"الكفار لا مقر لهم".. عبارة طائفية أثارت فزع المسيحيين في المنيا، دوَّنها إرهابي علي ما تبقي من الواجهة المُهَدمة لدير "السيدة العذراء والأنبا إبرآم" المُحترق، في قرية "دلجا"، تلك البائسة التي التحفت رداء الخوف من إبادة جماعية لأقباطها، توعدهم بها مسلحون ينتمون إلي جماعات متأسلمة، حرقت منازلهم ودور عبادتهم وهجرَّت قسراً نحو 200 أسرة، ومَنْ فضّل البقاء فُرضت عليه "إتاوة" تُجبي في كل ليلة بمئات الجنيهات من قوت أولئك الذين رفضوا الرحيل إلي المجهول. المشهد المُروِّع رصدته ووثقته بالصوت والصورة منظمة الباب المفتوح للتنمية وحقوق الإنسان، في تقرير خصت به "آخرساعة"، يكشف وقائع العنف والانفلات التي عاشتها القرية في أعقاب فض اعتصام أنصار الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي في القاهرة، 14 أغسطس الماضي، وكم الويلات التي مرت بمسيحيّ القرية (يُشكلون أقلية لا تتجاوز 20٪) وإمطارهم بوابل من قنابل المولوتوف الحارقة، ضربت مشاعرهم قبل البنايات التي حولتها النيران إلي أطلال تتصاعد منها ألسنة الخوف وذكريات الأيام العصيبة، قبل أن يتمكن الجيش من تحرير القرية من رؤوس أبالسة الفتنة والدم، بإلقاء القبض علي أكثر من 50 مسلحاً دون أي مقاومة، بعد حصار القرية من جميع مداخلها ومداهمة بؤر في قري مجاورة. رئيس منظمة الباب المفتوح للتنمية وحقوق الإنسان بطرس هلال، أكد في تصريحات ل"آخرساعة" أن المنظمة تابعت عن كثب وبكل قلق الأحداث العصيبة التي مرت بها "دلجا" خلال الفترة الماضية، ورغم الصعوبات الجمة التي واجهت عمليات توثيق وجمع شهادات الأقباط المتضررين بشأن ما تعرضوا له من تهديدات وتوعد بالويل والثبور، نتيجة صعوبة الولوج أساساً إلي داخل القرية التي كان مجرمون وجماعات أصولية متشددة تهيمن عليها، بخلاف خوف غالبية سكان القرية الأقباط من الإدلاء بأية تصريحات للإعلام أو النشطاء الحقوقيين، خوفاً من استهدافهم انتقاماً، نجحت منظمة الباب المفتوح في اختراق حاجز الخوف والصمت، وجمعت نحو 30 شهادة موثقة بالصوت والصورة والفيديو لمواطنين عاشوا لحظات الاعتداء وفرض الإتاوات والحرق والتهجير. بطرس هلال الذي قال إنه لم يكن ينعم إلا بساعات نوم قليلة، ليواصل عمله الحقوقي في القرية، أكد بعد انتهاء عملية الجيش أن حالة الاحتقان الطائفي مازالت موجودة في القرية، رغم انتشار الأمن حول مداخلها ومخارجها، لافتاً إلي عدم وصول هذه القوات إلي داخل القرية، مرجعاً السبب إلي موقعها الجغرافي في حضن الجبل الغربي، وضيق شوارعها، وكذا وجود أسلحة خطيرة بالقرية، حيث إن القرية تقوم بتصنيع السلاح حسب تأكيدات لمصادر أهلية من داخل القرية. يتابع رئيس المنظمة: تدخلت القوات فجر الاثنين 16سبتمبر الجاري، بعد حالة الاحتقان التي شهدتها القرية، جراء عمليات المهاجمة التي دامت أكثر من شهر، منذ فض اعتصام "رابعة العدوية" وما رافقه من القبض علي 51 شخصاً، اشتاط ذووهم غضبا ضد مسيحيّ القرية، لافتاً إلي أعمال التحريض الواضح ضد الأقباط والتي بدأت في الساعة الثامنة من صبيحة يوم فض الاعتصام الإخواني في القاهرة، حيث رددت بعض مساجد القرية عبارات علي شاكلة "حي علي الجهاد" و"أموالهم غنيمة لنا" و"اهجموا علي منازل النصاري"، في إشارة واضحة للنيل من المسيحيين وقتلهم. أيام عصيبة وعاشت الأقلية القبطية في القرية أياماً عصيبة عادت بهم إلي زمن غابر، إذ فرض عليهم متشددون إسلاميون إتاوات مالية، زعموا أنها "جزية"، تحت ذريعة حمايتهم وإجبارهم علي عدم الإفصاح عنهم، أو من تسبب في حرق وسلب منازلهم، لكن