لابد أن نعترف أن هناك خوفا وذعراً لا حدود له يسود داخل الكثيرين سواء داخل مصر او خارجها من تصاعد وتيرة الثورات والإنتفاضات الشعبية في العالم العربية.والغريب أن المسلمين والمسيحيين المصريين الذين حموا بعضهم البعض وهم يصلون خلال أحداث الثورة هم الذين خرج منهم البعض يتشاحن ويتعارك اليوم مما يطرح تساؤلا مهما حول ماهية الجهة التي شحنت الأجواء من جديد ولماذا عادت سحب الفتنة للتحليق مجددا بعدما ظننا انها ذهبت دون رجعة.. عقيدتي طرحت السؤال علي عدد من خبراء الإجتماع والسياسة في التحقيق التالي : بداية يقول الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الاسبق ¢ لابد أن نعي أن نجاح الثورات العربية أمر أقلق الكثيرون لأن الكثير من أعداء الأمة الإسلامية يعلمون أن زوال نظام مبارك في مصر علي سبيل المثال سيتبعه تحسن سريع في العلاقات بينها وبين إيران وهو ما يصب في صالح الوحدة الإسلامية وكذلك الحال بالنسبة لبقية الدول العربية التي تطالب فيها الثورات بتغيير الأوضاع هناك وهذا يعني عودة فكرة الوحدة الإسلامية للطرح بقوة وهو ما يخيف أعداءنا وهم كثيرون ويبدو أنهم لم يجدوا أمامهم سوي بث الفتن كوسيلة للقضاء علي نتائج الثورات المباركة¢. وتابع ¢ وإلا بماذا نفسر هذا الإحتقان الطائفي الذي ظهر من العدم في مصر فبعد أن كان المسلم يصلي في حماية المسيحي والمسيحي ينام وكنيسته في حماية المسلم نري بعض الجهلاء يهدمون كنيسة والبعض الاخر يشتبكون في خلافات وهمية أنا أري أن هناك بالفعل مخطط خبيث لجر مصر إلي مستنقع جديد وهو مستنقع الفتنة ولهذا فالحذر ثم الحذر مطلوب ومطلوب بشدة في هذه الفترة الدقيقة. ويضيف د. هاشم¢پ لابد أن يدرك الجميع ان جميع الشرائع السماوية تدعو الي المحبة والسلام والتعاون والاخاء والتنمية والرخاء وانطلاقا من الدور الذي تلعبه وزارة الاوقاف فقد أصدرنا بيانا دعونا فيه أبناء مصر البررة مسلمين ومسيحيين لعدم الانصياع إلي دعاة الفتنة والتخريب والانسياق وراء مروجي الشائعات ولذلك أدعو الجميع إلي تحكيم العقل وأعمال الضمير وترك النزاع ورأب الصدع وحقن الدماء والتعايش في حب وسلام وتآلف ووئام والوقوف بقوة في وجه اعداء الحب والنور والسلام¢. وأنا أدعو الجميع إلي ¢الوقوف صفا واحدا لمواجهة اي فتن طائفية ومحاربة الفوضي التي تؤدي إلي اضطراب المجتمع وشل حركته واستنزاف موارده . كما اناشدهم عدم الاساءة للآخرين فحرية التعبير لاتعني ابدا التشهير والتشكيك وتلويث الذمم بالباطل دون دليل¢. وعن كيفية مواجهة تلك المخططات يقول ¢ علي كل مسلم ومسيحي وخصوصا العلماء منهم الدعوة الي مواجهة الفتن وكيفية التصدي لها وان يكون التعبير عن الرأي بحرية بعيدا عن الاثارة والتخريب ويتم ذلك بصورة حضارية فهذا واجب ديني وقومي يجب ان يساهم فيه رجال الدعوة وأن يكونوا دائما في مقدمة الصفوف التي تدعو لحماية الوطن في هذه المرحلة الصعبة كما ان علي الدعاة ان يكونوا ايجابيين ويتفاعلوا مع نبض الشارع ويسهموا في حث الناس وتوعيتهم بالمخاطر التي تهدد أمن المجتمع فهذه وظيفتهم الاساسية منذ عهد الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم حتي تقوم الساعة¢. الأمية الدينية أما الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الاسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف