قول الله تعالي: "أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها؟". هذه الآية الكريمة ذكرت موتاً وحياة بعد الموت علي سطح الأرض. وقرنت الحياة بالنور. كما قرنت الموت بالظلام. وهذه صورة لا يشعر بها إلا من كان غارقاً في الكفر والشرك ثم دخل ساحة الإسلام الرحيبة. فتبدل كيانه وأطلقت في قلبه نفخة الحياة. التي لا شك أنها حياة جديدة لا تشبه حياة الظلمة السوداء البعيدة عن الله سبحانه وتعالي..! وحينما تدخل كلمة "لا إله إلا الله" سويداء القلب. فإن لها سحراً نافذاً يجلوه ويصقله ويفتح كنز أسراره. تماماً كما ينزل الغيث المائي علي الأرض الميتة. فتدب الحياة في أوصالها فتنبت من خيرات الله كل زوج بهيج. قول رب العزة سبحانه: "وتري الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" أو قوله عز من قائل: "والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون:.. أو قوله سبحانه وتعالي: "وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون" وهكذا فإنها بادية للعيان. الأرض الميتة ينزل عليها غيث الله فتحيا. وكذلك قلوب العباد الميتة المظلمة. يأتيها غيث ربها من السماء. فتنتفض وتنبت ثماراً طيبة في شتي نواحي الحياة الإنسانية. وهذا الانقلاب الإنساني في حياة البشر يعبر عن معجزة ربانية تأتي بالخوارق. كما حدث مع الصحابة رضوان الله عليهم. فقد كانوا في جاهلية جهلاء. لا تعرف قيم الإنسان ولا أخلاق الإنسان. يشركون بالله. ويشربون الخمر ويزنون ويئدون البنات ويظلمونهن إذا نجين من القتل. ويقتلون الذكور أيضاً مخافة الفقر. ويأكلون الربا الفاحش ويأكلون أموال اليتامي إلي غير ذلك من الكثير والكثير من عادات الجاهلية وظلماتها وأعراقها» حتي إذا جاء الإسلام أحدث أعظم انقلاب علي صفحة الوجود. إذ محا منظومة حياة الجاهلية الظلماء وأثبت بدلاً منها حياة النور الرابط بين الإنسان وربه. وأصاغ منظومة أخري تتحاوب مع تسبيحات الكون من جماد أو حيوان و ملك. فسارت الدنيا في ركابهم. وخضعت لهم رقاب عدوهم ومكن لهم في الأرض. وأثمرت حضارتهم كل خير نافع. وكل علم سابق. حتي لقد تحير العالم في سر التحول الغريب الذي قلب حياة الحفاة الجفاة رعاة الإبل إلي أن يكونوا أصحاب رسالة تهبط من الآفاق لتصلح الأرض وتعلي راية لا إله إلا الله. وكما هي مفتاح الجنة. فإنها أيضاً مفتاح الحضارة إذا قامت علي ضوئها. وهي في قلوب العباد مثمرة. لقول النبي صلي الله عليه وسلم : "الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذي عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان" وهكذا نجد ثمارها طيبة. قول رب العزة: "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه. والذي خبُث لا يخرج إلا نكداً كذلك نصرِّف الآيات لقوم يشكرون".