آثار الدمار بعد حادث التفجير الذى استهدف موكب الوزير تسبب التراجع الملحوظ في قدرة الحشد الميداني لدي أنصار الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، في تغيير نمط أداء الجماعات المسلحة الموالية ل"الإخوان" علي الأرض، فانتقلت بالبلاد من مرحلة التكفير، التي بدأت بوصم المصريين الذين تأهبوا للنزول في 30 يونيو بالكفر، في حضور مرسي، إلي مرحلة التفجير التي وصلت ذروتها، في عملية استهداف موكب وزير الداخلية الأسبوع الماضي. تصاعدت محاولات إشاعة الفوضي والانفلات في الشارع المصري عقب عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسي في 3 يوليو الماضي، تلبية لرغبة شعبية فاضت بها الميادين في 30 يونيو الماضي، وكانت سيناء هي البؤرة الأكثر التهاباً في مصر باعتبارها معقلاً للجهاديين المدججين بالسلاح، بخلاف تمركز قوات كبيرة تابعة للجيش هناك نظراً لحساسية سيناء ووضعها الاستراتيجي بالغ الأهمية. وعلي الرغم من تنفيذ عمليات إرهابية استهدفت العمق المصري، ووصل مداها إلي القاهرة، وعدد من المحافظات، طالت أقسام ومراكز شرطة ودور عبادة قبطية، إلا أن تراجع قدرة الحشد لمسيرات مؤيدة للإخوان استخدمت غطاءً لاندساس عناصر مسلحة في ثناياها ومهاجمة بعض الأهداف، أجبر أصحاب الفكر الجهنمي إلي اللجوء إلي وسيلة أخري، كان أبرزها زرع القنابل أو تفخيخ السيارات. ولم تكن محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم الأسبوع الماضي عبر تفخيخ سيارة، بحسب المعاينة المبدئية للأجهزة الأمنية، هي المحاولة الأولي لتنفيذ عمليات تفجير داخل العاصمة أو في المحافظات، فقد سبق ذلك محاولات أخري أحبطتها قوات الشرطة، عبر تفكيك قنابل زرعها إرهابيون في مناطق عدة، وكان رجال الدفاع المدني وخبراء المفرقعات بمحافظة الجيزة، نجحوا يوم 9 يوليو أي بعد ستة أيام من عزل مرسي، في إبطال مفعول قنبلة شديدة الانفجار، عُثر عليها أسفل كوبري جامعة القاهرة، قرب ميدان "نهضة مصر" الذي شهد اعتصام أنصار مرسي. وفي محافظة القاهرة وخلال تظاهرات 30 أغسطس الماضي، التي دعا إليها الإخوان نجح، خبراء المفرقعات، في إبطال مفعول قنبلة عُثر عليها في ميدان "الكيت كات"، وذلك بعد أن تلقت قوات الأمن إخطارا بعثور الأهالي علي جسم غريب بميدان الكيت كات، وعلي الفور انتقلت قوات الحماية المدنية برفقة خبراء المفرقعات، وتبين أنها قنبلة بمؤقت، قابلة للتفجير، وتم التعامل معها وإبطال مفعولها. ولم تسلم الإسكندرية من محاولات إشاعة الفوضي بطريقة التفجير ذاتها، حيث نجحت الأجهزة الأمنية، مطلع سبتمبر الجاري، في إحباط محاولة لتفجير محطة السكة الحديد الرئيسية بالمحافظة المعروفة ب"محطة مصر"، عبر قنبلة موقوتة بدائية الصنع، حيث أبلغ العاملون بالمحطة، عن العثور علي حقيبة مجهولة علي رصيف القطار المتجه إلي محافظات الصعيد، قبل أن تنتقل إلي المحطة قوات الأمن وخبراء المفرقعات، وينجحون في إبطال مفعول القنبلة. في السياق، تمكنت قوات الأمن وخبراء المفرقعات بمديرية أمن كفر الشيخ منتصف الأسبوع الماضي، من إبطال مفعول ثلاثة أصابع ديناميت شديدة الانفجار، ثبتها مجهولون أمام بوابة مبني مديرية الزراعة، المواجه لمبني مديرية الأمن، وفي 26 أغسطس الماضي كانت بورسعيد علي موعد مع عملية تفجيرية بالطريقة ذاتها، لولا أن القدر أبي وقوعها، إذ أبطلت الأجهزة الأمنية مفعول قنبلة بدائية الصنع في ميدان المنشية في بورسعيد، وذلك بعدما تلقت أجهزة الأمن بلاغاً بوجود جسم غريب في الميدان، فانتقلت الأجهزة وخبراء المفرقعات، وتم التعامل مع القنبلة باستخدام مدفع المياه حتي أُبطل مفعولها. العبوات الناسفة وجدت طريقها أيضاً إلي سيناء، ففي 25 أغسطس الماضي، انفجرت عبوة ناسفة علي طريق "العريش – رفح" بمنطقة السادات، ولكن دونما وقوع إصابات أو خسائر، وبحسب تصريحات لمصدر أمني وقتذاك، فقد تم زرع العبوة الناسفة في طريق إحدي معدات الجيش، بغية تفجيرها في المنطقة ذاتها التي شهدت مذبحة جنود رفح الثانية، إلا أن العبوة انفجرت بعيداً عنها. ولا تكاد تهدأ العمليات الإرهابية في سيناء منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، ففي يوم الخميس الماضي وحده، أطلق مسلحون مجهولون قذيفتي "آر بي جي"، علي كمين أمني تابع للجيش في العريش، وفروا هاربين من دون وقوع إصابات، إذ سقطت