فيقول ¢ الشواهد والأدلة تؤكد أن ما تتعرض له الدول الإسلامية بعد ثورة عدد من شعوبها للتخلص من أنظمة الحكم الفاسدة هي محاولات لجرجرة تلك الشعوب إلي أتون الفتنة سواء كانت دينية أو مذهبية حتي لا يحصد المسلمون ولا حتي الأقليات المسيحية نتيجة ثوراتهم¢. پوتابع ¢ ما يحدث اليوم في مصر وغيرها من المجتمعات العربية يعيدنا من جديد لمناقشة دور الصهيونية العالمية والأيادي الخارجية الأخري. وتحديدًا الصهيونية العالمية التي تريد أن تفتِّت هذا البلد وباقي البلاد الإسلامية والعربية من خلال إثارة المشاكل والنَّعرات الطائفية¢. وأشار ¢ يأتي ما يحدث في مصر في هذا السياق. وللأسف ربما تحدث بعض الاستجابة سواء بقصد أو من غير قصد» بسبب الجهل الديني سواء لدي هذا الطرف أو ذاك» لأن الأصل في الإسلام أو المسيحية هو السلام والأخلاق الحميدة¢. وأضاف د. واصل : القضاء علي الفتن التي يحاول البعض تصديرها لنا يقتضي منا ضرورة الوقوف بقوة أمام الأمية الدينية التي انتشرت بشكل كبير في مجتمعاتنا فالجميع يظن أنه علامة ويفتي بدون علم¢. وقال¢ وصل الأمر إلي قيام بعض الجهلاء بتنفيذ أراؤهم بالقوة مثلما فعل التكفيريون الذين حاول هدم أضرحة أل البيت ولهذا لابد من العمل علي التخلص من الأمية الدينية ونشر صحيح الإسلام الوسطي المعتدل الذي يقبل كل المذاهب والأديان ولا يقصي أحدا ولا يقصي فصيلا ولابد أن يعي كل مسلم أن هناك من يتربص بمجتمعه يحاول استعماره والإستعمار الان لم يعد استعمارا عسكريا ولكنه استعمار بطريقة فرق تسد مثلما فعل النظام المصري السابق الذي زرع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في مصر¢. الفتنة والديكتاتورية ويقول الدكتور رضا عريضة أستاذ علم الإجتماع بجامعة حلوان ¢ لابد أن نعي جيدا ان الفتنة الطائفية منتشرة في الدول الديكتاتورية ذات الانظمة السلطوية وليست في الدول الديمقراطية. فأوضاع الاقليات في هذه الانظمة اوضاع متغيرة وكل دولة لها ظروفها الخاصة اما في الحالة المصرية فالملاحظ منذ أوائل السبعينيات ارتفاع وظهور هذا الملف الطائفي بعد ان اصبح النظام تدريجيا واجهزته يرون فيه احد الوسائل لتمرير قانون الطوارئ وابعاد الاهتمام عن سياسية أو ابعاد الانظار عن اوضاع أخري الانظمة الديكتاتورية تري ان حكم مجتمع منقسم بين طوائفه اسهل من حكم ممتد ولذا كان من الطبيعي ان يقوم نظام الحكم بإنشاء ميليشيات سرية واجهزة اعلام واعلاميين يعملون لترويج الفتن الطائفية كلما احتاج النظام السياسي تشتيت انتباه الرأي العام وتدبير أي خطوات لقمع الآراء وأيضا لجذب الاقليات وتأييده خوفا من النتائج السلبية إذا لم تقف تلك الاقليات مع هذا النظام. ولذلك نجد أنه في الأربعين عاما الماضية كانت علاقات الطوائف الدينية في مصر كلها سيئة ومتوترة والعلاج انه كلما كان هناك ديمقراطية وشفافية وحقوق مواطنة للجميع كان اساس الحكم الشرعية واحترام حقوق الإنسان والاختلاف والتسامح. فتنخفض مثل هذه الظواهر¢ ويضيف د. عريضة ¢ لقد أن الأوان لأن نتخلص من ثمار ما زرعه نظام مبارك في عقولنا من دعوة إلي التنافر والتناحرپ وأن يتقبل بعضنا البعض الآخر. ليس فقط بسبب ما بيننا من توافق إنما بالرغم مما بيننا من اختلاف. ولنتذكر دائماً أن كلتا العقيدتين "الإسلام والمسيحية" تؤمن بالتعايش