بعض الأهالي بحسب بطرس هلال - أفصحوا عن أسماء الأشخاص المتسببين في أعمال العنف والبلطجة والتخريب والاستيلاء وهو ما رصدته المنظمة في تقريرها، وتنفرد "آخرساعة" بنشر صورة من القائمة التي تضم 44 اسماً قدمتها المنظمة تحت عنوان "مصدر مؤكد صرح للمنظمة بأسماء الذين قاموا بأعمال العنف والتحريض والسرقة". في السياق، قال راعي دير العذراء والأنبا إبرآم بدلجا، القس سلوانس لطفي، إن قوات الأمن متمركزة عند نقطة شرطة دلجا لكنها دخلت بالفعل جميع مناطق القرية وتقوم بعمليات تمشيط واسعة وضبط المطلوبين أمنياً، كاشفاً في تصريح خطير ل"آخرساعة" عن وجود مصانع داخل القرية تقوم بتصنيع أسلحة الخرطوش، وبالتالي القرية مليئة بكميات كبيرة من السلاح، لذا يجب بقاء قوات الأمن لحين القضاء علي العناصر الإجرامية كافة، وبخاصة مع التهديدات التي وصلت إليهم من جانب المتشددين والمجرمين بالانتقام من المسيحيين وإبادتهم جميعاً عقب انسحاب قوات الأمن. ووفق التقرير فإن حجم الخسائر بالغ، إذ تم الاستيلاء علي دير "العذراء والأنبا إبرآم"، المكون من ثلاث كنائس، وتم تهجير حوالي200 أسرة مسيحية وقتل شخصين وخطف ثلاثة آخرين حُرروا مقابل فِدي، وحتي الآن تنطلق مسيرات تطالب بعودة مرسي، وهتافات ضد الجيش والشرطة والأزهر والبابا تواضروس الثاني، كما تم إجبار أقباط القرية علي توقيع استمارة تُبرئ المتشددين من الاستيلاء علي منازل المسيحيين وتُدين الشرطة وتتهم الإعلام بتضخيم الصورة. أما القس إبرآم طنيسة أبواليمين مساك (راعي دير السيدة العذراء والأنبا إبرآم بدلجا)، فقال: علي مدار عام منذ تولي مرسي السلطة في 30 يونيو 2012 عشنا في مرارة وبعد عزله ظهر الاضطهاد ضد المسيحيين، مُحصياً الأضرار التي لحقت بالكنيسة، وتشمل الاعتداء علي الدير المكون من ثلاث كنائس "كنيسة السيدة العذراء - الأنبا إبرآم »مارجرجس«، وتم نهب جميع محتوياتها حتي الأبواب والمكاتب والمذابح والأيقونات وغرفة الكمبيوتر وبيت الخلوة والأسرة والنجف والرخام ومتعلقات الإنارة والصناديق الخشبية المدفون فيها جثامين الآباء داخل الدير. أما أبرز الأضرار التي لحقت بالأهالي، فكانت تهجير حوالي 200 أسرة واقتحام نحو 35 منزلاً وإضرام النار فيها وسرقة محتوياتها لمجرد أن أصحابها يدينون بالمسيحية، إلي جانب قتل وسحل والتمثيل بجثة المقدس "إسكندر توس"، كما تم قتل طفل يدعي "كيرلس يوسف" عمره 9 سنوات وآخر يدعي هاني شفيق، مشيراً إلي أن المتشددين توعدوا الأقباط بإبادة جماعية عقب مغادرة قوات الجيش للقرية. ويروي رئيس المنطمة الحقوقية موقفاً عصيباً أثناء وجوده في منزل كاهن الدير، حيث تجمهر علي أبواب المنزل مجموعة من الشباب رددوا "إحنا مبيهمناش حد لا إعلام ولا حقوق إنسان، وفي ليلة الثلاثاء 17 سبتمبر، توجه بطرس هلال مع القس إبرآم إلي القيادات الأمنية بنقطة شرطة "دلجا"، للمطالبة بحماية منزل الكاهن نظراً لوفود وسائل إعلام مختلفة إليه، فسألنا مدير مباحث دير مواس :"هل تتهموا أشخاصاً بعينهم؟ أبعت أجيبهم"، فرد الكاهن: لا، بينما قال بطرس لمدير المباحث: لماذا لا نتدخل إلا إذا حدثت نكبة؟ فأجاب: هناك خطة معدة لتأمين القرية. حالات الاعتداء ورصد التقرير مجموعة من الشهادات المهمة مع عدد من الموطنين الأقباط داخل القرية، حيث قال جابر أمين ميخائيل (عامل بالأجرة متزوج من رزقه عبدالملاك ولديه 3 أبناء) إنه تم الاستيلاء علي منزله وإغلاقه بقفل خارجي بعد سلبه وحرقه والآن أخشي رجوعي إلي بيتي، وأطالب بحمايتي وإصلاح ما تلف، بينما قال إسحاق فايز ناروز (عامل باليومية): استولوا علي منزلي وسرقوه أمام عيني تحت تهديد السلاح. سيناريو الاستيلاء علي المنازل وسرقة محتوياتها تحت تهديد السلاح بل وحرق بعضها بعد نهبه، تكرر مع كثيرين حصلت "آخرساعة" علي قائمة بأسمائهم، من بينهم إبراهيم فهمي إبراهيم (متزوج من بنوره جابر ولديه 4 أبناء)، وجابر شحاتة ميخائيل (متزوج من فتحيه حنا ولديه بنت)، وزهجر ربيع نجيب (متزوج من سامية جابر ولديه 4 أبناء)، وممدوح ربيع نجيب (متزوج من رزقه جابر ولديه 4 بنات)، وسمير حنا طانيوس (متزوج من بنوره بشاي ولديه 3 أبناء)، وجمال حنا طانيوس (تاجر ماشية متزوجه من رزقه مونس ولديه 5 أبناء)، وهاني ربيع نجيب (متزوج من سامية ماهر ولديه ابنان)، وسامي ربيع نجيب (متزوج موزة جابر ولديه 4 أبناء)، وربيع نجيب طانيوس (متزوج من سميرة حنا) وقد تم اتلاف منزله بالكامل بما فيه من أغنام وغلال، وإسحاق بشاي طانيوس (متزوج من مريم نان ولديه ولد)، تم سرقة منزله وما به أغنام وغلال تم سرقتها، وكمال روفائيل صالح (متزوج من مرفت مرزق ولديه 3 أبناء)، وصابر جابر شحاتة (متزوج من هبة مرزق ولدية 4 أبناء)، وسامية فهمي إبراهيم، والتي تم حرق منزلها المكون من 3 طوابق، بخلاف حوش به ماعز وخراف وتم الاستلاء علي المنزل والحوش بالكامل ولديها بنت مخطوبة تم سرقة جهازها بالكامل وتم تأجيل حفل الزفاف إلي أجل غير مسمي. وتشمل القائمة التي حرصت المنظمة علي توثيق بياناتها كاملة، كلا من منير روفائيل صالح الذي تم نهب محل تجاري مملوك له، شامل الأرفف والأدوات الكهربائية المقدرة بنحو 30 ألف جنيه، وسامي فايز ناروز، الذي تم إحراق منزله المكون من طابقين وسلب محتوياته بالكامل، وإبراهيم عقاد قلادة (متزوج من جوهرة جاد الرب)، حيث تم التعدي علي منزله المكون من 3 طوابق بأن خلع الإرهابيون الأبواب الخارجية للمنزل وأجبر أصحاب المنزل علي مغادرته، قبل أن يتم سرقة حلي ذهبية ومبالغ نقدية تقدر بنحو 105 آلاف جنيه، بالإضافة إلي بضاعة محل بقالة تقدر ب600 ألف جنيه، وباقي محتويات المنزل. أما فضل عقاد قلادة (متزوج ولديه 5 أبناء)، فتم الاستيلاء علي منزله ونهب جميع محتوياته بما فيها الماشية، وشحاته مسعود عقاد (متزوج من عزيزة نصيف ولديه 6 أبناء) تعرض منزله للنهب، ومسعود عقاد قلادة (متزوج من سعدية جاد السيد ولديه ولد)، الذي نُهب منزله بكل محتوياته دون إشعال النار فيه، كما تم سرقة ذهب ومبالغ نقدية بقيمة 220 ألف جنيه، وكامل عبدالله روفائيل تم الاعتداء بالحرق علي عشة مملوكة له بالأرض الزراعية بها ماشية، وتعرض فرج رزق أسخرون لسرقة 14 ألف جنيه يوم عيد الميلاد المجيد (7 يناير الماضي) وحين أبلغ نقطة شرطة دلجا لم يجد اهتماماً ويطالب برجوع حقه لأنه كما يقول لا يملك سوي ستر الله وهذا المبلغ. بحر كراس قلادة (متزوج من صابرين إبراهيم ولدية 5 أبناء) تم حرق منزله المكون من طابقين وسرقة ذهب ونقدية حوالي 18 ألف جنيه، وهناك أيضاً رزق موريس عقاد (متزوج من عدلية مسعود ولدية أربعة أبناء)، وتم الهجوم علي منزله وسرقة كل محتوياته وسلب ذهب وماشية و15 ألف جنيه. يُذكر أن "دلجا" هي كبري قري مركز دير مواس الواقعة جنوب محافظة المنيا، وتبعد 300 كيلومتر عن القاهرة، وتقع بمحاذاة الطريق الصحراوي القاهرة - أسيوط الذي يحدها من جهة الغرب، ويقدر عدد سكانها بين 120 و160 ألف نسمة. ويوجد في "دلجا" 10 كنائس، أحرق متشددون أربعاً منها خلال أحداث الشغب الأخيرة، وتتمتع القرية بنشاط تجاري علي مستوي شمال الصعيد، ويمتهن سكانها الزراعة والتجارة، ولذا لا تعاني البلدة من البطالة.