انتماء مصر الأفريقي سيظل دائما وأبدا علي قمة أولويات صانعي السياسة الخارجية المصرية ومن هذا المنطلق حظيت مصر بميراث كبير من التقدير من قبل شعوب وحكومات دول القارة السمراء.. وعلي هذا الأساس من الود المتبادل بين مصر والدول الأفريقية جاء حرص القاهرة علي حل كافة الأزمات التي قد تثار علي الصعيد الأفريقي من خلال أسلوب التفاهم والحوار وتعظيم لغة المصالح المشتركة التي تصب في النهاية لمصلحة الجميع وقد اتضح ذلك جليا في تعامل مصر الدبلوماسي مع قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي تم اتخاذه في أعقاب ثورة 30 يونيو بتعليق مشاركة مصر في أنشطة الاتحاد الأفريقي والذي اعتبره الكثيرون قرارا متسرعا وخاطئا وفي التعامل مع أزمة مياه النيل وغيرها من القضايا الشائكة التي تطفو علي سطح الأحداث بين وقت وآخر. وفي هذا النطاق يثار العديد من التساؤلات حول ماهية التقرير الذي سوف ترسله لجنة حكماء أفريقيا والتي زارت مصر مرتين علي مدي الشهرين الماضيين لتفقد الأوضاع علي أرض مصر ولقاء كافة الأطياف لمعرفة حقيقة التطورات الجارية في البلاد لاسيما أن هناك توقعات بنتائج إيجابية لعمل اللجنة والتي قد يترتب عليها عودة مصر إلي ممارسة أنشطتها في الاتحاد الأفريقي. وماذا بشأن تطورات ملف مياه النيل وسد النهضة الأثيوبي وذلك الملف الذي يحتاج منا إلي تكثيف المزيد من الجهود للوصول إلي حل يرضي كافة الأطراف ويحرص علي مصلحة جميع دول حوض النيل دول المصب والمنبع علي حد سواء. وماهي حقيقة الموقف المتشدد لدولة جنوب أفريقيا تجاه مجريات الأحداث في مصر والذي يأتي مخالفا لميراث العلاقات بين الدولتين خلال السنوات الماضية والتي اتسمت بالتعاون والود والصلابة. حول كافة هذه التساؤلات المطروحة دار الحوار مع السفيرة »مني عمر« مساعد وزير الخارجية السابق للشئون الأفريقية والمبعوثة الشخصية لرئيس الجمهورية لعدد من الدول الأفريقية. في بداية الحوار كان التساؤل حول تقييمها للقرار الذي اتخذه مجلس السلم والأمن الأفريقي بشأن تعليق عضوية مصر علي أساس وصف خاطئ للثورة المصرية في 30 يونيو ولمجريات الأمور في البلاد وماهو رد الفعل الذي حصلت عليه من خلال جولتها في عدد من الدول الأفريقية الهامة عقب هذا القرار كمبعوثة شخصية لرئيس الجمهورية من أجل إيضاح الأمور وشرح حقائق الأوضاع في مصر؟ - قالت السفيرة مني عمر : أولا أود أن أوضح حقيقة هامة وهي أن قرار التعليق الذي اتخذه مجلس السلم والأمن الأفريقي ليس متعلقا بعضوية مصر في الاتحاد الأفريقي فعضوية مصر سارية ولايمكن لأحد المساس بها وإنما التعليق هو بشأن مشاركة مصر في أنشطة الاتحاد مثل عدم حضور الاجتماعات أو المشاركة في الاحتفالات فقط. وأضافت السفيرة مني عمر: أما فيما يتعلق بالجولة التي قمت بها كمبعوثة لرئيس الجمهورية والتي شملت زيارة أثيوبيا وأوغندا وبوروندي وجيبوتي وكينيا وسيشيل وأريتريا فإن نتائج هذه الجولة كانت إيجابية للغاية فلقد لمست تفهما كبيرا من قبل كل الرؤساء وكبار المسئولين في هذه الدول التي ذكرتها وعلي سبيل المثال لا الحصر قال لي رئيس وزراء أثيوبيا خلال لقائي به إنه من الأهمية بمكان عندما يشعر أي رئيس بأن شعبه لايريده فعليه الاستجابة فورا من نفسه ومن ثم فإن الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي أساء التصرف بتمسكه بالبقاء ورفضه إجراء انتخابات رئاسية مبكرة والذي كان مطلبا شعبيا قويا. ووصف الرئيس الأوغندي موسيفيني ماحدث في مصر بأنه ثورة شعبية عارمة وانتقد الرئيس الأوغندي القرار السلبي الذي صدر من الاتحاد الأفريقي بشأن تعليق مشاركة مصر في أنشطة الاتحاد ووصفه بأنه قرار خاطئ وكان لابد