والسلام وتقبل الاختلاف الذي هو سنة الحياة. وأن كلاهما يؤمن بالله الواحد¢ ونحن متفائلون فمع ظهور نظام سياسي ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان. ويحارب التطرف والجماعات السياسية العنصرية. ستختفي هذه الظواهر ¢. هجمة شرسة ويقول الدكتور كمال زاخر المفكر القبطي المعروف ¢ الأمة العربية تتعرض بالفعل لهجمة شرسة سواء من داخلها من قبل فلول النظم السابقة والتي ساءها خروجها بهذه الطريقة المخزية أو من قبل قوي دولية تخشي من تحول المجتمعات العربية إلي مجتمعات حضارية يجتهد كل مواطنوها من أجل صنع مجد تلك المجتمعات وهو ما سيصب في صالح القوة العربية وهو مالاتريده الكثير من القوي الغربية وقد وضح ذلك جليا في التصريحات الصهيونية التي خرجت من تل أبيب عثب سقوط مبارك وعقب بدء الإنتفاضة الشعبية في ليبيا علي نظام القذافي¢. ويتابع ¢ بعد أحداث ثورة 25 يناير لابد أن يختلف التناول عما قبله لان الثورة كشفت عن إنه لاتوجد فتنة طائفية بالمعني الدقيق لكلمة. ولكن كانت هناك بعض الأجهزة والتيارات بالإضافة إلي بعض المستفيدين الذين قاموا بتكوين تحالف بينهم لاحداث حالة من عدم الاستقرار. وضرب الاندماج الوطني حتي يسهل التحكم في الشارع المصري والسياسي وكانت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين واحدة من النقاط المستهدفة من هذا التحالف ¢. ويضيف حبيب ¢ لهذا فلابد من إعادة تصحيح الخطاب الديني بحيث يصب في مربع إعداد مواطن صالح يعرف واجباته تجاه وطنه وشركائه في الوطن وهنا أشير إلي ضرورة إعطاء الأزهر الشريف صلاحيات الإشراف علي خطباء ووعاظ المساجد لفرض خطابه الوسطي المعتدل في مواجهة الخطابات المتشددة. والتي تستهدف أمن وسلامة واستقرار الوطن¢. المفكر الاسلامي فهمي هويدي يقول من جانبه ¢ لابد قبل أن نناقش أسباب الفتن والقلاقل التي يشهدها العالم الإسلامي اليوم سواء الفتن الدينية بين المسيحيين والمسلمين أو المذهبية بين الشيعة وإخوتهم السنة لابد أن نعي جيدا صحة المقولة التي تقول ¢أن المشروع الصهيونيپ يقوم علي أساس معادلة واحدة جوهرها أن شرط بقائه هو ضعف ما حوله¢. وبالطبع لا يوجد حول إسرائيل إلا الدول العربية والإسلامية ولهذا عملت إسرائيل علي إضعاف المحيط العربي والإسلامي كلها ولم تجد وسيلة لإضعاف هذا المحيط أفضل من بث الفتنة المذهبية والدينية. وتابع ¢هكذا ظهرت علي السطح مصطلحات التقريب ومصطلحات صدام الأديان وحوار الأديان وكلها مصطلحات صهيونية الصنع فالمفروض أنه لا يوجد خلاف بين السنة والشيعة حتي نحتاج لمصطلحات التقريب ولا يوجد صدام بين الإسلام وغيره من الأديان حتي نحتاج للحوار ولكنها مصطلحات خلقتها الصهيونية العالمية لصنع الفتنة بعد أن أدرك أصحاب المشروع الصهيوني أن شرط صعود المشروع النهضوي العربي الإسلامي هو إنهاء المشروع الصهيوني الذي يجثم كالسرطان في قلب الأمة العربية والإسلامية ¢. وختم ¢لذلك فإن تحرر الشعوب من أنظمتها العاجزة المستبدة وقيام أنظمة تعبر عن كرامة الأمة وحريتها وعزتها. سيؤدي إلي نظرة مختلفة في إدارة الصراع مع الكيان الصهيوني. لا تقوم علي قاعدة الأنانية القُطرية أو التبعية الغربية وإنما علي قاعدة نهضوية ترفض الدنية في دينها ودنياها ولا تقبل بأقل من تحرير الأرض والإنسان واستعادة كافة الحقوق المغتصبة¢.