لا يجوز تعطيل عمل العقل في مجال العقيدة ولا في غيرها مادام العقل لا يجنح في أودية الخيال الفاسد أو يتبع أوهاما كاذبة فالخيال والوهم لا يصلحان للعقيدة ولا لآي معرفة صحيحة العقيدة الإسلامية لا يعارضها العقل عملا بالقاعدة "العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح" والعقل الصريح هو العقل الخالي من الشبهات والشهوات والنقل الصحيح هو السالم من العلل والقوادح كما أن هناك قاعدة أخري هي: "إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل" وقد تحدث في هذا الموضوع تفصيلا ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله- في شرح العقيدة الطحاوية وهكذا إذا كان العقل صريح والنقل صحيح فلا تعارض البتة فيما بينهما أما إذا كان النقل غير صحيح والعقل صريح فيؤخذ بالعقل الصريح وأما إذا كان النقل صحيح والعقل غير صريح يؤخذ بالنقل الصحيح وأما إذا كان النقل غير صحيح والعقل غير صريح فيمكن ترجيح أحدهما بدون جزم أو تأكيد له. هذا وقد قرر علماء الإسلام المحققون أن إيمان المقلد المطلق غير مقبول لأنه لم يؤسس علي برهان ولم يقم علي حجة بينة بل علي تقليد محض قال الله تعالي: ".. إنا وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي آثارهم مقتدون" سورة الزخرف والقرآن يطالب كل ذي دعوي بإقامة البرهان علي دعواه وإلا طرحت ورفضت ولهذا قال في محاورة المشركين: "أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" سورة النمل. إن العقائد في الإسلام تؤسس علي البراهين اليقينية لا علي الظنون والأوهام ولهذا عاب الله المشركين بقوله تعالي: "وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون" 24 سورة الجاثية.. وقد حرم الإسلام علي المسلم أن يتبع الظنون والأوهام ويعطل أدوات تحصيل المعرفة الصحيحة وهي: السمع والبصر والفؤاد فقال الله تعالي: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" 36سورة الإسراء. وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إياكم والظن. فإن الظن أكذب الحديث" رواه الشيخان عن أبي هريرة.. فتعطيل هذه الأدوات والمنح الربانية ينزل بالشخص من أفق الإنسانية العاقلة إلي أفق البهيمية الغافلة بل ويجعل الشخص أضل سبيلا من الأنعام: "ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون" 179سورة الأعراف. ومن المعلوم أن هناك أمورا في العقيدة الإسلامية يتقدم فيها النقل علي العقل وهي أمور الغيب كوجود الله وملائكته واليوم الآخر وغير هذا وذاك فليس هنالك من مصدر صحيح للمعلومات عنها سوي الوحي المنزل من الله تعالي علي رسوله صلي الله عليه وسلم المؤيد بالآيات البينات الدالات علي صدق نبوته القاطعات بصحة رسالته.