ثانياً: من سمات المنهج البلاغ والبيان والحكمة البالغة والموعظة الحسنة: "فهل علي الرسل إلا البلاغ المبين" النحل: 35 قال تعالي: "ما علي الرسول إلا البلاغ" المائدة: ..99 قال تعالي: "فهل علي الرسل إلا البلاغ المبين" المائدة: 67. قال تعالي: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم" إبراهيم:4. قال تعالي: "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" النحل: 125. قال تعالي: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" آل عمران: 159 قال تعالي: "اذهبا إلي فرعون إنه طغي "43" فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشي" طه: 43. 44. الآيات كثيرة جداً بلاغا عن الله وبيانا بحكمه برحمة بأدب بتواضع. أيها الدعاة إلي الله اننا نتعامل مع ملائكة بررة ولا نتعامل مع شياطين مردة ولا نتعامل مع احجار صلدة انما نتعامل مع نفوس بشرية فيها الاقبال والاحجام فيها الحلال والحرام فيها الخير والشر فيها الفجور والتقوي فيها الهدي والضلال فكونوا علي بصيرة بمفاتيح هذه النفوس البشرية وهذه المفاتيح لأصول هذا المنهج الدعوي الذي حدده الله للأنبياء والمرسلين وهم أشرف من دعوا إلي رب العالمين. فلا يجوز لداعية علي الاطلاق ان يسلك هذا الدرب إلا وقد حصل أصول هذا المنهج الدعوي حتي لا تفسد من حيث تريد الاصلاح وحتي لا تضر من حيث تريد النفع. الحكمة هي فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي علي الوجه الذي ينبغي واركانها: العلم والحلم والاناءة وآفاتها واضدادها: الجهل والطيش والعجلة. والرحمة سمة رقراقة وصفة جميلة بها يفتح الداعية قلبه إلي الخير هل رأيتم طبيباً قط اغلق عيادته في وجه المرضي لأنهم دخلوا عيادته بالمرض بل لم يفتح عيادته إلا لاصحاب الأمراض وانتم أيها الدعاة أطباء القلوب فارحموا المرضي من أهل المعاصي والذنوب ووجهوهم إلي علام الغيوب وانقلوهم من المعصية إلي الطاعة ومن البدعة إلي السنة ومن الشر إلي الخير ومن الحرام إلي الحلال ومن الفجور إلي التقوي ومن الضلال إلي الهدي ولن يكون ذلك ابداً إلا بكلمة رقيقة إلا بكلمة رحيمة إلا بتواضع لله وذل وانكسار بين يديه جل وعلا لا تحدث الناس بلسان حالك يقول: أنا التقي وانتم الاشقياء وأنا المتبع وانتم المبتدعون أنا الطائع وانتم أهل المعاصي أنا التقي وانتم الاشقياء. لا ورب الكعبة قلبك كريشة ملقاة في جو عاصف تقلبها الرياح في ثانية عشرات بل آلاف المرات.. انت لا تضمن ابداً علي أي حال سيختم لك. قلبك بين اصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء ووالله لو تخلي الله عنا بسترة طرفة عين لافتضحنا في الدنيا قبل الآخرة ولا تنس قول ربك "ذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا" النساء: .94 تحرك بين الناس برحمة ولا أريد ان استدل علي كل عنصر فالادلة كثيرة لكن سأذكر حديثاً واحداً فقط رواه أبو داود وأحمد والترمذي وغيرهم وهو صحيح بمجموع طرقه. ان سلمة بن صخر وهو رجل من الانصار جامع امرأته يوماً في نهار رمضان ثم ظاهر منها يعني: قال لها: أنت علي كظهر أمي حتي ينصرف رمضان خشي ان يجامعها مرة أخري فظاهر منها حتي ينقضي الشهر وقع في أمرين عظيمين جامع وظاهر فلما أصبح قال لقومه: انطلقوا معي إلي رسول الله لأخبره خبري قالوا: لا والله لن ننطلق معك نخشي ان ينزل الله فينا قرآنا أو ان يقول فينا رسول الله كلمة تبقي عاراً علينا ابد الدهر فانطلق انت إلي رسول الله واصنع ما بدا لك. فانطلق سلمة بن صخر إلي النبي صلي الله عليه وسلم فأخبره أنه جامع امرأته في نهار رمضان ثم ظاهر منها فقال له النبي صلي الله عليه وسلم "أنت بذاك أنت بذاك" يعني: انت الذي ارتكبت هذين الأمرين العظيمين قال: أنا بذاك فقال له النبي صلي الله عليه وسلم: "أنت بذاك" قال أنا بذاك فأمض في حكم الله فإني صابر له يارسول الله فقال له النبي صلي الله عليه وسلم "اعتق رقبة" فضرب سلمة بن صخر علي صفحة رقبته هو وقال: والذي بعثك بالحق لا أملك غيرها. والذي بعثك بالحق لا أملك غيرها فقال له النبي صلي الله عليه وسلم: "فاطعم ستين مسكينا" قال: والله لقد بتنا الليلة بدون عشاء "لا يوجد مخرج" فقال له صاحب القلب الكبير بأبي وأمي وروحي: انطلق إلي صاحب صدقة بني زريق وهم قوم سلمة انطلق إلي صاحب صدقة بني زريق فقل له: يأمرك رسول الله ان تدفع لي الصدقة فأطعم منها ستين مسكيناً واستعن بما بقي منها أنت وعيالك".. فانطلق سلمة إلي قومه وقال: يا قوم والله لقد وجدت عندكم الضيق وسوء الرد ووجدت عند رسول الله السعة والبركة وقد أمرني ان تدفعوا لي صدقتكم فادفعوا لي فدفعوا له فأطعم ستين مسكينا واستعان بما بقي منها لأهله وعياله. هذا هو رسول الله صلي الله عليه وسلم لا نعدد هذه المناهج من أجل الاستمتاع السالب ولا للثقافة الذهنية الباردة الباهتة بل ليحول كل سائر علي هذا الدرب المنير هذا المنهج الرباني والنبوي إلي واقع عملي وإلي منهج حياة. هذا وما كان من توفيق فمن الله وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن اذكركم به وأنساه وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلي الجنة ويلقي به في جهنم.