من أخطر الأفعال وأشنعها.. أن يستبيح عالم دين دينه ويطوعه لهوي الحاكم أو النظام ويبني فتاواه لخدمة المصالح السياسية أو بحثاً عن الجاه والسلطان.. لذا فقد أجمع علماء الإسلام علي أن أمثال هؤلاء ليسوا بعلماء والدين منهم براء.. وهم أشد خطورة علي الإسلام من أعدائه لأنهم يهدمون الدين بأنفسهم. "عقيدتي" ناقشت القضية مع عدد من العلماء فكان هذا التحقيق.. الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ ورئيس قسم الفقه بجامعة الأزهر قال: من المتفق عليه شرعاً أن الإسلام دين دولة سياسة وشريعة وأخلاق ومن يفصل الدين عن الدولة يعتبر خارجاً عن الملة ويصدق عليه قول الله عز وجل: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب" البقرة آية: .85 ومن ثم فليس في الإسلام ما يسمي بفتاوي سياسية وفتاوي غير سياسية فالفتوي تشمل جميع جوانب الحياة السياسية والمعاملتية والعيادية والأخلاقية ولأجل ذلك فإن هذا المفهوم الذي اختمر في أذهان سطحي هذه الأمة من أنصاف المتعلمين الذين ابتلي زماننا بهم والذين ضل سيعهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وأضاف: الدين مجاله العبادات أما السياسة وأمور الحكم فلا ينبغي أن يكون للدين علاقة بها.. أما أن يقحم بعض الناس فتاواه اقحاماً ليخدم بها المنصب الذاتي لتبوأه فيغازل السياسيين تارة ويغازل التيار العام السائد في الدولة تارة أخري فإنه لا يصلح للإفتاء بأي حال من الأحوال وذلك لأن الفتوي تقتضي مفتياً متجرداً لبيان شرع الله تعالي باعتبار أنه يوقع عن الله عز وجل ولا ينبغي أن يكون الموقع عن الله مبتغياً بهذه الفتاوي جاهاً أو منصباً أو خطوة لدي أحد من الناس صغر شأنه أم كبر. وأكد علي أن الفتاوي التي يراد بها نيل أمور معينة لتحرير سياسة لا يقرها الشرع ليس لها مستند في شرع الله . ومما يؤسف له أن يحاول البعض سواء كان في منصب الفتوي أو غيره أن يغازل جهات الحكم ليحرر سياسة معنية فهؤلاء بعيدين كل البعد عن جوهر الإسلام ويجب علي ولي الأمر تعزيزهم ولابد أن يبطل تصدي للفتوي سواء كانوا من خريج المؤسسة الدينية أو لم يكن من خريجها. وأشار د. إدريس إلي وجود الكثير من الفتاوي السياسية المعيبة التي أصدرها مجمع البحوث الإسلامية بإجماع هيئة كبار العلماء منها إجازة تولي سوزان ثابت زوجة الرئيس المخلوع رئاسة مصر وقت مرضه.. وفتوي أخري تجيز أخذ أموال الزكاة لدعم البورصة فقد لاحظت أنه وقت استشراء الفساد يتعمد إصدار فتاوي فارغة بهدف إلهاء الناس بها وهذه هي الطامة الكبري. شروط المفتي أكدت الدكتورة مريم الداغستاني أستاذ الفقه بجامعة الأزهر علي أنه ليس كل رجل دين أهل للفتوي فهناك عدة شروط لابد من توافرها فيمن يتصدي للفتوي منها أن يكون علي دراية كاملة بكل آيات القرآن الكريم وتفسيرها وعلوم الحديث إن كان ضعيفاً أو مجهولاً كما يجب أن يكون ملماً بقواعد الفقه وأصوله كما ينبغي أن يكون متفهماً لأمور الحياة وعلي وعي بكل ظروف بلاده فإذا توافرت هذه الشروط في أي عالم دين صحت الفتوي وإن لم تتوافر فلا خير في فتواه. وأضافت: الدين ليس ببعيد عن السياسة ولا ينفصل عنها لكن أن يفتي المفتي لإرضاء الحاكم أو أصحاب السلطة فلا يجوز إطلاقاً كما أنه لا يصح للمفتي أن يجامل أي شخص أو يبغي من وراء فتواه الجاه أو السلطة.. فالفتوي لابد أن تكون خالصة لوجه الله تعالي. أما الدكتور سيد مهران مدرس الشريعة بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر فرع أسيوط فيري أنه قد يبدو غريباً علي القارئ إضافة الفتاوي إلي لفظ الشباك.. لكن هذه الغرابة تتبدي إذا علم أن تأثير الشباك لم يعد محصوراً أو مقصوراً علي أهل المغني أو الكرويين فحسب بل إن ثقافة الشباك طالت كل ما هو كائن في الحيز المجتمعي الراهن حتي تكرس ما يمكن تسميته بأخلاق الشباك في الثقافة المجتمعية المعاصرة وأعتقد أن المجالات العلمية والأكاديمية بل والشرعية لم تبق هي الأخري علي التعميم اللامطلق ولم تسلم من المؤثرات الشباكية. وأضاف: للأسف الشديد شاع في مجتمعنا ما يمكن تسميته بالفوضي الفتووية والتي تجاوزت كل ما له صلة بآداب وضوابط الفتوي ويبرز ذلك جلياً في زخم إنتاجها الأثيم والواقع أن أغلب هذه الفتاوي لا تتوخي العائد المادي بقدر ما تسعي إلي مطلق الشباكية بأبعد ما تتسع إليه من أغراض ومآرب قد تجاوز أطر المعاني الشرعية والقيمية بشكل كامل بداية من حب الظهور ولفت النظر والطفو علي السطح بتهافت فج مروراً بترضية الحكام والساسة واستحالتهم والتوضئة لهم وإطرائهم بكل ما يفعلون ويقولون.. كل ذلك بتملق سمج ممجوج حتي تصل الفتوي في غرطياتها إلي بغية شغل الناس عن مواجع كلية جامعة أو مطالب مشروعة وملحة. بل تجاوزت ذلك خاصة في النوع المدوي منها إلي إشارة الخلاف وتأجيجه ليثمر لهيب الفتنة وأشار إلي أن بعض الفتاوي قد تكون مفتعلة بتحريض من النظم الاستبدادية لشغل الناس بأي مشغل . ركان الفتوي وأكد د. مهران علي أن الفتوي العلمية لها أركان أربع. ما اختل أحدها اختلت الفتوي واختل مفتوها وهذه الأركان هي: أولاً: التصوير الدقيق للواقع بمرجعية وآلية التصوير لأن القاعدة تقول إن الحكم علي الشيء فرع عن صورته وما سلمت سلم الحكم والعكس. ثانياً: التكييف الصحيح للواقعة ويقصد بالتكييف هنا إعطاء الواقعة الوصف المناسب لها تأسيساً علي قواعد التوصيف المؤهلة في المجال المنسوبه إليه. ثالثاً: استقصاء الأدلة الصحيحة المعنية بالمسألة ثبوتاً ودلالة من حيث الثبوت ومدي قطعيته والدلالة ومدي تعلقها بالواقع. رابعاً: التنزيل والسليم للأدلة الصحيحة بالواقع وهذا معترك لا تثبت فيه إلا الأقدام الراسخة ولا تناله إلا المقاصد الصالحة والنوايا الصادقة.