بعد سنوات طويلة من إهمال التعامل الجاد مع مشكلة أطفال الشوارع تضخمت الكارثة حتي نتج عنها مأساة أكبر وهي أبناء أطفال الشوارع الذين تحولوا إلي سلعة رائجة. في سوق تجارة الأعضاء وبؤرة لتفريخ البلطجة وفتيات الليل.المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أجري دراسة جادة عن هذه القضية ودق ناقوس الخطر لجميع الجهات المعنية قبل أن تتضخم الكارثة. الدكتورة عزة كريم أستاذ الاجتماع بالمركز تشير إلي أن الدراسة التي قامت بتقديمها أخيرا حول هذه القضية تتلخص في الأصل في أن كارثة هؤلاء الأطفال أنهم بلا هوية أو إثبات شخصية فأصبحوا معرضين للبيع والاتجار بأعضائهم واستغلالهم والخوف من التعرض للمسئولية الجنائية.. حيث تبدأ المشكلة بأن أطفال الشوارع ومن بينهم البغاة يخرجون إلي الشارع غالبا من سن تسع أو عشر سنوات ويبدأون حياة الشارع بالاتجار في أجسامهم باعتبارها الثمن المتاح والسهل لهن ويمكن دفعه إذا احتاجن لأي شيء سواء مكانا للنوم أو المال أو الطعام والحماية من الشارع. وبالتالي فان هناك كارثة أكبر تتولد عن مثل هذه الممارسات وفي الانجاب غير الشرعي وهؤلاء الأطفال مصيرهم إما البيع أو الاتجار بأعضائهم أو التشرد أو الموت والهلاك لظروف الشارع الصعبة.. فهناك من يرغم بنات الشوارع علي بيع أبنائهن منذ الحمل أو بعد الولادة مقابل مبالغ مالية, وهناك اعداد كبيرة من الناس يرغبون في شراء أطفال بنات الشوارع نظرا لأن هؤلاء الأبناء يتفردون بسمات وظروف خاصة أهمها أنه لا توجد لديهم شهادات ميلاد حيث تهرب الفتيات من المستشفي بمجرد الولادة خوفا من تحرير محاضر لهن عن الانجاب غير الشرعي فيتاح بذلك للمشتري ان يقوم بتزوير شهادة ميلاد للطفل ويضع الاسم والنسب الذي يرغب فيه. وكذلك الإقبال الكبير من الأفراد علي شراء هؤلاء الأطفال أكثر من اللجوء إلي المؤسسات, نظرا لأن أبناء المؤسسات يحتاجون إلي توفير أوراق ومتابعة مستمرة من المؤسسة لا يسمح لهم بالتبني وأيضا القيام بإجراءات روتينية صعبة.. أما أطفال بنات الشوارع فالمشتري يحصل عليهن دون رقابة أو جهد أو محاسبة أو مساءلة من أحد ويربحون منهم حيث يباع الطفل بسعر1000 إلي3000 جنيه. وكذلك فإن من أهم السمات أن فتاة الشارع تنجب عددا كبيرا من الأبناء لطول فترة الخصوبة وهي غير قادرة علي تربيتهن معنويا وماديا أو حتي حمايتهن.. لذلك تري أن البيع يضمن وجود أحد يرعاهم ويربيهم أفضل من الشارع ولا تفكر أن ابنها يمكن أن يستخدم في تجارة الأعضاء أو في أغراض سيئة. وبالإضافة إلي ذلك كما تضيف د.