حرص الجاهليون قديماً وحديثاً علي إثارة الشبه في الوحي. عتواً واستكباراً. وهي بلا شك شبه واهية ومردودة. 1 زعموا أن القرآن الكريم من عند محمد صلي الله عليه وسلم. صاغ أسلوبه وابتكر معانيه. وليس وحياً يوحي. وهذا زعم باطل» فإن محمداً إذا كان يدعي لنفسه الزعامة ويتحدي الناس بالمعجزات لتأييد زعامته. فلا مصلحة له في أن ينسب القرآن لنفسه. ويكون ذلك كافياً لرفعة شأنه والتسليم بزعامته. ما دام العرب جميعاً علي فصاحتهم قد عجزوا عن معارضته. بل ربما كان هذا أدعي للتسليم المطلق بزعامته. لأنه واحد منهم أتي بما لم يستطيعوه. لقد اتهم المنافقون زوجه عائشة بحديث الإفك. وهي أحب زوجاته إليه. واتهامها يمس كرامته وشرفه. وأبطأ الوحي. وتحرج رسول الله. وتحرج صحابته معه حتي بلغت القلوب الحناجر. وبذل جهده في التحري والاستشارة.. ومضي شهر بأكمله. ولم يزد علي أن قال لها آخر الأمر: "أما أنه بلغني كذا كذا. فإن كنت بريئة فسيبرئك الله. وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله" وظل هكذا إلي أن نزل الوحي ببراءتها. فماذا كان يمنعه لو القرآن كلامه من أن يقول كلاماً يقطع ألسنة المغرضين المتخرصين ويحمي عرضه؟ ولكن ما كان ليذر الكذب علي الناس ويكذب علي الله: "ولو تقول علينا بعض الأقاويل "44" لأخذنا منه باليمين "45" ثم لقطعنا منه الوتين". واستأذن جماعة في التخلف عن غزوة تبوك. وأبدوا أعذاراً. وكان منهم من انتحل هذه الأعذار من المنافقين. وأذن لهم. فنزل القرآن معاتباً له لخطأ رأيه "عفا الله عنك لم أذنت لهم حتي يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين".. ولو كان هذا العتاب صادراً عن وجدانه. تعبيراً عن ندمه حيث تبين له خطأ رأيه. لما أعلنه عن نفسه بهذا التعنيف الشديد. والمعهود في سيرته صلي الله عليه وسلم. أنه كان منذ نعومة أظافره. مثلاً فريداً في حسن الخلق. وكريم السجايا. وإخلاص القول. وقد شهد له قومه بهذا في مطلع الدعوة "ما جربنا عليك كذباً".. إن صاحب هذه الصفات العظيمة التي يتوجها الصدق. ما ينبغي لأحد أن يمتري في قوله حينما أعلن عن نفسه بأنه ليس واضع ذلك الكتاب "قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ان أتبع إلا ما يوحي إلي". وللحديث بقية..