعد العقوبة وثالثها فئة الخارجين من دور الأيتام بعد بلوغهم ثمانية عشر عاما.ورابعها فئة المفقودين الذين ضلوا الطريق أو تغيبوا عن أسرهم في ظروف غامضة وتأوي محافظة القاهرة ثلث عدد المشردين في مصر الذين لا توجد إحصائيات دقيقة لعددهم. وهناك من يقسم هؤلاء الأطفال إلي ثلاثة أنواع أولها يعيشون بين الشارع والبيت وثانيها أطفال يشتغلون بالشوارع لا يحققون دخلا كافيا وثالثها أطفال يتعرضون للاستغلال البشع من طرف الشارع سواء عن طريق تشغيلهم في ظروف صعبة أو استغلالهم الجسدي ووضعية كل هؤلاء الأطفال متشابهة من حيث المبيت في الشوارع مما يجعلهم عرضة لكل التقلبات المناخية من برد أو حر شديد أو ريح عاصفة مما يصيبهم بأمراض مختلفة خطيرة. أنهت الدكتورة عزة كلامها بالتأكيد علي حل ان المشكلة لن يتم بين يوم وليلة بل انه سيستغرق سنوات طويلة لأنها نتاج تراكمات سنوات طويلة من الإهمال وظروف صعبة للأسر والمجتمع . تجفيف المنابع ويري الدكتور سعيد إسماعيل علي الأستاذ بكلية تربية عين شمس أن هناك أسبابا عديدة تجعل أطفال الشوارع أقرب للإجرام مع أنهم في الحقيقة ضحايا لا جناة ومن هذه الأسباب أنهم لا يدركون الصواب من الخطأ لحرمانهم من التربية والتنشئة السليمة ومن المأكل والملبس الصحي ولهذا يلجأون للسرقة و قطع الطرق إذا لم يتمكنوا التسول ولهذا فإن التصدي لهذه الكارثة يقتضي تبنِّي حزمة متكاملة من الإجراءات غير المسبوقة لتجفيف المنابع والقضاء علي أسباب تفاقمها وليس مواجهة آثارها فقط ويجب سن مزيد من القوانين الجديدة للأمن الاجتماعي واتخاذ تدابير تربوية بعيدة عن الإجراءات الجنائية العادية. معالجة اقتصادية يشير الدكتور حسين شحاتة أستاذ المحاسبة بجامعة الأزهر وخبير الاقتصاد الإسلامي بالعديد من المؤسسات الدولية إلي أن إعطاء الزكاة لأطفال الشوارع من خلال إنشاء مشروعات صغيرة تحولهم من عاطلين إلي منتجين بضوابط شرعية من أهمها :الدراسة السليمة للمشروع الصغير من حيث أنه نافع ويتفق مع أغراض الشريعة الإسلامية وتدريب طفل الشوارع علي حرفة أو مهنة تلائم المشروع الصغير وأن يتولي الإشراف علي المشروعات الصغيرة لأطفال الشوارع جهة رقابية يتوافر في أعضائها القيم الإيمانية والأخلاقية بجانب المهارة الفنية. محاربة الظلم الاجتماعي وقال الشيخ جمال قطب الرئيس الأسبق للجنة الفتوي بالأزهر:اهتم الإسلام بحماية الأطفال من الانتهاك بشكل يفوق التشريعات الدولية بهدف تأمين مستقبل لهم لمجتمعاتهم.. كما وضع الدين أسسا للتعامل مع الطفل تمنع من استغلاله مثل محاربة الظلم الأجتماعي والأب ملزما بالانفاق علي أبنائه فإن لم يستطع أوجب له حق الزكاة من القادرين فإن لم تكف كان له من الصدقات مع التأكيد علي عدم تواكل الآباء فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ¢ والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب علي ظهره فيتصدق به علي الناس : خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه¢. وحاول الشيخ جمال قطب الربط بين الانحطاط الأخلاقي وغياب الوعي الديني للوالدين وظروفهم الاقتصادية الصعبة مما يدفع الأبناء إلي الهروب للشارع التعرض لكافة أشكال الاستغلال المادي والجنسي والبدني وسوء المعاملة والحرمان النفسي لتوفير لقمة العيش وقد تعودوا التعرض لحملات قبض جماعية من الشرطة ويتعرضون للضرب والإيذاء الجنسي والابتزاز سواء علي يد الشرطة أو من المحتجزين الجنائيين البالغين. العلاج الشرعي طالب الدكتور حامد ابوطالب عضو مجمع البحوث الإسلامية أثرياء المسلمين بتوجيه جزء من زكاتهم لحماية أطفال الشوارع المشردين الذين لا مأوي لهم لأنهم من الفئات المستحقة لأموال الزكاة- حيث يجوز إعطاء الزكاة لهم أو لذويهم مباشرة أو إنشاء مشروعات صغيرة لهم من الزكاة لحل مشكلتهم والحد من تفشي هذه الظاهرة ولست مبالغا إذا قلت - والكلام للدكتور أبو طالب - أنهم يستحقون الزكاة بأكثر من وجه فهم فقراء ومساكين وأبناء السبيل. مسئولية الجميع يؤكد الدكتور عطية فياض أستاذ الفقه بجامعة الأزهر أن غياب الوعي الديني وعدم تطبيق الدين تطبيقا سليما في حياتنا بالإضافة إلي ظروف المجتمع هي التي جعلت هذه الفئة موجودة وفي تزايد مستمر حيث امتنع أو تكاسل كثير من الأغنياء عن إخراج الزكوات والصدقات وغلبت الماديات علي كثير من الناس الذين يحبون المال حبا جما. بالإضافة إلي تراجع قيم العطف والرحمة والرفق وغياب الإقبال علي الوقف فأصبح هؤلاء ضحية الانحراف الأخلاقي والفقر والأمية والبطالة والفهم الخاطئ لبعض المعتقدات الدينية مثل الاعتقاد بأن كثرة الأطفال رزق وأن تنظيم الإنجاب حرام شرعا حتي لو كان الأب فقيرا جدا ويعجز عن الإنفاق علي أسرته.