القذيفتان وانفجرتا قرب الكمين، كما أطلق مسلحون النار علي كمين "الريسة"، في الوقت الذي استهدف مسلحون آخرون جرافة للقوات المسلحة علي طريق المطار من خلال زرع عبوة ناسفة انفجرت بعيداً عن الجرافة. محاولة اغتيال الوزير ومن القنابل والعبوات الناسفة إلي السيارات المفخخة، حيث وصلت ذروة العمليات يوم الخميس الماضي إلي محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، عبر استهداف موكبه، بتفخيخ سيارة في طريق تحرك الموكب أثناء خروج الوزير من منزله علي طريق شارع مصطفي النحاس بمنطقة مدينة نصر، وانفجرت السيارة المفخخة قرب الموكب دون أن يُصاب الوزير بأذي، في حين أصيب 25 آخرون بينهم 10 من أفراد طاقم حراسته. إلي ذلك، عززت فكرة لجوء الإرهابيين إلي العمليات التفجيرية باستخدام القنابل والسيارات المفخخة بعد فقدان القدرة علي الحشد الميداني بتنظيم مسيرات وتظاهرات مؤيدة للإخوان، ما ذهب إليه خبراء أمنيون خلال الأيام الأخيرة عقب استهداف موكب وزير الداخلية، إذ قال الخبير الأمني في تأمين وحماية المنشآت ومقاومة الإرهاب اللواء إبراهيم حسن، إن عمليات التفخيخ والتفجير عن بُعد تعتبر مرحلة متطورة من مراحل المواجهة مع الإرهاب، ومتوقع حدوثها من قبل. وتابع حسن، خلال تصريحات له تعليقاً علي محاولة اغتيال وزير الداخلية: إن العملية تعد ناجحة من قبل الجماعات الإرهابية، وذلك بعد استنفاد الإرهابيين لمراحل الضغط السابقة، التي تمثلت في التظاهرات والضرب العشوائي، ثم مهاجمة مقار وكمائن الشرطة والقوات المسلحة، كما تعد محاولة لتخفيف الضغط عن الجماعات الإرهابية في سيناء. في حين لم يستبعد، مساعد أول وزير الداخلية السابق لشؤون الأمن اللواء محسن حفظي، دخول السيارة المفخخة من قطاع غزة، وبخاصة أن "مصر ليس بها آليات لتفخيخ مثل هذه السيارات"، لافتاً في تصريحات إعلامية، إلي أن تلك ليست المرة الأولي التي تدخل مصر سيارات مفخخة، حيث سبق ضبط الكثير منها، ولذا يتعين أن نتوقع المزيد من مثل هذه العمليات في مصر مستقبلا من جانب عناصر جماعة الإخوان. من جهته، دان عضو اللجنة المركزية لحملة تمرد محمد عبدالعزيز، محاولة اغتيال وزير الداخلية، مؤكداً أن هناك موجة من العنف استخدمتها جماعة الإخوان، خلال تظاهراتها في الفترة الأخيرة التي حاولت عن طريقها إشعال الفوضي في الشارع المصري، إلا أن تلك المحاولات لم تنجح، وبخاصة أن تظاهرات الجماعة عقب القبض علي معظم قياداتها، كانت الأقل عدداً، ولم تستطع استخدام العنف فيها لذلك السبب، لافتاً إلي أن هناك اتجاها الآن لمحاولة تكرار بعض السيناريوهات الخارجية من خلال استخدام السيارات المفخخة وعمليات الاغتيال علي غرار العراق ولبنان. خريطة المستقبل في المقابل، مازال النظام المصري الحالي يصر علي استكمال خريطة المستقبل التي وضعها الجيش عقب عزل الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو الماضي، وهو ما تؤكده تصريحات المسؤولين خلال الفترة الماضية، حيث سبق أن أكد المستشار الإعلامي للرئيس المؤقت أحمد المسلماني، أن مصر ستكون دولة آمنة عام 2014 كما أنها ستصبح دولة ناهضة عام 2015. وتابع المسلماني خلال لقائه مع قيادات الحزب المصري الديمقراطي الأسبوع الماضي ضمن جولات التشاور التي تجريها الرئاسة مع القوي السياسية لتبادل وجهات النظر بشأن خطوات تنفيذ خريطة المستقبل، إن مصر تحتاج إلي إعادة بناء القوة الصلبة والقوة الناعمة علي السواء. يأتي ذلك بالتوازي مع تصريحات للرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، أدلي بها للتلفزيون الرسمي الأسبوع الماضي، حيث أكد خلالها التزامه بتنفيذ خريطة المستقبل وتحقيق تطلعات الشعب المصري، وقال إنه "لا تراجع عن خريطة الطريق للمرحلة الانتقالية تحت أي بند من البنود"، مشيراً إلي أن استقرار الحالة الأمنية وفرض السيطرة الأمنية الكاملة علي كل شبر من الأراضي المصرية سينعكس إيجاباً علي الاستثمار والسياحة والاقتصاد بصورة عامة. لغة الإصرار ذاتها تحدث بها رئيس الحكومة د. حازم الببلاوي، خلال استقباله وفد البرلمان العربي الذي زار القاهرة أخيراً برئاسة أحمد الجروان رئيس البرلمان، حيث أكد الببلاوي، أن الحكومة المصرية ملتزمة بتنفيذ بنود خريطة الطريق التي وضعتها قوي الشعب، والتي تتضمن انتخاب برلمان جديد وفقاً لأحكام الدستور الذي تجري صياغته.