تصوير: سامح مسلم يُعد الباحث الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق من أكثر الاقتصاديين الذين حذروا مراراً من تزاوج المال بالسلطة خصوصاً إذا كان يحيط بالحاكم مجموعة من رجال أعمال يتولون مناصب سياسية كبيرة كما حدث في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ونفذه أيضاً الرئيس المعزول محمد مرسي الذي زج بكل قيادات جماعة الإخوان في قصر الرئاسة، ليتوسعوا في خطة التمكين من الدولة سياسياً واقتصادياً، حتي بدا وكأنهم يتحركون باعتبار مصر قاعدة عمليات علي المستوي التجاري وفق ما قاله الدكتور عبد الخالق الذي نصح »مرسي« في شهور حكمه الأولي بإبعاد رجال أعمال الإخوان من حوله لكنه لم يستجب.. مزيد من التفاصيل في سياق الحوار التالي: حذرت »مرسي« من 17 رجل أعمال إخوانياً.. لكنه لم يستجب الخلافات بين الشاطر ومالك أدت إلي فض شراكة »سلسبيل« اقتصادهم غير تنموي.. ومن السهل تحريك أموالهم خارج مصر ماهي الشواهد التي أكدت أن جماعة الإخوان تسعي إلي السيطرة علي اقتصاد الدولة؟ - بعد سقوط نظام مبارك حرص رجال الأعمال الإخوان علي أن يحلوا محل رجال الحزب الوطني المنحل، وأن يستحوذوا علي اقتصادهم، عبر مصالحة معهم تقضي بمشاركة الإخوان في مشاريعهم مقابل خروجهم من السجون، وإما يظل الحديث علي فسادهم كي يخضعوا لذلك الابتزاز، وكان أحمد أبو بركة المستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة والمقبوض عليه حالياً، يلعب ذلك الدور. وكانت جماعة الإخوان تتحرك عشوائيا للسيطرة علي الاقتصاد، إذ انتابهم حالة من السُعر بعد وصول "مرسي" إلي الحكم، ما جعلهم يتجاهلون ثورة 25 يناير الأمر الذي أدي إلي الحفاظ علي مكونات وركائز فساد دولة مبارك، وكان نتيجة ذلك أن كل ما قام به مرسي هو استبدال أشخاص من نظام مبارك بآخرين من جماعته؛ إذ عمل بمنطق الشلّة وأهل الثقة وأصحاب المصالح، فهناك أرقام متفاوتة لرواتب أعضاء الجماعة الذين تولوا مناصب تنفيذية أثناء حكم مرسي ما بين 12 إلي 40 ألف جنيه، وكل ذلك من الأموال العامة التي أصبحت جزءا من تمويل جماعة الإخوان وهذا يعد أحد أشكال إهدار المال العام. كنت من أحد الشخصيات التي التقاها »مرسي« في أكتوبر 2012 ماذا قلت له؟ - في بداية الاجتماع فضلت أن أكون مستمعا لا متحدثا، حتي طلب مني أن أتحدث، فقلت له أنت تتحدث عن الفساد بتصّور لا يعي حجم الفساد ومنظومته التي أنشأها مبارك ونظامه، فتظن أن العلاج في تغيير رئيس جهاز الرقابة الإدارية ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، لذلك لابد من مراجعة كافة القوانين الاقتصادية، لكنك بعيد عن هذا.. ورجالك لا يفهمون البعد القانوني لتقنين الفساد. وواصلت أن رجال أعمال الإخوان يتواجدون بقصرك، لكنه أنكر، فذكرت له 17 اسما كانوا يحيطون به، منهم: عصام الحدّاد، وأحمد عبد العاطي، وأيمن علي، وياسر علي، وخالد القزّاز..إلخ، لكنه لم يرد ولم ينطق، وقلت له: نقول لك هذا حرصا عليك، ليس حبا فيك ولكن حرصا علي مصر، وللخروج بمصر من مأزقها. بالتالي وحرصا علي سمعتك ابعدهم عنك حتي وإن كانوا رفقاء لك في السابق، ولكنك اليوم رئيس جمهورية. كما شرحت له طبيعة الموقف الاقتصادي الحرج، وأن حكومة "قنديل" ليست كفؤا وتقدم بيانات غير صحيحة، ولا تستطيع ادارة الملفات، وكان ذلك بحضور مستشاريه. كيف استطاعت جماعة الإخوان أن تبني اقتصاداً في ظل مطاردتها من الأنظمة السابقة؟ - في البداية لابد من توضيح أن التنظيم الدولي المالي لجماعة الإخوان المسلمين مر ب 4 مراحل: المرحلة الأولي كانت ماقبل عام 1954م، والمرحلة الثانية كانت في فترة المطاردة المصرية لهم، والتي جعلتهم ينشطون في دول أوروبا والخليج العربي من خلال تنفيذ مشروعات تجارية علي قدر حجمهم آنذاك. والمرحلة الثالثة التي تعد الأهم والأخطر في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام 1974م والذي سمح لهم بالعمل داخل مصر، وكان في ذلك الوقت هناك صراع علي الثروات النفطية الأمر الذي أدي إلي توسع مشروعاتهم في دول الخليج، وقد آمن أرباحهم التنظيم الدولي في المصارف والبنوك. أما المرحلة الرابعة كانت بعد عام 2001م المرتبط بتفجير برجي التجارة العالمي بأمريكا إذ توسعت المطاردة الأمنية للجماعات الإسلامية، وصاروا أكثر حذراً، ويشتغلون عن طريق البنوك الإسلامية وبعض الأنشطة المالية في البورصة وسوق الاوراق المالية. وقد مرت ثروات الجماعة بتطورين مهمين هما حركة الجهاد الأفغاني التي تحركت فيها أموال قُدرت ب 100 إلي 150 مليار دولار أي ألف مليون جنيه، وهذه الأموال تحركت في صورة أسلحة وأجور ومرتبات ومكافآت، والثانية حركة الإغاثة الدولية التي وفرت لهم مبالغ ضخمة وتعاونا مع المخابرات الأجنبية وعلي رأسهما المخابرات الأمريكية والبريطانية والألمانية. وهذا التطوران كان سبباً رئيساً في بناء اقتصاد الإخوان بعد تراكم مالي ضخم، كما أدخلتهم في خط علاقات مع أجهزة المخابرات الغربية والعربية، وصاروا علي تعاون شبه دولي متعلق بمحاربة الشيوعية، والوصول إلي اتفاقات كما سيتبين خلال الفترة المُقبلة بين الإخوان والولايات المتحدةالأمريكية بشأن أمور التسوية في الشرق الأوسط والعلاقات مع إسرائيل. بم يتسم الاقتصاد الإخواني؟ - هو اقتصاد قائم - بمنطق اليهود تماماً - علي الأنشطة التجارية والمقاولات وتجارة التجزئة والأعمال المالية والبورصات، ولا يؤسس إلي أنشطة تنموية ذات أصول راكزة في الاقتصاد المحلي كالزراعة والصناعة، لأن لديهم عاملا عقائديا في ذلك وهو حديث الرسول صلي الله عليه وسلم "تسعة أعشار الرزق في التجارة" من دون مراعاة للسياق الذي قيل فيه هذا الحديث الشريف فلم يكن هناك مورد رزق أمام عرب شبه الجزيرة سوي البيع والشراء في موسم الحج ولا يوجد بالطبع زراعة أو صناعة، وهذا لا يتناسب مع الاقتصاد الحديث. كما يركز اقتصادهم علي قطاعات من السهل وقت الخطر أن يحركوا أموالهم خارح البلاد، لذلك فهم لا يمثلون جزءا كبيرا من اقتصاد الدولة. برأيك، كيف يتم التعامل مع شركات الإخوان بعد القبض علي أبرز القيادات؟ - هي شركات مسجلة بأسماء أشخاص، ولا تستطيع أن تهدم الدولة اقتصادهم أو تتصرف فيه، ولن نطارد الناس في مشروعاتهم، فاقتصاد الإخوان قائم علي التنظيم السري، لذلك لا توجد شركات مملوكة للجماعة بشكل عام، لذلك فهم في حماية القانون، لكن لابد من مراجعة هذه الشركات ضريبياً ومعرفة هل كانت تمول أنشطة غير مشروعة أم لا.. وهل تخضع للقانون أم لا؟. وماذا عن إطلاق دعوات شعبية لمقاطعة شركات الإخوان ؟ - هذا رد فعل عفوي وعنيف من الناس تجاه ما اقترفته الجماعة من جرائم، لكننا في حاجة إلي التوازن في أدائنا الاقتصادي، لأن هذه الدعوات ستؤثر في النهاية علي المجتمع وعمالة هذا المشروعات، وحصار أنشطة بعينها ربما يستمر سنة أو سنتين لحين هدوء الناس، وإما أن يتولي هذه المشروعات آخرون أو أن تسير في إطار القانون. انتشرت شائعات مؤخراً حول جمعية رسالة بأنها إخوانية، ما حقيقة ذلك؟ - غير مؤكد حتي الآن اذا كانت جمعية رسالة من ضمن اقتصاد الإخوان أم لا، لكن لابد من التحري من أنشطتها؛ وما إذا كانت تدعم جماعة الإخوان.. وتمول اعتصام رابعة العدوية من عدمه. هل حقاً كانت هناك خلافات بين خيرت الشاطر وحسن مالك حول المشاريع المشتركة بينهما؟ بطبيعة حال أي رجال أعمال كانت هناك خلافات بينهم، خصوصا لرغبة الشاطر في الاستيلاء علي غالبية الأرباح، فكانوا علي سبيل المثال شركاء في شركة سلسبيل لخدمات الحاسب الآلي، لكن مالك أعلن تصفية الشراكة بعد استحواذ الشاطر علي نصيبه، لكنهما لا يزالان شركاء مع عبد الرحمن سعودي في شركة للمزارع السمكية. ما حقيقة علاقة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة بالإخوان؟ - هناك علاقة وطيدة بين أبو هشيمة والإخوان من خلال توظيف جزء من أموال الجماعة في مشروعات يديرها أبو هشيمة، وحصولهم علي أرباحها من خلال الأسهم، وهذه هي الصورة الغالبة، ورغم إنكار أبو هشيمة لهذه العلاقة إلا أنني لا أشك في ذلك، خاصة أن الطرف القطري دخل علي الخط عن طريق توفير غطاء سياسي ودبلوماسي لجماعة الإخوان في الأوساط العربية، ولذلك فتح لأبو هشيمة خط شراكة مع قطر بالتنسيق مع الإخوان. كيف يمكن أن تتفادي حكومة حازم الببلاوي ما وقع فيه الإخوان ؟ - حكومة الببلاوي مثل حكومة قنديل لا تمتلك أي حلول عاجلة، والأخطر أنها تضم أشخاصا ينتمون إلي سياسات الحزب الوطني »المنحل«، وغير المؤمنين بالعدالة الاجتماعية، فمثلاً الدكتور أحمد جلال وزير المالية كان يعادي مجانية التعليم ويعد العقل الاقتصادي المفكر للحزب الوطني، لكن هناك القليل من الوزراء ممن ينتصرون للعدالة الاجتماعية مثل كمال أبو عيطة وزير القوي العاملة وحسام عيسي وزير التعليم العالي. كما أن أداء الحكومة خلال الشهرين الماضيين يعكس عدم إدراكها لعمق الأزمة فهم يتحدثون عن تمشيط الاقتصاد المصري، ووضعوا برنامجا ب 22 ملياراً يخصص منها 7 مليارات لدفع الاستحقاقات المتأخرة للمقاولين والباقي لاستكمال مشروعات البنية الأساسية، وهذا ليس المطلوب، فيجب تمشيط القطاعات الانتاجية وبصفة خاصة المصانع المغلقة سواء كانت قطاعا عاما أم خاصا، إضافة إلي ضرورة انتصارها للقطاع العام ولا تدمره. كما تنطلق هذه الحكومة في نفس طريق سابقتها بالبحث عن المساعدات الخارجية، لكن في رأيي الصحيح يجب البحث في مواردنا الداخلية المهدرة لأنها كافية، ففي دراسة أعدتها قريباً تكشف أن المصريين انفقوا علي شراء القصور والفيلات حوالي 415 مليار جنيه منذ عام 1980 فهناك قدرات لدي المصريين وفوائد مالية من الممكن أن تتوجه للزراعة والصناعة.