حياة الإنسان مليئة بالمتاعب. محاطة بالمصاعب تكتنفها الآلام والأتراح. وفي ظل هذه الحياة المادية أصبحت حياة الأسر والأفراد مليئة بالشكوي جراء ضغوطات الحياة وحرها اللافح. وقد علمنا الإسلام كيف نزرع الأمل والتفاؤل في قلوب الناس. التفاؤل الذي يحول اليأس إلي أمل والهزيمة إلي نصر والضيق إلي سعة. فهو روح يسري في الروح "ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون". ولقد كان من عادة النبي - صلي الله عليه وسلم - أنه يحب الفأل ويكره التشاؤم. وقد طبق ذلك عملياً في أحلك الأوقات. ففي الهجرة يخرج شريداً. طريداً. ورغم ذلك يبشر سراقة ابن مالك بسواري كسري ابن هرمز. وفي غزوة الأحزاب يضرب الصخرة بمعوله ويقول: "الله أكبر ان أري قصور الشام وكنوز فارس". والتفاؤل والأمل لا ينفكان علي الثقة بالله. فإذا عظمت الثقة بالله صار الأمل يحدو الإنسان في كل جانب من جوانب الحياة. لأن التفاؤل يحول الكوخ إلي قصر منيف. والتشاؤم يحول خضر الجنان إلي نيران مستعرة. أما المتفائل فهو يتقلب في أودية الدنيا ويركب المخاطر وتهون عليه المصاعب. وينظر إلي ضوء الفجر في غياهب الليل المظلم. يطبق المثل السائر "تفاؤلوا بالخير تجدوه". يطير علي جناح الأمل ويصل إلي مراده رغم المتاعب والمصاعب. يتخيل أشجار الحديقة ترقص طرباً أما المتشائم فيتصور أشجار الحديقة الغناء تتآمر عليه وتشتعل عليه ناراً. وهناك عشرات الآيات في كتاب الله تعالي تدعو إلي التفاؤل والأمل حتي في أحلك الأوقات. قال تعالي: "حتي إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين" سورية يوسف آية "110". ولك ان تتخيل يوسف عليه السلام كيف انقلبت محنته إلي منحة. وألقي في البئر كما تلقي الأحجار. وبيع في السوق كما تباع العبيد. فارق أبويه أربعين سنة. ولبث في السجن بضع سنين مع المجرمين واللصوص. ثم يأتيه الفرج من الله العلي الكبير ويصبح أميناً علي خزائن الأرض. ويلتقي بأبويه وأخوته. ومن أهم الأمور التي تعين علي التفاؤل: الثقة بالله: هذه الثقة التي تنبع من كمال الإيمان. ظهرت مع يعقوب عليه السلام. حينما فارقه ابناه. فبكي عليهما حتي ابيضت عيناه من الحزن. فهتف قائلاً: "عسي الله ان يأتيني بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم" سورة يوسف آية "83". كما ظهرت هذه الثقة مع أم موسي حينما ألقت به في اليم. وظهرت مع ابنها موسي عليه السلام حينما عبر البحر ببني إسرائيل. والثقة بالله لا تنفك عن حسن الظن به "أنا عند حسن ظن عبدي بي" حديث قدسي. ومن الأمور التي تجلب التفاؤل طلاقة الوجه والابتسامة التي جعلها الإسلام صدقة يتقرب بها إلي الله "تبسمك في وجه أخيك صدقة" رواه الترمذي. وقد دلت التجربة علي ان 99% من الأشخاص يبادلونك الابتسامة إذا بدأت أنت بها. فتقاسيم الوجه والحالة النفسية تؤثر علي الأشخاص وتنتشر كالعدوي. لذلك دعا النبي - صلي الله عليه وسلم - إلي الابتسامة وطلاقة الوجه فقال: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق" رواه مسلم. ومن الأمور التي تدعوا إلي التفاؤل الكلمة الطيبة. فعود نفسك ألا تتلفظ إلا بالخير. فالقدر موكل بالمنطق. كذلك من الأمور التي تدعوا إلي التفاؤل ان يجعل الإنسان علاقته بالحاضر فقط. أما الماضي فلا تذهب نفسك علي ما مضي حسرات ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا. ولكن قل "قدر الله وما شاء فعل". أما المستقبل. "فلا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً". وربك كل يوم هو في شأن. يفرج هماً كرباً. ويقرب بعيداً. ويحيي أقواماً. ويميت آخرين. واجعل علاقتك بالأساس متعلقة بالحاضر. ومن رحم الحاضر يولد المستقبل. وانظر بعين الأمل والتفاؤل ودع عنك هذا المنظار الأسود. وأخيراً فإن حوادث الدهر وصفحات التاريخ تحكي مولد الأمل من رحم اليأس. فمن كان يظن أن تقوم للإسلام قائمة بعد ارتداد الناس بعد وفاة النبي - صلي الله عليه وسلم - ومن كان يظن أن الحجر الأسود يعود إلي أحضان الكعبة بع دان ظل عند القرامطة حوالي 22 سنة كما ذكر ابن كثير. وحج المسلمون بدون الحجر الأسود طيلة هذه المدة؟ ومن كان يظن ان بيت المقدس سوف يعود إلي حظيرة الإسلام علي يدي صلاح الدين بعد أن رزح تحت نير الصليبيين ما يزيد عن تسعين سنة؟ ومن كان يظن أن النظام الاستبدادي في مصر يتساقط كأوراق الخريف علي يد مجموعة من الشباب لا يؤبه لهم؟ أقول: إن بعد الشدة رخاءً وبعد الضيق سعةً وبعد الكرب فرجاً وبعد العسر يسراً. وإذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد فأعلم أن وراءها خضراء وأرفة الظلال. وإذا رأيت الحبل يشتد ويشتد فأعلم انه سينقطع وفي الليلة الظلماء يولد الفجر الصادق ويقولون متي هو؟ "قل عسي ان يكون قريباً".