تضخم الذات من الظواهر السلوكية التي انتشرت في المجتمع الإسلامي في الآونة الأخيرة. إطراء الذات. والإشادة بالتميز عن الغير. وهذه سلبية كبري تجعل المرء لا يري عيوبه. فتتضخم ذاته. ولا يبصر ما لدي الآخرين من أفكار فيتجمد علي ما عنده. مما يؤدي إلي عدم الموضوعية في النظر إلي الأحداث والوقائع. وما يلابسها من رؤي وأفكار. ويغلب علي هذا الاتجاه النظرة إلي الماضي. والغفلة عن الواقع. والتغاضي عن المستقبل. فيظل المجتمع يدور في حلقة مفرغة. يردد آثار الماضي. ويتفاخر ب "أمجاد الحاضر" من وجهة نظره وهذه هي السمة الغالبة في وسائل الإعلام. وفي تصريحات المسئولين. والنغمة الغالبة فيما يكتبه كثير من المثقفين والمفكرين.. حتي أصبحت لغة التخاطب بين العامة في منتدياتهم ولقاءاتهم. وهذا سلوك سلبي. يؤثر سلباً علي مسيرة الإصلاح والتقدم. فيحول دون اللحاق بركب الحضارة الحديثة. فصرنا بذلك نفتخر بما عندنا دون تفكير فيما حولنا فلا ندرك الأسلوب الحضاري. ولا نفهم متطلبات الواقع. بل تعالت أصواتنا بالعودة إلي سيرة السلف الصالح. والالتزام بما جاء في تراثنا من مباديء ونظم وتعاليم. والتمسك به. مهما كانت الظروف والأحوال. لأن ذلك هو الطريق الوحيد طبقاً لمفهوم دعاة هذا التيار الذي أطلق علي نفسه "الصحوة الإسلامية" وعرف في مجال الفكر الدولي ب "التيار الأصولي" لإخراجنا من المأزق الذي حصرنا الاستعمار فيه. والأسلوب الصحيح الذي نستعيد به قوتنا. ونسترد به ما ضاع منا عبر قرون القهر والإذلال. وسنين الضعف والتخاذل. الذي أصابنا من جراء الاستعمار العسكري والغزو الثقافي. والمنهج الواضح الذي يقودنا إلي عالم يستطيع المسلم فيه أن يكون سيد نفسه. وقائد مسيرته. لا يخضع لأحد. ولا يستجدي فيه ما يحتاج إليه من إنسان. فهو في ظل هذا المنهج قادر علي العطاء. شجاع في المواجهة. صلب في المحاورة. له من الإمكانات ما يستطيع به أن يرفع رأسه في المحافل الدولية. والمنتديات العالمية. وعنده من القدرة علي المناورة ما يمكنه من إقناع الآخرين بمبادئه. وتعاليم دينه.. هذا صحيح. لو خطط لهذه الدعوة تخطيطاً بعيداً عن حماس الجماهير. وطموحات بعض الضعفاء من المفكرين الذين لا هم لهم سوي الكسب المادي. والاستعلاء الأدبي بين الأميين. وأنصاف المتعلمين.. وسيطرة المؤسسات الرسمية. التي تسعي إلي بسط النفوذ عن طريق الجانب الروحي. حيث تكون قيادة الجماهير سهلة. وتوجيههم إلي ما تريده السلطة الرسمية متاحاً وميسراً. وأخيراً وهو الأهم إذا استخدم العقل في فهم التراث. وتنقيته. مما علق به عبر مسيرة التاريخ من أوهام وخرافات. غيبت العقول. وطمست الأفهام. فأصبح المسلم سلبياً في المجال الدنيوي. متقوقعاً في زوايا النسيان علي خريطة الإبداع والابتكار. ومتوارياً خلف الأستار في ساحة التدافع والتسابق الحضاري. واهماً أنه لن ينال رضاء الله إلا إذا اعتكف في المسجد ليل نهار. وعزف عن الدنيا وما يتعلق بها. ونفر من الحياة ومتاعها..... ومن يحاول تغيير هذا المفهوم في ذهنه. فهو إما زنديق. أو متآمر مع الأعداء ضد الإسلام!!! هل أمرنا الإسلام بهذا؟؟؟ عزوف عن الدنيا. فلا نسهم في حضارتها. فنستعمر أرضها. ونبحث في أسرار خلقها. ونستخرج من باطنها ما يفيدنا. ونوجه ما عليها إلي ما يعود علينا بالمنفعة في حياتنا. تقوقع داخل الذات. والاكتفاء بالإطراء والتفاخر. فلا نمارس شيئاً. يفجر طاقتنا ويشحذ هممنا إلي العمل النافع للحياة. وينمي فينا القدرة علي الابتكار والإبداع؟؟؟ اهتمام بالفروع التي لا وزن بل أحياناً لا أصل لها في مجال الالتزام بما أمر الله به. وترك الأصول التي لا تسير الحياة إلا بها. ولا تقوم حضارة إلا عليها. فهي ركيزة أساسية في بناء الحضارات. وإرساء قواعد التقدم والرقي. ماذا نفعل لنصحح هذا الخلل في سلوكنا؟ نعود إلي مبادئنا الإسلامية. حيث تأمرنا في هذا الصدد بالتواضع. وعدم الخيلاء. فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "من تواضع لله رفعه".. كما ورد في الأثر: "رحم الله امريء أهدي إلي عيوبي". فهذه أول خطوة علي طريق الإصلاح. حيث يعرف المرء أخطاءه فيصححها. ويدرك أنه محتاج إلي مزيد من المعرفة. فيجب عليه بذل الجهد في تحصيلها حتي يكون قادراً علي بناء مجتمع عصري. له مقومات القوة والمنعة. والعزة والكرامة. ومن الآثار السيئة لمدح الذات انفصال الأقوال عن الأفعال. حتي صارت لغتنا خطابية وعظية فقط. لا صلة لها بالأعمال. وهي ظاهرة تفشت في المجتمع وتغلغلت فيه. حتي صار المناخ العام أن نسمع خطباً بلاغية تضرب بجذورها في بطون التاريخ حتي قس بن ساعدة الإيادي. ونقرأ مقالات. ونطالع كتباً اعتني مؤلفوها بالألفاظ. دون الأفكار. أو طرح كاتبوها خيالات لا صلة لها بالواقع. فإذا بحثت عن صدي هذا في المجتمع لا تجد له أثراً سوي رجع الصدي. فكثر الكلام. وقل العمل. ونسي هؤلاء قول الله تعالي : "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون". الصف: 2:..3 حتي شاع عنا أننا "ظاهرة صوتية". فالكلام لا يجدي نفعاً. إلا إذا كان صادقاً. وصاحبه عمل. ولا يمكن أن يصاحبه عمل نافع إلا إذا كان قائماً علي أساس فكري سليم. ونظرة موضوعية. بعيدة عن الهوي. وخالية من شوائب التحيز للعصبية والطائفية.