تنفرد أحكام الفقه الإسلامي بأنها عالمية في توجيه أحكامها لكافة البشر في كل مكان من بقاع الأرض وفي كل زمان. فهو ليس خاصاً باقليم معين. أو جنس خاص ذو صفة معينة. والبراهين علي عالمية الفقه الإسلامي وصلاحيته لكل زمان ومكان كثيرة. ولكن قبل أن نبنيها نزيل لبساً يثور لدي بعض من يزعم بتساؤل مخادع: إذا كانت أحكام الفقه الإسلامي عالمية تبعاً لعالمية شريعته - فلم نزل في أرض العرب وبلغتهم بالرغم من عالميته؟! ويرد بأن المتصف بأنه ليس له مكان وأنه موجود في كل مكان هو المولي عزوجل وحده تنزهت ذاته وصفاته. أما البشرفليس لهم هذه الصفة فلا يجوز اجتماعهم في أكثر من مكان في آن واحد. فإذا قلنا بضرورة عالمية رسالة محمد كما أراد المولي عزوجل فلابد أن نبدأ من مكان أيا ما كان هذا المكان. ولكن كل ما يصدر عن السماء لحكمه. فكانت جزيرة العرب اختياراً سماوياً لبداية انطلاق التشريع الإسلامي لكل أرجاء العالم. ولأن هذه الأرض سليلة الرسل والأنبياء فقد كان فيها أبو الأنبياء إبراهيم ومن بعده ابنه اسماعيل وفي امتداد الجزيرة تركزت معظم الرسالات السماوية عيسي وموسي في الشام وحتي مصر وكثير من الأنبياء زكريا ويحيي في أرض الشام. فالتاريخ الديني لهذه المنطقة يعطيها قداسة وتكريما وفيها البيت المشيد من الملائكة وابراهيم كما يتمتع إقليم الجزيرة العربية بمحورية للعالم كله ييسر اتصاله بكافة بقاع العالم. ثم اقترابه من الكثافات السكانية في بلاد الفرس والروم والحضارة الهندية وامتداد الجزيرة في حضارة الهلال الخصيب والرافدين. ثم ما كان يتمتع به أهل جزيرة العرب من خصائص فريدة في طباعهم الشخصية من جرأة وإقدام وما عرفوا به من الكرم وروح الإصرار. خلافا لما كانت عليه أوروبا في هذا الوقت من عصور الاقطاع وسيادة الفرسان والنبلاء وظلم العبيد والتفرقة بين الأجناس. كما أن خلو ذهن العرب من عقيدة سابقة لمرور زمن ليس بالقصير علي آخر رسالة يحقق لهم المزية في الاستعداد للتلقي. وكان اختيار لغة العرب لما تميزت به من البلاغة والإعجاز والبيان في أبسط عبارة من أناس غلبت عليهم الفطرة واستفزازهم ببلاغتهم لتحدي وجدال من يباريهم بما يظهر قوة تفوقه لو فاز بإقناعهم. - أما ما يؤيد العالمية من تصرفات فعلية أو قولية ومن نصوص سماوية: من الناحية الفعلية والعملية: فإن الإسلام يعتبر مبدأ حرية ا لإنسان واحترام حقوقه من أهم مبادئه لذا فإنه لم يقتصرعلي جنس أو لون بل فتح بابه لكل الأجناس والأقوال علي أساس من الأخوة والتكافل فدخله من كل بقاع العالم من دخله استناداً إلي هذه المساواة فدخل الإسلام من فارس - والهند وكان من أئمته وفقهائه وعلمائه من هم من غير العرب وعلي سبيل المثال لا الحصر نجد الصحابي الجليل سلمان الفارسي ثم من الفقهاء الإمام أبوحنيفة ذو الأصل الفارسي. والإمام البخاري المحدث الجليل صاحب أعظم الكتب الصحاح من بخاري جنوبروسيا الآن والإمام مسلم المحدث الكبير وصاحب ثاني أكبر صحاح من نيسابور من أعمال خراسان والإمام ابن حزم والفيلسوف ابن رشد وأبو حامد الغزالي وغيرهم من أئمة التفسير كالقرطبي من قرطبة وغيرهم مما يبين عالمية الرسالة وأنها ليست حكراً علي العرب. - دلائل العالمية من أفعال النبي وتصرفاته: ثم توجيه الرسل دعوته في رسائل لملوك وأمراء الدول في شتي الأرجاء يدعوهم للإسلام أمثال المقوقس ملك القبط بمصر وقيصر الروم وكسري فارس ونجاشي الحبشة ولو كانت دعوته محليه ما كان شأنه بهؤلاء. - دلائل العالمية من نصوص القرآن: ثم أسلوب الخطاب في الكتاب الكريم حيث يوجه الخطاب للأنبياء جميعاً مقصوراً علي أقوامهم كما في قوله تعالي: "إنا أرسلنا نوحاً إلي قومه" نوح آية "1" وقوله: "وإذ قال موسي لقومه ياقوم لم تؤذونني". الصف آية "5" وقوله "وإذ قال عيسي ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم". الصف "6" - أما الخطاب لمحمد فيوجه لجميع البشر كقوله تعالي: "ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا" آل عمران "64" وقوله تعالي "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" الانبياء "17" و"وما أرسلناك إلا كافة للناس" سبأ "28"وقوله "قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا" الأعرف "158" - انتشار المسلمين في العالم الدليل الواقعي للعالمية: وأكبر الأدلة علي استمرار العالمية وانتشارها هو انتشار الإسلام في كل أرجاء المعمورة من العملاق الأصفر الصين وبجواره الهند ومنطقة جنوب شرق آسيا وجمهوريات روسيا الإسلامية الجنوبية ومنطقة البلقان حيث دول وأقاليم بأكملها كجمهورية البوسنة بيوغسلافيا القديمة وألبانيا ومقدونيا وقبرص التركية وما نسمع عنه من دخول أساطين من علماء أوروبا عندما يتفحصون تعاليم الإسلام ورحمته بالناس وانتشار المراكز الإسلامية في كل بلاد العالم ودعوة هؤلاء في المؤتمرات الدولية إلي حاجتهم الماسة لمعرفة المزيد عن الفقه الإسلامي.