أن يصدر من الاتحاد موقف داعم لمصر وللثورة المصرية. رفض الأحزاب الدينية واستطرد الرئيس الأوغندي في حديثه موضحا أنه التقي مع الرئيس السابق محمد مرسي مرتين وسأله سؤالا محددا لم يجب عنه والذي يتعلق برأيه إذا ما تم الإعلان عن حزب باسم الإخوان المسيحيين في أوغندا باعتبار أن الأغلبية مسيحية في البلاد ويتولون حكم البلد فكيف يمكن التعامل مع كافة الأديان الأخري في المجتمع. أما رئيس جيبوتي وعلي حد قول السفيرة مني عمر فقد قال كلمة هامة خلال اللقاء متسائلا عن أنه يريد أن يعرف من أعطي الإخوان التوكيل للتحدث باسم الإسلام فإنني رئيس دولة إسلامية وكلنا مسلمون ولكننا حرصنا علي أن نذكر في الدستور نصا صريحا وواضحا بعدم إقامة أي أحزاب علي أساس ديني. تقرير استشاري من الجدير بالذكر فإن لجنة الحكماء الأفارقة برئاسة ألفا عمر كوناري رئيس كينيا السابق قد انتهت مهمتها في مصر أخيرا وسوف ترفع تقريرها النهائي للمفوضية الأفريقية لاتخاذ القرار النهائي بشأن مصر فما هي توقعاتك بشأن القرار الذي سوف يصدر من المفوضية لاسيما أن هناك توقعات بصدور قرار إيجابي خلال شهر أكتوبر المقبل؟ قالت السفيرة مني عمر: إن زيارة وفد لجنة الحكماء هي إحدي آليات الاتحاد الأفريقي للتحقق من حقيقة الأوضاع في البلاد التي تمر بأزمات سياسية نتيجة تغيير في أنظمة الحكم وهذا ليس مقصورا علي مصر فقط بل إن هذا القرار الذي صدر من مجلس السلم والأمن الأفريقي بشأن تعليق المشاركة في الأنشطة قد صدر تجاه عدد من الدول الأفريقية من قبل. وأوضحت السفيرة مني عمر أن الأساس الذي صدر بناء عليه القرار غير سليم لأن مثل هذه القرارات تصدر بشأن حدوث تغييرات غير دستورية مثل الانقلابات العسكرية والأضاع في مصر مخالفة لذلك تماما فما حدث في مصر ثورة شعبية عارمة تكتسب شرعيتها من إرادة الشعب الذي ذهب من قبل إلي صناديق الاقتراع وأعطي صوته للرئيس السابق فلماذا نقبل بالتصويت بنعم ونرفض الأمر عند التصويت بلا وما حدث أن الشعب صوت بالرفض من خلال عملية ديمقراطية مباشرة من خلال نزوله إلي الشارع بنفسه. وقد اتصلنا بالمسئولين في الاتحاد الأفريقي قبل إصدار قرار مجلس السلم والأمن لكي ترسل المفوضية الأفريقية وفدا لمقابلة كافة الأطراف السياسية والتعرف علي حقيقة الوضع ولكنهم لم يفعلوا ذلك حينها وتسرعوا في إصدار القرار ثم أدركوا الخطأ بعد ذلك وأرسلوا وفد الحكماء الأفارقة الذي زار مصر مرتين. وفيما يتعلق بتوقعاتي بشأن مايمكن أن يتم بناء علي تقرير لجنة الحكماء فإن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة علي وشك الانعقاد وكافة وزراء الخارجية الأفارقة سوف ينشغلون في هذه الاجتماعات وبالتالي لن يتم تقديم تقرير لجنة الحكماء للوزراء الأفارقة قبل شهر أكتوبر المقبل مع الأخذ في الاعتبار أن هذا التقرير الذي يوضح انطباعات أعضاء اللجنة التي تولدت لديهم من لقاءاتهم مع مختلف القوي والأطياف في مصر هو تقرير استشاري وليس الزاميا. وعلي كافة الأحوال فإنني شخصيا أتوقع أنه لن يتم رفع هذا الحظر عن مصر قبل الإقدام علي تنفيذ خطوة هامة من خطوات خارطة الطريق فمثلا عندما ينتهي وضع الدستور والاستفتاء عليه ويصبح لدينا دستور واضح وصريح يصبح من السهل استخدام هذه الخطوة وعودة مصر لممارسة أنشطتها في نطاق الاتحاد الأفريقي. عوامل متعددة في حقيقة الأمر فإن موقف دولة جنوب أفريقيا المتشدد والمتعنت تجاه مايجري في الواقع علي أرض مصر يخالف ميراث العلاقات بين الدولتين فالعلاقات بين مصر وجنوب أفريقيا كانت دائما علاقات تعاون جيدة ولم يكن هناك أي خلافات تذكر في إطارها؟ فما هي أسباب الموقف السلبي الحالي لجنوب أفريقيا تجاه مصر؟ قالت السفيرة مني عمر: في اعتقادي الشخصي أن هناك أكثر من عامل وراء ماتتخذه حكومة جنوب أفريقيا من مواقف سلبية تجاه مصر: أولا: أن جنوب أفريقيا تريد أن تقتنص الزعامة في القارة الأفريقية من القوي الأخري المنافسة لها في هذا النطاق وعلي رأسها مصر ومن ثم تحاول جنوب أفريقيا إضعاف مصر من خلال التعليقات السلبية علي عملية التحول الديمقراطي بها. ثانيا: هناك تنافس علي المقعد الأفريقي المحتمل في مجلس الأمن وبالتالي فإن جنوب أفريقيا من مصلحتها أن توضح بأنها الدولة الديمقراطية وماعداها من دول مثل مصر ونيجيريا والتي تتنافس معها في الحصول علي هذه المقعد ليست جديرة به. ثالثا: لدي جنوب أفريقيا تواجد لجماعات إسلامية متطرفة وكان لهذه الجماعات اتصالات دائمة مع حكومة الإخوان في مصر مباشرة بعيدا عن حكومة جنوب أفريقيا وبالتأكيد فإن ما حدث من تغييرات في مصر كان له تأثيره علي هذه الجماعات في جنوب أفريقيا ولاسيما أن هناك عددا كبيرا من رجال الأعمال في نطاقه ولديهم نفوذ كبير علي حكومة جنوب أفريقيا. ومن ثم فإن هذه من أهم الأسباب التي تقف وراء الموقف الشاذ المعلن من جنوب أفريقيا والذي يختلف عن مواقف الدول الأفريقية حيث تعمل حكومة جنوب أفريقيا علي إظهار مصر غير ملتزمة بقرار الحظر وهذا يخالف الحقيقة فنحن ملتزمون بالقرار كما تعمل جنوب أفريقيا علي منع مصر من التحرك في نطاق منظمات أفريقية أخري مثل الكوميسا وغيرها.. وعلي كافة الأحوال فإن تصرفات حكومة جنوب أفريقيا بعيدة كل البعد عن القيم الأفريقية لاسيما أنها حظيت دائما بمساندة ودعم مصر خلال فترة كفاحها ضد نظام الأبارتيد وكل ما نأمله أن تراجع حكومة جنوب أفريقيا الأمور بصفة موضوعية ولا تلجأ بصفة غير مباشرة ومن خلال دول أخري تدور في فلكها لعرقلة اتصالات مصر ببعض المنظمات الأفريقية الأخري. ملف مياه النيل لقد قمت من خلال جولتك بزيارة عدد من الدول الواقعة في حوض النيل وعلي رأسها أثيوبيا فما هي آخر التطورات بشأن ملف سد النهضة لاسيما أن هناك التزاما من حكومة أديس أبابا بإجراء اجتماعات وزارية علي المستوي الفني المتمثلة في اجتماع ثلاثي لوزراء الري في مصر وأثيوبيا والسودان لبحث الأمور الخارجية ثم يعقب ذلك اجتماع لوزراء الخارجية للتوصل إلي حل مرض للجميع بشأن الأزمة المثارة حول مياه النيل؟ قالت السفيرة مني عمر: خلال جولتي في هذه الدول لم نتطرق إلي بحث ملف مياه النيل لأن التركيز كان متعلقا بشأن قرار تعليق ممارسة مصر لأنشطتها في الاتحاد الأفريقي. وأضافت السفيرة مني عمر: ولكنني أرجو ألا يلهينا الشأن الداخلي عن متابعة ملف مياه النيل وغيرها من الموضوعات الشائكة التي تتعلق بالأمن القومي المصري وفي اعتقادي أننا ننتظر انتهاء لجنة الخبراء من تقرير تفصيلي حول بعض الموضوعات المتعلقة بسد النهضة حتي تنعقد الاجتماعات الفنية علي مستوي وزراء الري ثم الاجتماعات علي مستوي وزراء الخارجية لبحث هذه الأمور بدقة والتوصل إلي اتفاق يضمن حقوق وواجبات كل الأطراف دون الإضرار بمصالحنا ونحن علي استعداد للتعاون مع كافة دول حوض النيل وهناك تعاون مع جنوب السودان في إنشاء سد (واو) ومصر لاتعارض التنمية الشاملة في حوض النيل والتي تعود بالنفع العام علي جميع الدول دول المنبع ودول المصب علي حد سواء. وأكدت السفيرة مني عمر أهمية الاستمرار في تكثيف الاتصالات مع الدول الأفريقية وعلي كل المستويات بدءا من الرئاسة وحتي مستوي المجتمع المدني حيث يكون هناك تواصل علي مستوي الشباب المصري والأفريقي وعلي مستوي منظمات المرأة المصرية والأفريقية ولايتم إلقاء كل العبء علي الحكومة المصرية لأن الاتصالات بين الشعوب دائما هي الأهم وهي الأبقي.