تعوّد الصوفيون أن يحتفلوا بموالد الأولياء والصالحين في ذكري وفاة هؤلاء الأولياء.. كل واحد حر يضرب نفسه بخنجر أو سكين أو خنزير.. لكن .. يجب ألا يؤخَذ ذلك علي أنه عقاب علي ما جري لسيدنا الحسين. وكل أمة لها نصيب من يوم عاشوراء. سيدنا نوح عليه السلام نجاه الله من الغرق ورست مركبه علي جبل "الجودي" يوم عاشوراء.. سيدنا إبراهيم عليه السلام نجاه الله من النار يوم عاشوراء.. سيدنا موسي عليه السلام نجاه الله من الغرق يوم ضرب البحر بعصاه ¢ فانفلق كل فلق فكان كالطود العظيم ¢ يوم عاشوراء.. سيدنا عيسي عليه السلام رُفِع يوم عاشوراء.. سيدنا يونس نجاه الله من بطن الحوت يوم عاشوراء.. سيدنا أيوب شفاه الله وعوضه عن أولاده وأمواله يوم عاشوراء. كل أمة تتبع نبياً من هؤلاء الأنبياء أو كل من يحبهم يجب أن يحب يوم عاشوراء.. ويحتفل به.. لكن.. أين نصيب الأمة المحمدية من يوم عاشوراء؟ لا النبي وُلِد يوم عاشوراء ولا الإسراء والمعراج كان يوم عاشوراء.. لا فتح مكة كان في ذلك اليوم ولا انتصار المسلمين في غزوة من غزواتهم كان فيه.. فهل تفرح كل الأمم بيم عاشوراء ما عدا الأمة المحمدية؟ لقد استشهد سيدنا الحسين في كربلاء يوم عاشوراء.. لكن.. هل هذا الحادث يدعو إلي الفرح؟ إن كل المظاهر السابقة فيها فرح.. نجاة من غرق.. نجاة من نار.. نجاة من بطن حوت.. نجاة من مرض سقيم.. فهل استشهاد سيدنا الحسين مظهر يستحق الفرح؟ يستحق الاحتفال به؟ إن نجاة معظم الأنبياء يوم عاشوراء مناسبة تستحق الفرح.. فقد نجو من الشرور.. لكن.. نجاتهم تبعها بقاءهم في الدنيا بكل متاعبها وهمومها وعيوبها.. أما ما جري لسيدنا الحسين فهو النجاة من الدنيا نفسها.. هي النجاة التي ليس بعدها ألم.. هي النجاة التي لا يخشي بعدها شيئاً.. هي الغني الذي ليس بعده فقر.. والشفاء الذي ليس بعده مرض.. والشبع الذي ليس بعده جوع.. هو الحل الذي ليس بعده مشكلة.. كل ذلك تُجمَع في استشهاد سيدنا الحسين.. وهي مناسبة تستحق الفرحة.. فلماذا يحولها البعض إلي مأتم وسرادق عزاء وألم وحزن وأوجاع ودماء ودموع؟ لقد استلم سيدنا الحسين راية الريادة عندما بُشِّر بأنه سيد شباب أهل الجنة.. ولحظة استشهاده هي اللحظة التي التقي فيها مع سيدنا علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء وسيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام.. هذا هو كما قلنا المكسب الذي ليس بعده خسارة.. والفرج الذي ليس بعده ضيق.. والعطاء الذي ليس بعده سلب.. والفرح الذي ليس بعده كرب.. لقد سيدنا الحسين الأرض المليئة بالظلم والغدر وذهب إلي جنات الله حيث لا ظلم ولا قهر. لقد تعَوَّد الصوفية أن يحتفلوا بمولد الأولياء والصالحين في ذكري وفاة هؤلاء الأولياء.. إن يوم الميلاد يشبه يوم دخول الامتحان.. ويوم الاستشهاد يشبه يوم النجاح بتفوق وامتياز.. يوم الميلاد يوم بداية الاختبار.. وهناك احتمال للمكسب واحتمال للخسارة احتمال للنجاح واحتمال للسقوط.. لكن.. يوم الاستشهاد هو يوم التصنيف الذي ليس بعده تصنيف.. يوم القبول الذي ليس بعده رفض.. يقول سبحانه وتعالي: ¢ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ¢ طبعاً كل واحد حر يضرب نفسه بخنجر أو سكين أو جنزير.. لا أحد يعاتبه علي ما يفعله بنفسه.. لكن.. يجب ألا يؤخَذ ذلك علي أنه عقاب علي ما جري لسيدنا الحسين.. أو تعبير عن ذنب التقصير في إنقاذه.. إن سيدنا الحسين ليس خالداً في الدنيا.. ولا كان قادراً علي تغيير مصيره.. لقد لقي ربه وهو راضي. إن كل الأنبياء الذين نجاهم الله في يوم عاشوراء عادوا وامتُحِنوا في الدنيا.. أما سيدنا الحسين فقد لقي ربه شهيداً دون اختبارات أخري.. وإذا كان الذين يبكون عليه يبكون علي فقد أو خسارة فهو لم يخسر شيئاً.. بل كسب كل شئ. هم يبكون لأنهم لم يناصروه.. إذن يبكون علي أنفسهم لا عليه. يروي الأصمعي أن رجلاً كان يطوف بالكعبة ويقول: "اللهم اغفر لي وأظنك لن تغفر" وكررها كثيراً.. فقال له الأصمعي: "يا رجل.. هذا موطن رحمة ورجاء فلماذا تقول ما تقول؟" قال الرجل: "أنا كنت من القوم الذين قتلوا الإمام الحسين فنمت ورأيت مناماً أن محكمة نُصِبت.. والقاضي فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام ويمثل الادعاء فيها سيدنا جبريل عليه السلام الذي يترافع بعبارة واحدة: "أترجو أمة قتلت حسيناً شفاعة جده يوم القيامة". إن البكاء علي سيدنا الحسين وإظهاره في صورة البائس الضعيف المهزوم المهدود الذي لا ناصر له ولا معين هو انتقاص من فدره الشريف.. ومكانته الرفيعة.. إن البكاء لا ينصر من نبكي عليه.. بل يُضعِفه.. والذي يحب سيدنا الحسين يحب شمائله وخصاله وهي ذاتها الشمائل والخصال النبوية.. الصدق.. المودة.. الرحمة.. التسامح.. المغفرة.. العطاء بلا حدود. لقد كان سيدنا الحسين في خلوة.. وتجَمَّع الناس حول داره في انتظاره.. ومر سيدنا الحسن فوجدهم علي ما هم عليه.. وعرف ما بهم.. إنهم فقراء ينتظرون سيدنا الحسين حتي ينتهي من خلوته.. فكتب له عبارة علي ورقة تقول: "احتياج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملّوها فتعود نقماً" ووضعها تحت الباب.. وقرأها سيدنا الحسين.. وأصبحت فيما بعد من أشهر العبارات التي يرددها.