عزة كريم فان فتاة الشارع تعيش مأساة حقيقية حينما تنجب أطفالا من شخص تعرفه أو لا تعرفه خاصة من بلطجية الشوارع( وما أكثرهم) وهم أبناء شوارع يقومون بحماية الفتيات بدلا من الشرطة التي دائما ما تؤذيهن وتعاملهن بقسوة. ولهذه الأسباب فإن هذه المشكلة المسكوت عنها لابد من النظر إليها كي تعالج بطرق غير تقليدية تحمي أطفال الشوارع وأبناء بنات الشوارع من الضياع, حيث ان هؤلاء الأطفال أيضا يهربون من بيوتهم دون أوراق أو شهادات ويصبحون دون هوية يكتسبون هويتهم إذا اشتراهم شخص ما وينسبونه إليه.. أما إذا ظلوا في الشارع فيظل الأبناء والأمهات دون أوراق تثبت الهوية أو الجنسية أو الديانة وهنا يجب أن ننبه أن العلاج يجب أن يتم بشكل مختلف عن بقائهن في مؤسسات يهربن منها أو حجزهن في الأقسام أو عودتهن إلي أسرهن التي كانت سببا لخروجهن إلي الشارع. وهو ما يقودنا إلي الحديث عن جزئية أخري علي درجة هامة من الأهمية يجب ألا نغفلها قبل ان نتطرق إلي كيفية العلاج وهذه الجزئية تتمثل في التكلفة الاقتصادية العالية لأطفال الشوارع وأبنائهم وهي تنقسم إلي نوعين: أولهما التكلفة المباشرة وتتمثل في الانفاق العام المتوقع زيادته كلما زادت هذه الظاهرة ويتمثل فيما تنفقه الحكومة علي محاربة الأمراض وممارسة الجريمة( خاصة السرقة) وتعاطي المخدرات, وبالتالي فان زيادة اعدادهن من الطبيعي أن تؤدي إلي زيادة الانفاق العام في مجالات التعليم والصحة والجريمة وهو ما تقوم به وزارتا الصحة والداخلية ويتمثل الدعم المباشر لأبناء الشوارع وأبنائهم كما تضيف أستاذ علم الاجتماع فيما تقدمه الحكومة من تمويل لمؤسسات ايواء لهم.. أما التكلفة الاقتصادية غير المباشرة فهي تتمثل فيما يضيع علي الاقتصاد القومي من إنتاج نتيجة لضياع إنتاجية هؤلاء الأطفال وأبنائهم فيما بعد.. حيث تمثل متوسط إنتاجية الفرد علي المستوي القومي ما يضيعه طفل الشارع مستقبلا علي الاقتصاد القومي سنويا نتيجة هروبه إلي الشارع وانغماسه في الأعمال الهامشية.. فكل طفل يهرب إلي الشارع يعني ضمنيا انه سيضيع علي الدولة في غضون عشر سنوات أو أكثر أو أقل أي عندما يصل إلي سن العمل مبلغا وقدره في المتوسط21 ألف جنيه سنويا وهو ما يعني أن التكلفة الضمنية أي التكلفة العامة غير المباشرة لأطفال الشوارع مرتفعة بالنسبة للاقتصاد القومي ككل وتفوق كثيرا التكلفة المباشرة لهذه الفئة جرائم وجنح وأيضا لتقدير الحجم الحقيقي لتكلفة هذه الظاهرة علي أرض الواقع في وزارتي الداخلية والتضامن فإننا نستعرض بعض الأرقام ذات الصلة بينها, ففي تقرير الأمن العام لسنة2007 نجد أن عدد الأحداث المتهمين في جنايات وجنح يبلغون21210 أحداث بالمقارنة ب17417 في سنة2006 أي زيادة قدرها3793 حدثا خلال عام واحد!! ومن المتوقع أن يكون أطفال الشوارع هم القائمين بجزء كبير ان لم يكن الجزء الأكبر من هذه الجنايات والجنح.. وبالتالي فإن انخفاض عدد أطفال الشوارع في مصر متوقع أن يؤدي إلي تخفيض الانفاق العام للحكومة ممثلة في وزارة الداخلية. أما بالنسبة لوزارة التضامن الاجتماعي التي تقوم بانشاء وتمويل مؤسسات الايواء الحكومية لأطفال الشوارع وأبنائهم فيما بعد وهو مايدفع أيضا تحت التكلفة العامة المباشرة.. فلقد بلغت الميزانية الأساسية لهذه المؤسسات ومبالغ الدعم الإضافي لها طبقا لموازنة العام المالي12,12009/2008 مليون جنيه ومما لاشك فيه أن هذا المبلغ يعد ضئيلا للغاية مقارنة بحجم هذه الظاهرة. العلاج.. ما هو؟ بالنسبة لكيفية العلاج فهي يجب أن تعتمد في المقام الأول علي القضاء علي عنصر الخوف الموجود لديهم سواء من الشرطة أو المستشفيات أو أية جهات رسمية يتعاملون معها.. فهم يخشون الإبلاغ عن أي شيء يتعلق بهم أو بسلوكياتهم, ومن هنا فان المطلب الأساسي هو الحماية المجتمعية البعيدة عن الترهيب هي نقطة الانطلاق الأولي للتعامل مع طفل الشارع وكذك توفير المساعدة الكاملة لاثبات هويتهم واثبات هوية أبنائهم باتخاذ خطوات إجرائية سريعة بمشاركة المجتمع المدني سواء الأهلي أو القطاع الخاص أو رجال الأعمال بهدف فتح مراكز استقبال نهارية من خلالها تتم عملية الرعاية والحماية. العلاج القانوني المعالجة القانونية شق مهم في القضية يشير إليه اللواء د. محمد صبحي الخبير الأمني والقانوني قائلا إن مشكلة أطفال بنات الشوارع تعد افرازا مأسويا من إفرازات المشكلة الأم وهي مشكلة أطفال الشوارع.. وتزايدت اعدادهم وتجمعاتهم مؤخرا إلي أرقام مؤسفة يندي لها الجبين.. والمعالجة القانونية لهذه المشكلة تكفل بها قانون الطفل المصري الصادر سنة1996 والمعدل بالقانون الصادر سنة2008 من خلال تصدير لحالات الجنوح والخطورة الاجرامية المتولدة عنه. حيث وضع القانون العديد من الإجراءات الكفيلة بمواجهة هذه الظاهرة بنصوص قانونية واضحة وحاسمة.. ولكن بدون عقوبات رادعة.. فالمشكلة الحقيقية تكمن في عدم وجود آليات فاعلة تضم كافة القوي الاجتماعية بدلا من الجهود الحالية التي تتسم بالعشوائية والارتجالية الشديدة.. وهذه المشكلة سوف تتفاقم خاصة في ضوء تنامي وزيادة ظاهرة الاتجار في الأعضاء البشرية.. فالقانون الخاص بهذه الجزئية أحد الحلول لمواجهة الظاهرة.. أما فيما يتعلق بقانون الطفل فنجده يحدد إجراءات تتمثل في قيام أجهزة الشرطة بضبط الأطفال بلا مأوي الهائمين في الشوارع وعرضهم علي اخصائيين اجتماعيين لاصدار تقارير بشأنهم ثم عرضهم علي النيابة الجزئية الخاصة بالأطفال لاحالتهم إلي المحكمة في حالة التأكد من ان الطفل قد تم ضبطه وهو يتعرض للانحراف.. وهنا تصدر المحكمة قرارها بإيداعه احدي مؤسسات الرعاية الاجتماعية التابعة للدولة. وعلي الرغم من وجود كل هذه الإجراءات المحددة كما يضيف لواد د.محمد صبحي فانه لا يتم تطبيقها بشكل متكامل نظرا للعشوائية الشديدة التي يتم بها التعامل مع القضية برمتها. وعلي الجانب الآخر فهناك صعوبات مالية في انشاء مراكز تتحمل استيعاب مثل هذه الأعداد من أطفال الشوارع وأبنائهم والانفاق عليهم وتحسين مستوي معيشتهم رغم ان كافة المواثيق والمعاهدات الدولية وكذلك الدستور المصري يؤكد علي كيفية التعامل مع الظاهرة إلا أن جهود مصر في مواجهتها لاتزال ضعيفة.. ولا يمكننا أن نغفل هنا دور وزارة الداخلية من حيث قيامها بانشاء الإدارة العامة لشرطة رعاية الأحداث. إلا أن هذا الدور لا يتكامل ولا يتضافر مع جهود وأدوار أخري لابد أن تتواجد وتتوحد لمواجهة هذه المشكلة.